أنت الذي خلقته وتركته لك.. رحلة كفاح ملهمة لـ رضا عبد السلام أول رئيس لإذاعة القرآن الكريم من ذوي الهمم
قصة حياته تُحفر كالنقوش على الحجر لتكون مُلهمة ومؤثرة في حياة البشر، كلمات من كتاب للإذاعي رضا عبد السلام تعد أصدق وصف لقصة هذا الرجل الذي لا يعرف المستحيل وقهر ظروفًا خاصة ليصبح أول إعلامي من ذوي الهمم يتولى رئاسة إذاعة القرآن الكريم.
استمد رضا عبد السلام قوته منذ نعومة أظافره، وشعوره بعزة نفسه من والده الذي كان علامة مؤثرة وأحد الأركان الأساسية التي أسست ركائز وأخلاقيات وعادات وتقاليد الحميدة في نفسه، بالإضافة إلى وجود عديد من الأمهات في حياته فمنهم مَن والدته وخالته ومن ثم زوجته وابنته.
أصبح رضا عبد السلام رئيسًا للإذاعة المصرية اليوم ونراه في أعلى المراكز بعد 29 عامًا من الجهد والعطاء والمحبة بينه وبين المستمعين لتلك الإذاعة العريقة.
ركعتان السبب في نجاحه
ركعتان كانا سببًا في فتح طريق مفعم بالنجاحات، فدائمًا حياة ذوي الهمم الخاصة صعبة بسبب نظرة المجتمع والتعامل معهم، ذلك الأمر الذي لم يعيره اهتمامًا رضا عبد السلام، وسار على نهج «أنت لست مختلفًا عن البشر»، فقصة حياته بدأت بكونه ثالث أخوته، أصابت ولادته صدمة لوالدته بعدما رأته بلا ذراعين ليتوجه له والده ويحمله بكل حنان ويُقبل رأسه ليتضرع بعدها إلى الله شاكرًا النعمة التي وهبها له، مُرددًا: «أنت الذي خلقته وأنت الذي تسيره في الحياة تركته لك».
ليؤكد رضا عبد السلام، في حديثه مع الفنانة إسعاد يونس خلال استضافته ببرنامج صاحبة السعادة، أن تلك الركعتين كانتا طريقًا يظن أنه مليء بالنجاح الذي قدره الله له، ولم تخلُ حياته من المشكلات حول تعليمه ومعيشته، حيث إن المدارس كلها رفضت انضمامه لها وتعليمه، فهو طفل حينما كان يحبو استخدم مقعدته حتى في الوقوف استعان بالاستناد إلى أقرب حائط له، ورغم ذلك، لم تكن عائقًا أمامه ليكون الطفل الأكثر حركة في منطقته.
تعليم رضا عبد السلام
وفي نهاية المطاف، توجه والده إلى وكيل الوزارة في عام 1969، ليقول له: «إذا لديك طفل بتلك الهيئة أستعلمه أم لا؟ ليصمت بعدها الرجل، ويستأنف والده حديثه قائلًا إنه سيتوجه للرئيس جمال عبد الناصر، فإذا وافق لأنه نصير الفقراء والمظلومين فهو خير وبركة من الله، وإذا لم يوافق سأطلق الرصاص على هذا الطفل، فهو إذ لم يتعلم كمَن عاش بلا حياة، ليسرع الوكيل بالرد عليه بالموافقة، لتُفتح صفحة جديدة في حياة رضا عبد السلام.
وكان رضا دائم التعلم من خلال استخدام القلم في أصابع قدمه، ولكن حينما وصل للصف الثالث الابتدائي كان لا بد له من التعلم بشكل آخر، ألا وهو استخدام القلم عبر الأسنان، وبالطبع كانت البدايات صعبة، فلكل بداية مرحلة صعوبتها، ورفع في تلك الفترة رضا شعارًا «لا بد من التعب في البداية حتى الوصول للمنال».
وأشار رضا عبد السلام، في حواره، إلى أن والده هو الذي أحدث له المعالجة النفسية وأسسها التي جعلته يتعامل مع المجتمع من منطلق أنه ليس مختلفًا عنهم تمامًا، ولا يقبل حتى العطف منهم، واستحضره موقفًا في صغره، ليُرسى لديه عزة النفس والكرامة في أعلى مراتبها.
وكانت نظرة والد رضا عبد السلام صائبة في إصراره على تعليم ابنه، حيث إنه كان من المتفوقين، وحصل على المركز الثاني في الثانوية العامة في المركز الذي عاش به في محافظة المنوفية، والمركز العاشر على مستوى المحافظة، ليلتحق بعدها بكلية الحقوق رغبةً منه في دراسة الحقوق.
دخول رضا عبد السلام إذاعة القرآن الكريم
وبدأ رحلته في إذاعة القرآن الكريم من خلال أستاذ له في الكلية كان حلقة الوصل بينه وبين الصحفي الكبير عبد الوهاب مطاوع، مدير تحرير جريدة الأهرام، الذي عندما استمع إلى رغبته بشغف كان أيضًا حلقة الوصل بينه وبين الإذاعي الكبير فهمي عمر، مقنعًا إياه بقدرته على التحدث باللغة العربية بطلاقة وصوته اللائق والمعلومات الثقافية التي اكتسبها وحفظه نصف سور القرآن الكريم حينها، بالإضافة إلى كونه شاعرًا، لينال منصب رئاسة الإذاعة بعد 29 عامًا من البرامج الناجحة والتفاعل الخيّر بينه وبين المستمعين، فمن أشهر أغانيه هو برنامج سيرة ومسيرة الذي استضاف خلاله عديدًا من العلماء والمفكرين الملهمين، بالإضافة إلى تقديمه برنامج قطوف من السيرة على مدار 15 عامًا.