لديها 5 أبناء أحدهم في الجامعة.. حكاية هناء أكبر طالبة في الثانوية العامة | صور
«من بعد ما شاب ودوه الكُتاب».. عبارة ومثل مُحبط دارج في قرى الريف يرتبط دومًا بمحاولات استكمال التعليم رغم تقدم العمر، لكن ما قيل ويُقال لم يُحبط «هناء» الأم لخمسة أبناء، والتي تخطت الأربعين من عمرها، حيث ظلت على عهدها وإيمانها بما تحلم حتى كافأها الله وباتت حديث الساعة كونها أكبر طالبة في الثانوية العامة، بنظام المنازل؛ بعدما حصدت درجات النجاح بنسبة بلغت 60.1%، باستثناء مادة اللغة الفرنسية.
داخل أحد منازل مركز ومدينة الحسينية، الواقعة بأقصى شرق محافظة الشرقية، عاشت «هناء موسى» حياة ملئها الحلم والطموح، الذي لا يعرف اليأس والأمل لا يفقد الرجاء رغم عثرات المعيشة وظروفٍ سبق وأجبرتها يومًا على عدم استكمال تعليمها بالمرحلة الثانوية العامة، لتُعيد الكرة بنجاح بعد نحو ربع قرنٍ من الزمان، لتلقى ما تمنت وتُحقق ما طمحت في تحقيقه يومًا، وتقترب من الحلم الأكبر في أن تُصبح مُعلمة تُخرج أجيالًا يومًا ما، وظنها الأول والأخير طيب بالله لا يخيب، ولسان حالها دومًا أن الله لا يُضيع من أحسن عملًا.
بداية الحلم كانت بفشل وظروفٍ قاسية وفق حديث زوج هناء «محمد سليمان عمر»، والذي كشف لـ«القاهرة 24»، أن زوجته كانت طالبة متفوقة في الثانوية العامة، لكن حالت وفاة والدها بين استكمال دراستها وتحمل عبء الثانوية العامة وهي بنت بالكاد أتمت ربيعها السابع عشر، لترضخ للظروف الصعبة آنذاك وتحول أوراقها للدراسة بالتعليم الفني، ورغم ظروفٍ معيشية لم تكُن على ما يُرام تفوقت كذلك وحصدت شهادة الدبلوم، لتتزوج بعدها من «محمد» وتُنجب له خمسة أبناء: «علاء» في الفرقة الأولى بالتعليم الجامعي، و«ياسمين» في الصف الثاني الإعدادي، و«عمر» في الصف السادس الابتدائي، و«هيا» في الصف الرابع الابتدائي، و«طارق» في الصف الثاني الابتدائي.
تحملت الزوجة الظروف قبل الزواج، وبعد الزواج كانت الأم والمُعلمة لأبنائها، والسكن والود والطمأنينة لزوجها، حتى جاءت فترة انتشار وتفشي وباء كورونا المُستجد، لتكُن بمثابة الفترة المفصلية في حياة الجميع؛ فالأم كانت قد بدأت تحقيق حلمها من جديد بالالتحاق بالثانوية العامة واقتربت وقتها من امتحان أولى السنوات، الذي عبرته بنجاح، فيما كان أبنائها الخمسة في المنزل بعدما أغلقت المدارس أبوابها واستكفت بالتعليم عن بُعد، لتبدأ الأم رحلة كفاح كُللت بالنجاح في مساعدة أبنائها على استذكار دروسهم والتفوق بكافة المراحل، كلًا في صفه التعليمي.
«فلوس الجامعة المفتوحة كانت كتير علينا».. قالها الزوج مُعللًا سبب عدم اكتفاء الزوجة بشهادة الدبلوم واستكمال دراستها بالتعليم المفتوح، قبل أن يشير إلى أن «الثانوية العامة منازل» كانت الخيار الوحيد المُتاح أمام «هناء» لتحقيق حلمها القديم، حتى أتمت السنة الثانية بنجاح، وجاءت السنة الثالثة لتُحقق حلم الجميع بنجاحها دون مادة واحدة.
اعتاد الزوج، والذي سبقّ والتحق بالعمل في معهد المساحة التابع لوزارة الموارد المائية والري، أن يتحمل أعباء عمله في تقطيع الرخام والجرانيت، لكن عناءه لا يُقارن بما تحمله بحب وقلب لا يحمل إلا الطيبة لأجل تحقيق حلم زوجته ورفيقة دربه، حتى أنه يصف نجاحه بفرحة لا تصفها الكلمات: «حلمي أنا اللي اتحقق»، قبل أن يُضيف: «لم تستلم تابلت ولا كتاب مدرسي ولا درس خصوصي».
«هناء» صاحبة الواحد والأربعين ربيعًا، لم تكُن مجرد أم لخمسة أبناء تحملتهم وتحملت تربيتهم بنجاح وتفوق امتد لدراستها، لكنها استغنت كذلك عن كافة وسائل الرفاهية، حسب زوجها: «لا كانت بتتفرج على تليفزيون ولا بتتابع مسلسلات ولا ليها صاحبات تكلمهم.. وقتها كان للبيت والمذاكرة وبس».
كُللت قصة «هناء» بالنجاح بمجموع درجات بلفت نسبته الإجمالية 60.1%، باستثناء مادة اللغة الفرنسية، والتي تستعد لخوض غمار اختبار الدور الثاني فيها، لكن ذلك لم يمنع زوجها بالتباهي بصدق بما حققته من تفوق ونجاح يُحسب بقدر تحملها وحلمها لا بقدر ما حققته بدرجات، وهوّ ما يجعل التفوق لا يسعه الوصف بأجمل العبارات ولا أرق الكلمات.