الإثنين 25 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كواليس تسليم أفغانستان لطالبان ووهم الديمقراطية الأمريكية

الأربعاء 18/أغسطس/2021 - 04:54 م

قد يرى بعض المحللين السياسيين أنه لا عجب فى ما حدث في أفغانستان من سيطرة حركة طالبان على مناصب الحكم في البلاد، فقد استغرق التخطيط لهذه الأحداث قرابة العشرين عامًا، بينما يرى البعض الآخر أن السرعة التي تمت بها تلك العملية تثير دهشة بالغة، وقد أرى شخصيًّا أن المساهم الأكبر في ما حدث هي الأزمات الاقتصادية المتتالية التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2007 مرورًا بالخسائر المهولة التي تكبدتها في حربها بالعراق، وصولًا إلى أزمتها الأخيرة مع كورونا مما أجبر الإدارة الأمريكية على تخفيض النفقات العسكرية بشكل عاجل. 

عمر عبد العليم يكتب: غياب الكبير

فقبل تولي طالبان الحكم وبعد انسحاب معظم القوات الأمريكية من أفغانستان، سجلت طالبان تقدمًا سريعًا نحو مناطق عدة من البلاد، كما استولت على العديد من المقاطعات الأفغانية بشكل سريع، فضلًا عن كابول. جاء ذلك بمساهمة العديد من القوى الدولية وبعض دول الجوار، وكأن الولايات المتحدة الأمريكية قادت أوركسترا الانسحاب وتسليم السلطة لطلبان بشكل بارع، فيما كانت دول الجوار والمنتفعون يقوم كلٌّ بدوره على الوجه الأمثل ليخرج لنا مقطوعة موسيقية ممزوجة بالحزن والفكاهة من خلال مشاهد الفرار والإجلاء وأشلاء الشعب الأفغاني الملاصقة للطائرات الأمريكية، وأيضًا مشاهد عناصر طالبان في ملاهي الأطفال والصالات الرياضية فور تسلمهم مقاليد الحكم في البلاد.

وإذا نظرنا لبيان الرئيس الأمريكي جو بايدن، فسنجد أنه تعامل مع الأمر بشكل نمطي تمامًا وكأنه يغلق أحد مكاتب تمثيل لشركة أمريكية دون تفاصيل، وقد يرجع هذا أيضا إلى أن كلًّا من الرئيس ترامب والرئيس بايدن لم يعلنا عن المواعيد النهائية لسحب الدعم العسكري الأمريكي، بينما يعد ذلك إخفاقًا من الحزبين الأمريكيين اللذين فشلا في تقديم تقييمات موضوعية وفعالة للتطورات لدى ومع الحكومة الأفغانية التي كانت تحاول مساعدتها على مدار العقود الماضية ضد تهديد طالبان، ليس هذا فحسب، وإنما أيضًا بسبب إخفاقات الأفغان أنفسهم وبسبب طبيعتهم ربما، فلا يمكن لأي قوة خارجية أن تساعد حكومة فاشلة لا تستطيع أن تساعد نفسها. ولهذه الأسباب استبدلت واشنطن سياستها فى أفغانستان، كما استبدلت دعمها المستمر لحكومة أفغانستان بدعمها إلى القاعدة وحركة طالبان من خلال عدة خطوات قامت بها بالتنسيق مع معظم دول الجوار والقوى الإقليمية الجديدة والتي سنقوم بعرضها وبعرض من فعل ماذا ولماذا! 

عمر عبد العليم يكتب: نحنُ هُنا والعالم هناك

الولايات المتحدة الأمريكية 

عملت واشنطن بشكل مباشرعسكريًّا من خلال قوات الأمن الأفغانية الممثلة في القوات المسلحة النظامية وقوات الشرطة والاستخبارات والتي هي بالأساس صناعة أمريكية، جاء تعيينهم كنتيجة لقرارت سياسية أمريكية لإنشاء قوات أمنية أفغانية وليست نتاجًا لأي خبرات أمنية أو قتالية، ولهذا سنقوم برصد ما تم عمله من الأحدث إلى الأقدم: 

  • انتقال الدعم المالي إلى حركة طالبان بمساهمة بعض الدول الراعية للإرهاب مما سهّل على أعضاء الحركة تقديم الرشاوى لقيادات الجيش الأفغاني مقابل الانسحاب الآمن، فضلًا عن قيام بعض قيادات الجيش الأفغاني ببيع كثير من المعدات والأسلحة الثقيلة كجزء من الاتفاق الشخصي الذي تم مباشرة مع حركة طالبان خاصة في المناطق الغربية والجنوبية، على عكس ما تم في المنطقة الشمالية والتي أدركت بعض الاشتباكات المسلحة بقيادة أحد أهم قادة الأركان بالجيش الأفغاني عبد الرشيد دوستوم والذي فر هاربًا إلى مدينة تيرميز مسقط بأوزبكستان.
  • عمل تدريبات أمنية مشتركة لعناصر الأمن الأفغانية وبعض عناصر أمن دول منطقة وسط آسيا من خلال كوادر ونخب العسكريين الأمريكيين التي تهدف فقط لتأمين الشخصيات المهمة، ومنع انتشار ومجابهة القناصة وتسهيل عمليات الإجلاء، وكانت تلك التدريبات قد استمرت لنحو شهر تقريبًا خلال مايو الماضى بإحدى دول الجوار لأفغانستان.
  • التنسيق مع عدة دول مجاورة وأخرى كقطر وتركيا لاستقبال بعض اللاجئين خاصة ممن كانوا موالين للقوات الأمريكية وواشنطن أمام حركة طالبان، وذلك لاستخدامهم كأداة مساومة ولتحريك الدفة السياسية لطالبان في ظل حكمها لأفغانستان.
  • العمل المستمر منذ 2014 على انسحاب الخبرات الأمنية الأمريكية والنخبة الاستخباراتية بشكل تدريجي من أوساط القوات الأفغانية كما كان الحال مع جيش جمهورية فيتنام بعد انسحاب الولايات المتحدة.
  • انهيار الإنفاق الأمريكي على التنمية الأمنية والعسكرية الأفغانية منذ 2014، بشكل ملحوظ، بعد أن كان قد بلغ ذروته في السنوات المالية 2010 – 2012

محمود المملوك يشكر عمر محمد عبد العليم رئيس مجلس إدارة "القاهرة 24"

باكستان 

كانت إسلام آباد دائمًا ما ترى أن النهاية السلمية للصراع في أفغانستان هي الأفضل على الإطلاق، شرط أن يكون لوكلائهم من طالبان تأثير حاسم في أي حكومة أفغانية مستقبلية، وأنهم دائمًا ما يرغبون في رؤية طالبان تسيطر على جهاز الأمن الأفغاني، بما في ذلك جهاز المخابرات الوطني، وذلك على الأقل للسيطرة على طالبان باكستان وعمل نفوذ عسكري مسلح وموازٍ لمجابهة العدو اللدود لباكستان وهو الهند، ومن ثم فهو يزيل المظلة الأمنية الأمريكية التي يعتقدون أن نيودلهي كانت تستخدمها لتوسيع نفوذها في أفغانستان على حساب إسلام أباد.

وتجدر الإشارة هنا لرئيس الوزراء الباكستاني الذي أعلن أن طالبان "ليست جماعة عسكرية" بل "مدنيون عاديون". كما أكد أن معظم اللاجئين الأفغان في البلاد يتعاطفون مع طالبان، مشيرًا إلى أن ذلك يمنع إسلام آباد من التحرك ضد طالبان، بينما يجدر بالذكر أن للجيش الباكستاني علاقات طويلة مع حركة طالبان الأفغانية، حيث كانت وكالتها الاستخبارية الأولى والمخابرات الداخلية (ISI)، فعالة في القيام بالكثير من الأعمال الخارجية وتيسير الحركة على قادة التنظيم، من خلال دعمهم اللوجستي والمالي، فضلًا عن منحهم جوازات سفر باكستانية للتحرك بها. بينما تقيم معظم قيادات الحركة بمدينة بلوشستان، بجانب مصالحهم التجارية الممتدة بين كاراتشي وبشاور.

وفي ذلك تتلخص استفادة باكستان في تأمين حدودها الشمالية، من خلال وجود حليف عسكري لها كحركة طالبان، وزيادة قُوى الردع أمام عدوها المستمر الممثل في الهند، وزيادة نفوذها على الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة وسط آسيا، مما قد ييسّر على إسلام آباد جني الكثير من المكاسب المالية، والسياسية، وزيادة قواها الإقليمية. 

 

مجموعة دول الجوار

نظرًا لوجود طبيعة جغرافية خاصة لأفغانستان، مما يسمح بوجود عدة مناطق تخوم ودول جوار على رأسها طاجيكستان، أوزبكستان، تركمانستان، قيرغستان، وإيران. وفي هذه الحالة تتأصل هذه الدول بعلاقاتها مع إسلام آباد منفردة ومباشرة، وفي بعض الأحيان تكون من خلال بعض التنظيمات التي تجمعهم، وهو ما نشير إليه تحديدًا في هذا السياق، وبشكل أدق إلى منظمة معاهدة الأمن الجماعي CSTO، التي لعبت الدور النهائي في وضع اللمسات الأخيرة لعملية الانسحاب الأمريكي، وغض النظر عن تولي حركة طالبان، والاستعداد فقط للنتائج المتوقعة من تأمين الخروج السلمي والآمن لبعض الشخصيات، والأهم هو عدم تأثر تلك البلاد بما قد ينتج عن هذا الوضع الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية بشكل شبه مفاجئ بالنسة لهم، وما قد يترتب من نزوح ملايين اللاجئين الأفغان لمعظم هذه البلاد وتأثر أمن واقتصاديات تلك الأسواق سلبًا.

فقد تم انعقاد اجتماع عاجل وموسع لقادة أركان بعض هذه الدول مع ممثلي وزارة الخارجية والدفاع الأفغانية، في الواحد والثلاثين من يوليو الماضي بأحد عواصم هذه الدول، والغريب هنا أن الحضور الأبرز وضيفة شرف هذا اللقاء هي تركيا - والتي لا تملك أية صفة في هذه المنظمة -، والتي قد ترى في نفسها المقدرة على لعب دور الأخ الأكبر في هذه المنطقة ومحاولة احتواء ما قد يترتب على تسليم حركة طالبان للسلطة والعمل على بناء علاقات مع طالبان منذ البداية، خاصة بعد الدور التي لعبته في الحرب الأرمينية الأذربيجانية، وما تبعه من زيادة نفوذ تركيا الإقليميي في هذه المنطقة، بالإضافة إلى استخدام ملف اللاجئين كورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي بشكل لاحق، مثلما حدث مع لاجئي سوريا الذين فروا من الحرب أو الاضطهاد، قد يفيد هذا الضغط في جلب مكاسب سياسة أو اقتصادية مقابل سيطرة إسطنبول على هذه القنبلة الموقوتة من أمام أوروبا، لا سيما أن تصبح تركيا أحد سفراء الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة لمجابهة تحديات ربما من جهة الصين أو من جهة روسيا. 

 

قد يرضخ المجتمع الدولي للوضع الحالي، بل يمكن للبعض أن يبادر بتقديم العون لحركة طالبان والتودد لها، بل والاعتراف بها على غرار بعض الدول التي سبقت وفعلت فعلتها، ربما للاستقواء بهم كجماعة مسلحة يمكنها تنفيذ أهداف بعض هذه الدول في منطقة وسط آسيا ومجابهة القوى الروسية العتيقة هناك، أو حتى خارجها مقابل المال، وسيأتي هذا من خلال اعتبار تلك الجماعة كجماعة تمرد، أو ربما جماعة سياسية حاولت على مدار العقود الماضية الوصول إلى السلطة فقط، بدلًا من كونها جماعة إرهابية مسلحة، وذلك لحفظ ماء الوجه بغير حرج سيشيب توجهات الكثير من الدول في الوقت القادم. أو على الأقل ستقوم بعض الدول بفتح قنوات دبلوماسية بشكل غير مباشر من خلال بعثاتها القائمة أو إرسال بعثات أمنية وإنشاء سفارات جديدة ببعض دول الجوار يمكنها التعامل مع هذه الحركة في الظل، خاصة الدول التي ظلت دومًا ترفع راية الحرب ضد الإرهاب، ولا يمكنها التعامل مع طالبان مباشرة في الوقت الحالى. بل قد أزيد في القول بأن طالبان نفسها ستبدأ في مراجعة بعض توجهاتها الداخلية والخارجية بالشكل الذي يتناسب مع وضعهم الحالي، إلا أنه يتبقى أمر واحد أعتقده الأخطر وهو اختلاق جماعة أو جماعات أخرى وليدة من رحم طالبان والقاعدة ترجع للأسباب التالية:

  • شعور بعض عناصر طالبان من جيل الوسط بعدم الاستفادة من الوضع الحالي إما الاستفادة المادية أو السلطوية.
  • دعم الاستخبارات الروسية في أفغانستان لعناصر شابّة تهدف لزعزعة الوضع في أفغانستان على غرار داعش بالعراق.
  • احتواء حركة طالبان للانقسام الحالي في صفوفها من كونها حركة جهادية أو جماعة سياسية جاءت على رأس السلطة، وإنشاء حركة مسلحة أخرى تخضع لرئاسة الأمير الحالي وهو الخيار الأسوأ على الإطلاق.
تابع مواقعنا