كيف حقق المؤرخ رؤوف عباس مذكرات محمد فريد؟
نمر اليوم بذكرى ميلاد المؤرخ المصري رؤوف عباس حامد، والذي ولد يوم 24 أغسطس من العام 1939، وتوفي في 26 يونيو 2021.
يعد رؤوف عباس من أبرز المؤرخين في العصر الحديث، ساهمت أبحاثه في الرقي بمجال التأريخ، ودراسته، كما كتب العديد من الكتب المهمة في هذا المجال، وفي عام 2000 كرمته الدولة المصرية بالحصول على جائزة الدولة عن إسهاماته في هذا المجال.
أرَّخ للعديد من الشخصيات والأحداث المهمة في تاريخ الوطن، ومن أهم أعماله كتابة: مذكرات محمد فريد، والذي حقق فيه سيرة السياسي والمناضل المصري الكبير محمد فريد، من خلال ما تركه من مستندات وأوراق كتب فيها يومياته ومذكراته، وهي كما يذكر الدكتور رؤوف عباس 16 كراسًا، دون فيها مذكراته، ومجموعة من الخطابات المرسلة من وإلى محمد فريد.
تناول العمل جزءًا كبيرًا من حياة الراحل محمد فريد، والأحداث السياسية التي عاصرها محمد فريد ودونها في كراساته، وهي يوميات عالجت أحداث مصر السياسية في سبع سنوات تعتبر من أدق فترات تاريخها.
ويتحدث رؤوف عباس في تقديمه للكتاب عن نشأة وتكوين محمد فريد السياسية، وذكر أنه لم يكن يعارض في البداية الاحتلال الإنجليزي للبلاد، فقد كان محمد فريد في بداية الأمر لا يكاد يختلف كثيرًا عن المعتدلين من أتباع مدرسة الشيخ محمد عبده في نظرته للاحتلال البريطاني، فنجده يكتب في يناير 1891 معددًا الإصلاحات التى طرأت على مالية البلاد وعلى أحوالها الاقتصادية، ويبدي إعجابه بمن بيدهم الأمور المالية للبلاد، ويذهب إلى أن الإنجليز لم يأتوا حتى الآن ما يوجب كراهتنا لهم، فهم يعاملون الأهالي بالرفق والدعة، إنما حب الوطن لا يلزمنا إلا التمني بخروجهم من مصرنا العزيزة بشرط عدم عودتنا إلى الدولة العثمانية، وفي الواقع فإني أعترف دون مبالاة أننا محتاجون لمساعدة الإنجليز لنا مدة لا تقل عن خمسة عشر سنة حتى نبلغ شأوًا من التمدن والتقدم في سبيل المعارف فيمكننا أن ندبر أحوالنا بأنفسنا.
محمد فريد يتراجع وينقلب على رأيه
ثم يرصد رؤوف عباس عدول محمد فريد عن رأيه وانقلابه تمامًا على الذي رآه مسبقًا، حيث يقول في مقدمة الكتاب: نشر في غضون تلك الأيام كتابه عن "تاريخ الدولة العلية العثمانية" عام 1894، الذى ذهب فيه إلى أن الإبقاء على دولة الخلافة الإسلامية إبقاء للإسلام نفسه، لأن الدولة الإسلامية دافعت عن الإسلام ضد جميع دول أوروبا المسيحية، وينتهى إلى أن المسألة الشرقية حلقة من حلقات الصراع بين الدولة العثمانية والقوى المسيحية، فهي مسألة دينية وليست سياسية.
ويضيف رؤوف عباس في تقديمه للكتاب: وهكذا بلغ الأتجاه الإسلامى ذروته في فكر محمد فريد، وترددت أصداؤه حينما كان يعلق على إسناد منصب كبير إلى قبطي أو مسيحي، ويرى في ذلك غبنًا للمسلمين، وتعصبًا من الإنجليز لأبناء ملتهم.
ويتحول فريد في الأخير إلى رفضه التام لوجود الإنجليز ويعلن تأييده لعودة مصر تحت راية حكم العثمانيين، يعلق رؤوف عباس عن هذا: وهكذا تبلور الفكر السياسي لمحمد فريد حتى نهاية الفترة التي تناولها هذا القسم من المذكرات حول الاتجاه الإسلامي الوطني، فهو يكره الإنجليز ويتمنى خروجهم من مصر ليتولى أبناؤها حكمها بأنفسهم، ولكنه لا يرى ضرورة حصول مصر على الاستقلال التام، وإنما يرى أن تظل في حظيرة الدولة العثمانية حماية لها من المطامع الاستعمارية.