الدولة المصرية بين نزعة الترصد وفضيلة الإنصات
بعد مرور سبع سنوات على تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم، وبعد تحديات كثيرة خاضتها الدولة المصرية في خضم مؤامرات شرسة حاكها المتربصون بأمنها واستقرارها بلا هوادة، نجد أننا أمام قيادة سياسية برهنَتْ على امتلاكها من القوة والحكمة والإرادة ما يؤهلها للدفع بهذا البلد نحو مستقبل أفضل، بالتزامن مع تسخير كل الإمكانات لدرء المخاطر عنه.
قيادة غامرت بنفسها في ظروف استثنائية صعبة من أجل أن تُبقي على أركان الدولة شامخة قوية، لتنتشل هذا الشعب من براثن سنوات مريرة خاضت فيها مصر حربًا شرسة من أجل النجاة والبقاء.
وكالعادة يستغل مترصدو هذا البلد كل قضية مجتمعية تثار للإيعاز بأن النظام الحاكم لا يمنح الأولوية للفقراء، بل ويتمادون في ترديد الجملة المستهلكة فاقدة المنطق «آه ما هو بياخد من الفقراء علشان يمنح الأغنياء»، وكأن مبادرة حياة كريمة التي تستهدف الارتقاء بحياة ستين مليون مواطن هي مبادرة موجهة إلى الأغنياء، وكأن إطلاق المشروع القومي للقضاء على العشوائيات والأماكن الخطرة التي كانت ندبة قبيحة في وجه مصر هو أيضا مشروع موجه إلى الأغنياء فقط، أو أن الخطة الضخمة التي وضعت لتطوير الطرق والكباري وضعت كي لا يسير عليها سوى الأغنياء فقط.
ولمجرد أن الرئيس السيسي خرج بتصريحات منذ أيام يتحدث فيها عن ضرورة إعادة النظر في دعم رغيف العيش، وإعادة ضبط هذه المنظومة بشكل عادل يلبي احتياجات المواطن ويضمن في ذات الوقت للدولة صون مقدراتها المهدرة؛ قامت الدنيا عند هؤلاء المترصدين ولم تقعد، وهو ما يبرهن على أن منطقهم هو «نهاجم كيدًا ونكاية في النظام الحالي وليس أملًا في مستقبل أفضل»، وهو ما يظهر جليًّا في حجم مجهودهم المبذول لإثارة الرأي العام وتحفيزه كلما سنحت لهم الفرصة، والتقليل من أهمية كل إنجاز يتحقق على أرض الواقع لا تخطئه عين أي إنسان عاقل.
الجيد هو أن القيادة السياسية فطنة إلى هذا الأمر، ومع كل قضية تثار يسارع الرئيس السيسي بفتح حوار مجتمعي وشعبي مباشر معه، للإنصات لآراء ومطالب الشعب المصري بمختلف فئاته وطبقاته، بل وتكون الأولوية هي الإنصات للفئات الأشد فقرًا والأكثر احتياجًا، وهو ما لم يَعْتَدْ عليه الشعب المصري من قبل.
ولسوء حظ مترصدي الدولة المصرية فإن هناك سمة شخصية يتمتع بها الرئيس السيسي منذ توليه زمام الأمور، هي أنه لا يرضى أن يكون معزولًا عن الشارع المصري بأي شكل من الأشكال، فأحدث بذلك نمطًا جديدًا من التواصل المباشر مع الشعب غير معهود في سلوك أغلب الرؤساء، ليناقشهم ويستمع لآرائهم وأسئلتهم العفوية وما يجول في خواطرهم بشكل دوري، وبإنصات متزن، لا يعبر عن ضعف، ولا يشوبه تعنت.
وهذا ما ظهر جليًّا عندما اجتمع الرئيس السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية أمس، على هامش افتتاح مشروعات الإسكان الاجتماعي بمدينة بدر، وحملت تصريحاته رسائل طمأنة عديدة للشعب المصري في مختلف مناحي الحياة، والأهم ما حملته هذه التصريحات من رسائل تقدير واحترام لما بذله المصريون من تضحيات خلال الفترة الماضية، وما تحملوه من أعباء جراء برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي كما قال: لم ينجح إلا بفضل صمود المصريين.
وبنظرة متأملة فإن مواقف عدة للنظام المصري أثبتت أن من يدير هذا البلد يمتلك عقلًا واعيًا بمقومات النجاح وعواقب الخسارة، كما يدرك أن الانسياق الأعمى وراء مطالب العوام في بعض الأحيان خطأ لا يقل خطورة عن تجاهلها، وهو ما برهنت عليه أزمة سد النهضة عندما سار الرأي العام المصري بغالبيته إلى ضرورة خوض غمار الحرب مع إثيوبيا، لكن القيادة السياسية بما تمتلكه من خبرة وحكمة وعقلانية ومن قبل كل هذا حرصها على تجنيب هذا الجيل المنهك بكل ما مر به، مواجهة واقع أليم تفرزه النزاعات المسلحة شئنا أم أبينا؛ أظهرت بما لا يدع مجالًا للشك أن تفادي خوض الحروب يتطلب جسارة تفوق جسارة إشعال فتيلها، فشتان الفارق بين مترصد يتربص للإيقاع بمصر وشعبها، ومحب مخلص ينظر لوطنه دائمًا بعين الإنصاف.