اسمها كان عيدًا في فمي.. ريتا ومحمود درويش بين مجاز وحقيقة وعشق ممنوع
يا ريتا أعيديني إلى جَسَدي.. لِتَهْدَأ لَحْظَةَ إبَرُ الصَّنَوْبِر في دَمي المَهْجورِ بَعْدَك.. ريتا التي لازمت محمود درويش دومًا في شعره، وفي نثره، في حياته وبعد الرحيل، اسمها لم ينفك من ذهن قارئ درويش، وحقيقتها لم تتكشف لناقده، هي لغز درويش الأشهر، أسطورته المعشوقة التي نثرها في كل مكان بشِعره، فهل كانت ريتا مجازًا أم حقيقة؟ هل هي امرأة أم أكثر من واحدة؟ الكثير من الأسئلة الحائرة حول ريتا تلك الفتاة التي قبّلها عندما كانت صغيرة، تلك التي كانت تُعد له النهار، لماذا لم تظهر ولماذا لم تنضب من قصائده؟ والسؤال الأهم، كيف تُيم الفلسطيني باليهودية؟
في حواره مع عباس بيضون المنشور في مجلة مشارف العدد الثالث المنشور في أكتوبر 1995، أجاب عندما سأله بيضون، هل تتكلم عن غرام يهودية؟ فقال: نعم ممكن، ليضيف بيضون: ذلك موجود في شعرك؟ ليجيب درويش: نعم موجود، أمّا كيف يحصل الغرام فهذا يتعذر تفسيره، المصادفة تصنع غرامًا، المجتمع الإسرائيلي متفتح وأوربي بالقياس إلى المجتمع العربي المحافظ والتقليدي، ولم يكن من السهل إقامة علاقة عاطفية مع فتاة عربية، الحب الأول كان طبعًا مع فتاة عربية، لكنه حب رسائل، لا لقاءات، وأول علاقة متكاملة كانت مع يهودية.
كثُرت الأقوال، وقلت الحجج، والكثير من الأساطير نشبت، قصص تتابعت، وقصص تتبّعت آثارها في كل مكان ارتحل فيه، في كل قصيدة وبيت أسكنها فيه، ريتا التي حلت مع عائلتها اليهودية في أعوام الهجرة إلى فلسطين، ودفع درويش الصغير ثمن قدومها بالرحيل قسرًا من بيته، ومن بلدته، ومن فلسطين كلها، "بين ريتا وعيوني بندقية" انضمت ريتا للجيش المحتل في عام 1967، تحمل بندقيتها أمام شعبه، تساعد في نصب المزيد من منافٍ تحتوي أبناء جلدته.
البعض قال بأنها تانيا رينهارت، تلك الصحفية الإسرائيلية عالمة اللغويات، أستاذة الأدب، التي كانت تدافع عن الفلسطينيين وتدعو للسلام، والتي كتبت عن جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، وآخرون قالوا لا، إنها الشاعرة الإسرائيلية اليسارية داليا ريبكوفتش، استنادًا على تصريحه في إحدى القصائد بقوله: والشاعرة الحسناء تبكي على قدميّ في الليل، وتدلُ الشرطةَ على آثار قدميّ في الصباح، فهي شاعرة ومناصرة للفلسطينيين، ومناصرة لدرويش ذاته، فقد دافعت عن حقه في زيارة أهله بفلسطين.
سجل أنا عربي، كان هذا عنوان فيلم وثائقي تم إنتاجه 2014 عن محمود درويش، عملت عليه المخرجة ابتسام مراعنة، ظهرت فيه راقصة يهودية تدعى تامار بن عامي، كانت مقيمه بألمانيا، وقالت إنها كانت على علاقة بمحمود درويش، وأضافت: بداية علاقتي بدرويش بدأت بعد رقصة أديتها في مقر الحزب الشيوعي الإسرائيلي، الذي كان عضوًا فيه قبل استقالته، وكان عمري آنذاك 16 عامًا، لنفترق بعدما استدعيت إلى الخدمة العسكرية بسلاح البحرية الإسرائيلية.
يقول درويش: لكن فكرة العدو دائمًا تختبئ في أي علاقة بين رجل وامرأة، وبعد حرب 67 نشأت قطيعة عاطفية بين الشبان العرب والفتيات اليهوديات، "فَهَلْ كانَتْ هُنا ريتا وهَلْ كُنَّا مَعا؟" ريتا، مجازًا كانت أم حقيقة، فهي تظل هذا الرمز الذي رسم به درويش علاقة معقدة بين المعسكرين، وحملها مشاعره، ومشاعر جيله من الفلسطينيين، ليس بالضرورة أن تكون إحدى اللواتي مررن في مقالنا، أو أن تكون غيرها، ويكفي أن تظل الرمز.