تزوير شهادات وتلاعب بأرواح الناس.. القاهرة 24 تحقق في بيع المؤهلات العليا
أدوات غير معقمة وأجهزة قديمة مع وجود طاقم طبي غير مؤهل للحياة العملية بشكل كافٍ، تندرج الأخطاء الطبية في الأغلب تحت هذه البنود، لكن مع الحوادث الأخيرة قد يعتبر من أهم العوامل التي قد تجعلك معرض لخطر الأخطاء الطبية هي عدم مهنية الطبيب من الأصل، فقد تكتشف أن الطبيب ذو السمعة الطيبة الذي يزاول المهنة لمدة لا تقل عن 10 سنوات ليس إلا منتحلًا.
سباك بمستشفى خاصة يجري عملية جراحية بـ 40 ألفا
مدام (ع.ع) تعتبر أكبر مثال على النصب المهني الذي يحدث الآن، فبعد خضوعها للكشف الطبي والتحاليل بمستشفى عين شمس التخصصي، تبين أنها تعاني من قرحة فراش وهبوط بالدورة الدموية، فاختارت أسرتها أن تتلقى العلاج بأحد المستشفيات الخاصة لضمان حصولها على العلاج الأمن.
وعقب دخولها الطوارئ طلب منها عمل بعض التحاليل والفحوصات الطبية لتتفاجأ بأن أحد الأطباء بالمستشفى كتب تقريرًا يفيد بأنها في حاجة لتدخل جراحي عاجل متزعمًا اصابتها بورم في القولون، لم يعترض ابنائها وحاولوا تجميع المبلغ المالي المطلوب الذي وصل لـ40 آلف، لتخرج المريضة جثة هامدة نتيجة خضوعها لعملية جراحية على يد سباك يدعى (ش.م).
لم يكن (ش.م) هو الوحيد الذي مارس الطب دون شهادة، فحصلت القاهرة 24 على انفراد مسبق للحديث مع عزيز كامل، الممرض الذي عمل مع أحد الأشخاص الذي زعم أنه طبيب لفترة معينة، ولم يكتفِ بهذا فقط بل قام بفتح 6 عيادات 4 منها في 6 أكتوبر و2 في الجيزة.
وذكر عزيز أنه قام في إحدى المرات بترك شخص يعاني من غرغرينا سكر حتى وصل الأمر لبتر قدمه، ولم يكن هذا المريض هو الضحية الوحيدة، فأخبرتنا ياسمين التي عملت معه لفترة بسيطة بأنها شعرت بالتعب في مرة فقام بإعطائها حقنًا غريبة، لم يمضِ إلا دقائق قليلة على أخذها لها حتى تسقط مغشيًا عليها، لتستيقظ بعد فترة بآلام أكثر لتخبرها أحدى الممرضات هناك أنه قام بإعطائها حقن في رأسها لا تعلم ما تحتويه.
كما أوصله جهله في مرة بإجراء عملية جراحية لأحدى المرضى التي كانت عانت من ورم بسيط بإحدى أصابع يدها، ليتسبب لها بعاهة مستديمة مع أن الأمر لم يكن يستدعي أي تدخل جراحي.
الكليات العلمية بـ14 ألفًا والأدبية بـ12.. ولا نستخرج شهادات طب بشري دي أرواح ناس
قررت القاهرة 24 أن تخوض تجربة شراء شهادة جامعية مزورة من سماسرة، لمعرفة كيف يتم استخراجها وتوثيقها والمبالغ المطلوبة لكل تخصص، وبعد أن تواصلت محررة القاهرة 24 مع أحدى الصفحات عبر تطبيق فيسبوك قاموا بإرسال رقم للتواصل ابعتيلنا على الواتس يا فندم بحجة ضمان سرية المعلومات.
وبعد تلبية مطلبهم بدأنا مغامرة شراء الشهادة، فتم السؤال عن آخر مؤهل دراسي تم الحصول عليه، والشعبة الدراسية والتخصص المطلوب، وكانت المفاجأة عندما رفض هذا الشخص إصدار شهادة لكلية الطب البشري بحجة مش أي شخص يحصل عليها دي أرواح ناس، واقترح علينا البديل في أسنان، صيدلة، علاج طبيعي وبطري.
بلغت تكلفة الشهادة 14 الف جنيه للكليات العلمية و12 آلف للأدبية، يتم دفع هذا المبلغ على 3 دفعات، أول دفعة تتم عبر فودافون كاش بعد تسليم البيانات، ثاني دفعة تتم بعد استلام أول مستخرج، أما آخر دفعة فتتم بعد استلام آخر مستخرج والحصول على الملف كامل وكارنيه النقابة ومزاولة المهنة، وبالنسبة للبيانات المطلوبة فهي صورة لشهادة الميلاد وصورة لشهادة الثانوية العامة أو ما يُعادلها مع صورة شخصية.
أما بالنسبة للجامعة التي ستصدر الشهادة منها لم يكن أمامنا سوى 3 جامعات المنصورة، بني سويف، حلوان، ومع محاولة استدراجه للحديث أخبرنا بأنه معيد بكلية صيدلة جامعة المنصورة، الأمر الذي يمكنه من استخراج الشهادات دون تعرضه للمتاعب، واختتم حديثه عند سؤاله عن مدى مصداقية الشهادة يا فندم إحنا شغلنا من 2008، اللي بيتعامل مرة بيجي مرتين وأكتر، لكن عندما عدنا في النهاية للمحادثة لم نجدها كاملًة، فقد قام بتفعيل خاصية بواتساب جعلته يخفي المحادثة.
مزور آخر: أنا شغال من 2011.. مفيش قلق من أي حاجة
انتقلنا للحديث مع مزور شهادات آخر ولم يكن الأمر مختلف عن سابقته، فبعد معرفته بالتخصص المطلوب سأل عن طريقة استخدام الشهادة "ياخد الشهادة يستخدمها غلط؟ يتعلم في الناس يعني؟ لكنه لم يرفض استخراجها عند معرفته بأن الشخص سيستخدمها للسفر الأمر الذي أكد لنا أن سؤاله ليس إلا سؤالًا تقليديًا فقط.
ثم قام بإرسال قائمة بالجامعات المتاحة لاستخراج الشهادة وقد قسمهم لنوعين، جامعات سيتم استخراج الشهادات منها دون ملف والتي ضمت القاهرة، عين شمس، حلوان، الإسكندرية، المنصورة، الزقازيق، طنطا، اسيوط، دمنهور، بنها، المنوفية بسعر وصل لـ6 آلاف جنيه لجميع التخصصات ما عدا الطب.
أما الجامعات التي ستتضمن استخراج الشهادة بملف فهي القاهرة، حلوان، عين شمس، 6 أكتوبر بتكلفة 15 ألف جنيه لجميع التخصصات ما عدا الطب، وعند سؤالنا عن الفرق بين النوعين قال إن الشهادة من غير ملف استخدامها يصبح محدودًا جدًا، فلا تستخدم إلا في تغيير البطاقة الشخصية أو الرخصة أو وظيفة خاصة، أما الأخرى فيتم استخدامها بشكل طبيعي في أي جهة حكومية أو خاصة مثل الجيش أو السفر أو التعيين الحكومي أو توثيق بالسفارة.
وفي محاولة فهم كيف يقوم باستخراج هذه الشهادات قال أنه سر لا يستطيع الإفصاح عنه ولا يستطيع إرسال أي دليل هنا، وطلب رقم الواتس للتواصل عليه وبعد انصياعنا لرغباته قام بإرسال أكثر من فيديو يثبت ممارسته للمهنة بالفعل، وعند عقد الاتفاق قال أنه سيقوم بأخذ 50% من المبلغ الذي وصل لـ25 آلف قبل البدء بالشغل.
وبعد انتهاء الورق في مدة لا تزيد على 8 أيام سيقوم بتصويره وارساله حتى يحصل على الدفعة الأخيرة، وفي النهاية سيقوم بإرسال الورق عن طريق الشحن، واختتم كلامه: تقدر تستخرج بدل فايد من شؤون الخريجين بنفسك قبل الاستلام عشان تتأكد من وجود بيانات ملفك مسجلة، وتقدر تستعلم من موقع الجامعة قبل الاستلام برضه.
المقدم لإثبات جدية الأمر ليس إلا.. حتى لو اتعرف إنك اشتريتي الورق أنا هتصرف متقلقيش
جدير بالذكر أنه وعلى مدار أسبوع استمرت محررة القاهرة 24 في البحث عن سماسرة تزوير الشهادات ولم يختلف الأسلوب المتبع نهائيًا من مزور إلى آخر؛ حيث توقفت طرق حصولنا على المعلومات على مقدار حذر كل واحد منهم، وكان آخر من تواصلنا معهم هو أقلهم حذرًا وحيطة، فبعد الحصول على رقمه من الصفحة التي يقوم بإدارتها قمنا بمراسلته ليبدأ في سلسلة التساؤل عن سبب استخراج الشهادة، وهل نحتاج لشهادة رسمية أم صورية.
وفي محاولة الحصول على قدر أكبر من المعلومات طلبنا منه رقم هاتفه للاتصال عليه، لم يرفض الفكرة نفسها ولكنه رفض أن يرسل لنا رقمه، فتواصلنا معه عبر ماسنجر أحد الحسابات التي يديرها.
ولجعل كلامنا مقنعًا له اختلقنا سببًا وهميًا لرغبتنا في التزوير بأن الشهادة دي لوالدي عشان يسافر بيها، ومن هنا أخبرنا بأنه يعمل سكرتير لدى أحد الأشخاص بالوزارة، ويستخرج الشهادات في فترة لا تقل عن 6 سنوات مع أشخاص يعملون في هذا المجال منذ بداية الجامعات واخدينها أبًا عن جد.
وأكمل حديثه بأن الأشخاص الذين يساعدوه تتمحور نفوذهم في محيط جامعتي القاهرة و6 أكتوبر؛ حيث يبدأ بتزوير تاريخ تخرج قديم بأرشيف الجامعة والوزارة، ومنها يمتد لمكتب الخريجين بالجامعة، وهذا الملف يتضمن الحضور والغياب ومدة الدراسة بالكامل ودرجات الامتحانات أيضًا، ووضح أن الأرشيف هو المرجع الوحيد لأي سؤال عن رقم قيد الشهادة وقام بإرسال أحدى المحادثات التي تمت بينه وبين أحد الأشخاص الذين تعاقدوا معه لتزوير شهادة بكلية الطب.
وبدأنا بعقد الاتفاقية التي لم تختلف عن سابقتها نهائيا، وطلب إرسال أي مبلغ من المال كعربون ليس إلا، وبلغ سعر شهادة جامعة القاهرة 22 الف وأكتوبر 18 آلف، ونصحنا باستخراج الشهادة من جامعة القاهرة "لو والد حضرتك سنه كبير منصحوش بجامعة أكتوبر؛ لأنها جامعة خاصة مبقلهاش كتير.
في نهاية التحقيق اتجهنا لوزارة التعليم العالي ليكون رد المصدر على سؤالنا عن هذه الشهادات بأنهم غير مسؤولين عنها، وعند اكتشاف الأمر يتم تقديم بلاغ للنيابة العامة وهي التي تتخذ كل الإجراءات في حال تم إثبات أن هذا الشخص ينتحل مهنة ما بشهادة مزورة.
