في ذكرى ميلاده.. محطات في حياة أنيس منصور من حفظه للقرآن حتى مقابلة السادات
ولد الكاتب الكبير وأحد رواد الأدب العربي أنيس منصور في 18 أغسطس 1924 بمحافظة الدقهلية، وأتم حفظ القرآن، وهو في التاسعة من عمره في كُتاب القرية، وحصل على ليسانس الآداب قسم الفلسفة عام 1947.
اشتهر الكاتب الكبير أنيس منصور، بكونه عدو المرأة الأول، وكان هذا اللقب لصيقًا به، لكن غالبًا ما يكون للحقيقة أكثر من وجه، والفنان يستطيع أن يلعب أكثر من دور، فعلى عكس المتوقع لم يكن عدو المرأة تعيسًا ولو ليوم واحد في حياته الزوجية، فقد امتدت قصة حبه مع السيدة رجاء حجاج حتى آخر يوم في حياته.
حتى إنها قالت: أنيس كان يعشق 3 أشياء.. أنا والسفر والكتابة، وقد أهداها أنيس منصور كتابه الموسوعي في صالون العقاد كانت لنا أيام، وهو الكتاب الوحيد الذى كتب فيه إهداء، وجاء فيه: إلى التى لولا تشجيعها ما كان السطر الأول فى هذا الكتاب، ولولا تقديرها ما اكتملت هذه الصفحات، امتنانًا عميقًا وحبًا أعمق: إلى زوجتي.
دراسة أنيس منصور
حفظ القرآن كله وهو في سن التاسعة عند كتاب القرية وكان له في ذلك الكتاب حكايات عديدة حكى عن بعضها في كتابه عاشوا في حياتي، كما كان يحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي والأجنبي.
استكمل أنيس منصور دراسته الثانوية في مدينة المنصورة وكان الأول على كل طلبة مصر حينها، وكان ذلك استكمالًا لتفوقه في صغره، واشتهر بالنباهة والتفكير المنطقي السليم، حتى إنه إذا جاءت حصص اللياقة البدنية كان المدرسون يقولون له - كما ذكر هو في كتابه عاشوا في حياتي: بلاش كلام فارغ انتبه لدروسك ومذاكرتك الأولاد دول بايظين؛ لأنهم كانوا يرون فيه مستقبلًا باهرًا وشخصية فريدة.
التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة برغبته الشخصية، دخل قسم الفلسفة الذي تفوق فيه، وحصل على ليسانس آداب عام 1947، وعمل أستاذًا في القسم ذاته، لكن في جامعة عين شمس لفترة؛ حيث عمل مدرسًا للفلسفة الحديثة بكلية الآداب جامعة عين شمس من عام 1954 حتى عام 1963، وعاد للتدريس مرة أخرى عام 1975، ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم والإبداع الأدبي في شتى صوره.
زواج أنيس منصور
وتروي رجاء حجاج، زوجة أديب البسطاء، أن منصور وقع في غرامها بعد أن شاهدها في نادي التوفيق الرياضي وهي تلعب التنس، وعندما حاول التقرب إليها استشعرت هي فيه - بحس القارئة المخضرمة حيث كانت من هواة القراءة - أنها أمام عملاق أدبي في طور النمو، وفي الوقت ذاته أحس منصور باستحالة زواجهما؛ حيث كان في بداية حياته المهنية، ولا يملك في الحياة شيئًا، وكانت هي سليلة الحسب والنسب، من أسرة عريقة تعج بالظباط والوزراء.
فلجأ منصور إلى الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل الذي كان صديقًا شخصيًا لأخيها من أجل أن يتوسط له في الزواج.
علاقة أنيس منصور وزوجته بعبد الناصر والظباط الأحرار
كان لزوجة أنيس منصور رجاء منصور دور في ثورة 23 يوليو لم تعرفه هي نفسها، كان أخوالها، زكريا توفيق وتوفيق عبدالفتاح، من الضباط الأحرار، وكانوا بحاجة إلى التخفي فكانوا يملونها المنشورات لتكتبها بخط يدها، وهي لا تدري لصغر سنها.
يروي أنيس منصور أن ملفاته الأمنية كانت سببًا مرجحًا لزواجه فيقول: عندما طلبت من الرئيس السادات أن يطلعني على الملفات المكتوبة عني في أجهزة الأمن رأيت بعضها، فوجدت ملاحظتين: الأولى أن عددًا كبيرًا من النكت منسوبًا إلي كأني لا أفعل شيئًا في هذه الدنيا إلا النكت، ومن المؤكد أن بعضها من تأليفي، لكن ليست كل هذه النكت، والملاحظة الثانية عن قصصي الغرامية الكثيرة، كأني متفرغ للغراميات مثل واحد يجلس في الشارع على حارة زنقة الستات لا شيء يشغله إلا الحب، وقد أفادني هذا التقرير الأمني في زواجي.
اعترض خالا زوجته وكانا يشغلان منصبي وزير التموين والشؤون الاجتماعية، لكن أحدهما قال لزوجتي: لو ثبت أن أنيس يعرف ألف واحدة سأزوجه لك، ولو كان يعرف واحدة فقط فلن أزوجك له لأنه لن يتركها، وحينما أطلع على التقارير الأمنية وافق على زواجي.
روى إبراهيم عبدالعزيز في كتابه رسائل أنيس منصور أن الرئيس جمال عبدالناصر اعترض على اقتران أنيس بزوجته، باعتبار أنه لا يجوز لصحفي أن يناسب الضباط الأحرار، فما الحال بصحفي من أخبار اليوم - التي كان عبد الناصر ينظر إليها وإلى مؤسسها بريبة وشك - وكان محمد حسنين هيكل هو الذي خطب لأنيس زوجته، وكان شاهدًا على عقد قرانه.
كما أشارت زوجته إلى أنها من أخذ بيد الكاتب الكبير إلى الحياة الأرستقراطية الاجتماعية المصرية؛ حيث عُرف عن الكاتب الكبير أنه لم يكن من هواة المناسبات الاجتماعية ولا الأكل بالشوكة والسكين، لكنها غيرت كل ذلك.
وبرغم حبهما الجارف إلا أن الزوجين قررا عدم الإنجاب من أجل تخفيف وطأة الحياة الزوجية، لكنه ارتبط عاطفيًا بابنتها «منى رجب» التي أصبح أكثر من أب لها، وساندها كثيرًا في بداية مشوارها الصحفي في جريدة الأهرام وأفاض عليها من خبرته كما أهداها قلمًا له معزة خاصة عنده.
ومن المواقف الطريفة أنه أقنع ابنة منى «رنا»، بأنه والدها حيث كان يهوى المقالب، وذات يوم أتت الطفلة من المدرسة لتخبره أنه «بابا اللعبة»؛ حيث أخبرتها المدرسة بأنه لا يمكن لشخص أن يحظى باثنين من الأباء في نفس الوقت، لذا فهمت أن منصور هو أبوها غير الحقيقي، وقد كتبت منى رجب عن ذلك الموقف فى مقال فى جريدة الأهرام بعد وفاة منصور باسم «بابا اللعبة»، وكان منصور يعتبر رجاء حجاج وابنتها عائلته الحقيقية وأسرته الوحيدة.
ومن المواقف التي تعبر عن عاطفة الحب الحقيقية التي جرت بين الاثنين، أن رجاء حجاج تعرضت ذات يوم لجلطة مفاجئة، فسمعت منصور يبكي، ويقول لابنتها أنه لا يستطيع فعل أي شىء في الحياة دونها، وكانت تلك تقريبًا هى المرة الوحيدة التى بكى فيها عدو المرأة، وحكت عن موقف آخر حين انقطع زرار بيجامته، التي كان لا يهوى الكتابة إلا وهو مرتديها، وكانت هي مسافرة لعدة أيام وحين رجعت إلى المنزل وجدته قد لزق البيجامة بالبلاستر.
وحكت رجاء حجاج قصة فصل أنيس منصور من العمل بالصحافة؛ بسبب مقال «حمار الشيخ عبدالسلام» الذي نشر فى عهد عبد الناصر الذى اعتقد أن أنيس كان يقصده بهذا المقال، وتدور حكايته حول خلاف شب بين الشيخ عز بن عبدالسلام وبين أحد سلاطين المماليك؛ بسبب حاشيته من المماليك الطغاة الظالمين، فتصدّى الشيخ لجورهم، وخاف الناس عليه من بطش السلطان، لكن الشيخ لم يخش في الحق لومة لائم، ومضى مغادرًا مصر مع حماره، فبعث السلطان وراءه من يسترضيه، ووافق على تنفيذ أوامره بتأديب أمراء المماليك الذين كانوا عبيدًا قبل مجيئهم إلى مصر ليحكموا الأحرار.
وعند عودة الشيخ أمر بإعادة بيعهم عقابًا لهم على ظلمهم، وباع الشيخ حماره في نفس السوق، قائلًا إنه لا فرق بين الحمير والأمير، فكلهم حيوانات ما داموا بلا عقل ولا حرية، وقد ظل منصور قرابة الـ9 شهور بلا عمل، وتم إيقاف حتى البرامج التليفزيونية التي كان يقوم بإعدادها باسم غير اسمه الحقيقي للتكسب، وحينما قرأ الرئيس السادات هذا المقال قال له ساخرًا «أنه كان يستحق الشنق وليس الفصل فحسب».
علاقته الشخصية بالسادات
كانت له علاقة وطيدة بالرئيس السادات؛ حيث كلفه بتأسيس مجلة أكتوبر في 31 أكتوبر 1976، وكان أنيس منصور الصحفي الأول للسادات بعد 1975، وكان صديقًا مقربًا وكاتمًا للأسرار، ورافقه في زيارته إلى القدس عام 1977.
وعن دور زوجته في حياته، وصفت رجاء حجاج نفسها بكونها المرأة وراء الرجل العظيم؛ حيث قالت إنها قد وهبت حياتها له وتفرغت له بالكامل- بإرادتها- بسبب إيمانها بموهبته وورغبتها أن يصبح أهم كاتب عربي، فكانت مسئولة عن كل شيء من ملابسه وكتبه والتزاماته، وهي ترى أنها قد هيأت له كل أجواء الكتابة والإبداع التي مكنته من تأليف 186 كتابًا، وهو الرقم الكبير جدًا فى عالم الكتابة والكتب.
وعن التناقض بين أرض الواقع وخيال المؤلف، نقضت رجاء حجاج أسطورة «عدو المرأة» الشهيرة التي لازمت الكاتب الشهير حتى وفاته، وقالت إنه كان زوجًا محبًا ومخلصًا ووفيًا.
وأن التهمة ألصقت به فقط بسبب مقالاته الأسبوعية فى الأهرام، وقد غضبت منه مرة وطلبت منه أن يكف عن كتابة تلك المقالات حتى لا يظن الناس بها الظنون أو أن "العيب بها"، لكنه كان يخبرها أن هناك دائمًا فرق بين الواقع والخيال وكان يحب هذ اللقب جدًا، لكنه في حقيقة الأمر لم يكن من أعداء المرأة.
أشهر مؤلفاته
كان للأديب الكبير العديد والعديد من المؤلفات والكتب التي تحوّل بعضها إلى مسلسلات تلفازية منها: من الذي لا يحب فاطمة، حقنة بنج، اتنين..اتنين، عريس فاطمة، غاضبون وغاضبات، هي وغيرها، هي وعشاقها، العبقري، القلب بدأ يدق، يعود الماضي يعود. والحياة الثرية التي عاشها أنيس منصور في دنيا الكتابة والتأليف بالعربية قادته أيضا إلى عالم الترجمة؛ حيث ترجم العديد من الكتب والأعمال الأدبية إلى العربية، كما ترجم أكثر من 9 مسرحيات بلغات مختلفة ونحو 5 روايات مترجمة، ونحو 12 كتابًا لفلاسفة أوروبيين، كما ألّف أكثر من 13 مسرحية باللغة العربية.
وتوفي أنيس منصور صباح يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2011 عن عمر ناهز 87 عامًا بمستشفى الصفا بعد تدهور حالته الصحية على إثر إصابته بالتهاب رئوي، وبعد معاناته الشديدة مع المرض خلال أسابيع، وذلك بعد أن شهدت صحته خلال الأيام الأخيرة مضاعفات زادت من سوء حالته الصحية، إثر إصابته بالتهاب رئوي وصفه الأطباء بالحاد، إضافة إلى شرخ بين فقرات الظهر مما ألزمه العناية المركزة طيلة الأيام الأخيرة أثناء ما كان يكتب مذكراته التي كان حريصًا على أن ينتهي منها قبل وفاته.
الجوائز التي حصل عليها أنيس منصور
حصل منصور على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة، وجائزة الفارس الذهبي من التليفزيون المصري أربع سنوات متتالية، وجائزة كاتب الأدب العلمي الأول من أكاديمية البحث العلمي، كما فاز بلقب الشخصية الفكرية العربية الأولى من مؤسسة السوق العربية في لندن، وحصل أيضًا علي جوائز أخري كثيرة.