شهادة من رحم حرب الإرهابيين في سوريا.. داعش اختطف قيادات وفتيات القاعدة وقتل بعضهم | الجزء الأول
لم تكن سوريا مُجرد ساحة للمعارك بين القوات العسكرية النظامية ومقاتلي الجماعات الإرهابية سواء القاعدة أو داعش، بل كانت أيضًا ساحة لمعارك خفية بين تلك التنظيمات في سبيل السيطرة على الساحة الجهادية في الدولة العربية، فشهدت الفترة من 2011 إلى 2016، محاولات من تنظيمي القاعدة وداعش كل منهما لفرض سيطرته على الآخر، حتى وإن كان الأمر عن طريق المواجهة المسلحة المباشرة.
أبو أسامة الجزراوي، أحد أبرز مقاتلي جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي في سوريا، ترك شهادة مُفخخة بأطنان من الكواليس والأسرار الصادمة عن علاقة الجماعات الجهادية ببعضها، قبل أن يُنفذ عملية إرهابية بسيارة حملت خمسة أطنان من المتفجرات، وأودت بحياة 25 من القوات السورية النظامية في حلب.
شهادة الجزراوي التي تركها قبل أن يُنفذ عمليته الانتحارية حملت عنوان «هذه شهادتي»، كتبها في نوفمبر 2014، وبدأ سرد روايته مستدلًا بالآية الكريمة «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ»، و«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ».
أولى الوقائع التي سردها الجزراوي في كتابه، أشار فيها إلى ثمة عمليات اغتيال واختطاف نفذها جنود داعش بحق الفصائل الجهادية الأخرى، وعلى رأسها جبهة النصرة.
يقول القيادي بتنظيم القاعدة: «قبل القتال وقبل حصول أي اشتباك بين الفصائل وتنظيم الدولة، كان الأمنيون في داعش يغتالون ويختطفون قادة الفصائل وكوادرها، ففي حلب قد دخلنا في وجاهة ووساطة للشيخ الدكتور عبد الله المحيسني - المفتي الشرعي لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا - ليسعى في مثل هذه القضايا بعد أن ذكرنا له الأسماء وأماكن اختطافهم، فيقابلنا أمراء داعش بالنفي وأنهم ليسوا المسؤولين عن تلك العمليات، ليجد أهالي المخطوف جثة ابنهم ملقاةً في أحد الطرقات، وهذا كان في الأماكن التي كانت توجد فيها الدولة في أرض الشام، حيث إن الجهاز الأمني لديهم يقود عمليات الخطف والقتل لكوادر الشام ومجاهديها».
الأمر لم يقف عند خطف المقاتلين في الجماعات الإرهابية الأخرى، بل نفذت عناصر داعش عمليات خطف لفتيات في سوريا، فيقول «الجزراوي»: «وقفتُ على حادثة بمحكمة داعش في الدانة في حلب، في قضية أحد الإخوة الصوماليين المحتجز عندهم، وقد التقيته بعد خروجه من السجن، حيث إن ابنتيه هاجرتا بتنسيق من منسقي داعش ودخلتا أرض الشام وتم تزويج الكبرى من أحد جنود الدولة من الجنسية النيجيرية، وبعد قدوم الأخ الصومالي (والد الفتاتين) وبحثه فترةً طويلة علم بمكانهن وعلم أنهن عند داعش، فذهب إليهم فما كان من محكمة الدولة في الدانة إلا أن تسجنه إحدى عشر يومًا تسعةُ منها سجنًا انفراديًا، وتعرض في سجنه للضرب والتهديد، وخلصت القضية إلى أنه لا ولاية له على بناته وتم اتهامه بأنه جاسوس!، فخرج الرجل من الشام بعد ذلك، وقد جلستُ مع زوج الفتاة الكبرى وقال: «ولي أمرهن البغدادي وليس لأبيهن ولايةٌ عليهن!».
الاختطاف كان عرضًا مستمرًا، فيشير القيادي بالقاعدة إلى أنه تم اختطاف أمير جبهة النصرة في الرقة أبو سعد الحضرمي، مع مرافقيه، وذلك في الطريق بين حلب والرقة، حيث وضعوا له حاجزًا وهميًا ثم اقتادوه هو ومرافقته، وقد تعرض لتهديدٍ قبل ذلك من قبل أمراء الدولة وأمنييها.
وتابع: «لما ذهب نائب الأخ أبي سعد الحضرمي ومجموعة من الإخوة لأمراء الدولة وسألوهم وألحوا عليهم أنكروا ذلك وأقسموا أيمانًا مغلظة أنهم لم يختطفوه، ثم أعلن النظام السوري مسؤوليته عن اختطاف أبي سعد وأنه معتقل لديهم!، وبعد ما يقارب الثلاثة أشهر وبدأ قتال حلب، إذ يخرجُ بيانٌ من جماعة الدولة في الرقة ويُعلنون مسؤوليتهم عن خطفه وقتله وقالوا في بيانٍ نشروه: وما قضية أبي سعدٍ الحضرمي عنكم ببعيد؛ فإن الدولة الإسلامية قبل أكثر من ثلاثة أشهر لم تتردد أبدًا في إمضاء حكم الله تعالى فيه بعدما ثبتت ردته بإقراره وبشهادة شرعي فصيله على فعله أنه ردةٌ وكفر، ولقد تركت الدولة حراسه الذين لم يثبت عليهم شيء.. إلخ».. والبيان هذا نشرته جماعة داعش وهو موجود على الإنترنت.