أبو بكر الصديق.. كواليس أحداث السقيفة وتوليه خلافة المسلمين
أيها الناس، من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.. تمر علينا اليوم ذكرى وفاة الصدّيق، صديق رسول الله وأول المؤمنين به، وأول خلفائه، وأحد الذين بُشرّوا بالجنة، أبو بكر الصديق رضي الله عنه والذي توفي في مثل هذا اليوم 23 أغسطس من العام 634 م.
في يونيو عام 632 ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه، لتحدث صدمة كبرى للمسلمين، ويكثر الكلام والانقسام، وفي تلك الأثناء بعد إعلان خبر الوفاة، وصل الخبر لأبو بكر الذي لم يكن قد وصل بيته وكان مع الرسول منذ قليل، ليعود مسرعًا إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فوجد عمر يصيح في الناس قائلًا إن الرسول لم يمت، فدخل على الرسول ووجده نائمًا على سريره فكشف وجهه ثم أخذ يقبله والدموع تنهمر من عينيه ويردد.. ما أطيبك حيًا وما أطيبك ميتًا.
وقبل أن تتم مراسم دفن النبي اجتمع بعض من الأنصار للحديث حول مستقبل المدينة، في سقيفة بني ساعدة، وأتوا بسعد بن عبادة ليرأس جمعهم وكان مريضًا حيث حملوه إلى جلستهم، والذي أخذ يخطب فيهم قائلًا.. كنتم أشد الناس على عدوه منكم، وأثقله على عدوه من غيركم، حتى استقامت العرب لأمر لله طوعًا وكرهًا، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راضٍ، وبكم قرير عين؛ فاستبدوا بهذا الأمر، فإنه لكم دون الناس.
في تلك الأثناء وصلت الأخبار لعمر وأبو بكر، فأسرعا إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، ووصلوا السقيفة والأنصار لا يزالون مجتمعين، وعند دخولهم صمتوا وأمسكوا عن الكلام، وعندما جلس الثلاثة إلى الأنصار، بادر أبو بكر بالكلام قائلًا: عظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص لله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والصبر معه، على شدة أذى قومهم لهم، فهم أول من عبد لله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم.
وأنتم يا معشر الأنصار، من لا ينكر فضلهم في الدين، رضيكم لله أنصارًا لدينه ورسوله، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه وأصحابه، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تفتاتون بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور.
اعتراض الأنصار ثم المبايعة
اعترض بعض الأنصار على كلام أبو بكر وقام الحباب بن المنذر يقول.. يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد، فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين.
وقال أبو عبيدة بن الجراح للأنصار: يا معشر الأنصار كنتم أول من نصر وآزر، فلا تكونوا أول من بدَّل وغيَّر، ثم أمسك أبو بكر بيد عمر وأبو عبيدة وقال لهم: هذا عمر وهذا أبو عبيدة فأيهما شئتم فبايعوا، لكن عمر بن الخطاب قال لأبو بكر أن يبسط يده ثم أمسكها، وقال: ألم يأمر النبي بأن تصلي أنت يا أبا بكر بالمسلمين! فأنت خليفة لله، فنحن نبايعك لنبايع خير من أحب رسول لله منا جميعا.
لحق عمر أبو عبيدة فبايع أبو بكر، ثم بشير بن سعد، ثم قامت الأوس فبايعت، وتبعتها الخزرج، وظل المبايعون يتوافدون حتى ضاقت بهم السقيفة، وظل أبو بكر في الخلافة حتى وفاته.
