سعيد شعيب يكتب: هل ستنقرض الصحافة الإلكترونية ؟
المشكلة:
المواقع الإخبارية الألكترونية معرضة للإنقراض، والسبب الرئيسي هو أن مصادر دخلها من الإعلانات يتحكم في اسعارها امبراطور الإعلان في العالم جوجل. وووصول الزبائن الى هذه المواقع تحدده محركات البحث واهمها امبراطورية جوجل. ومواقع السوشيال ميديا ( الفيس بوك وتويتر وغيرهما) يعرضان المواد الصحفية لهذه المواقع دون أن يدفعوا مليماً مساهمة في تكلفة انتاجها الباهظة. ويتحكمون في اسعار الإعلانات لديهم، ويتحكمون وحدهم في عدد الزبائن الذين يصلون الى المواقع الإخبارية عبرهم، فهم يحددون السعر المطلوب من أي موقع الكتروني حتى يمكن أن تصل المواد الصحفية التي يعرضها على حسايه الى كل زبائنة.
هذا الخطر لموارد المال لإستمرار صناعة الأخبار واستمرار المواقع الإلكترونية الإخبارية، يواكبه خطر آخر وهو عدم ادراك اغلب القائمين على المواقع الإلكترونية الإخبارية بشكل جيد للفارق الجوهري بين الموقع الإلكتروني الإخباري ووسائط اخرى مثل الصحف المطبوعة ومحطات التليفزيون والإذاعة. فالفارق هو التفاعلية المباشرة بين الزبون وبين المنتج الإخباري، ومن ثم تطوير هذه التفاعلية لينتقل الزبون من خانة المتلقي الى خانة المشارك. وينتقل القائمين على المواقع الإخبارية من خانة انهم يقمون منتجاتهم من زبون عامك الى زبون خاص، أي تقديم الخدمة ليس الى زبون عام، ولكن الى زبون محدد له رغبات واحتياجات وعليهم تلبيتها.
هذا هو جوهر الأزمة التي تعاني منها الصحافة الإلكترونية. فلم تطور هذه التفاعلية بينها وبين الزبون. في حين أن مواقع التواصل الإجتماعي تطور كل يوم خدماتها لزبائنها كلهم، وتطور خدماتها لكل زبون على حد. أي تقديم خدمات شخصية للزبون، تصلح له ولا تصلح لغيره.
هذا جعل مواقع التواصل الإجتماعي ومحركات البحث هي المتحكم في الموقع الإلكتروني الإخباري بعدة طرق:
أولا تحصل على المحتوى الإخباري مجاناً دون ان تشارك بأي شكل في صناعته باهظة التكلفة.
ثانياً تتحكم في طرق عرض المحتوى الإخباري للزبائن بشكل احتكاري، دون أن تشاركها المواقع الإلكترونية الإخبارية في صياغة القرارات التي تخص محتواها.
على سبيل المثال الفيس بوك يمنع وصول الموقع الإخباري الإلكتروني الى زبائنه على الفيس دون إلا اذا دفع مقابل ذلك. ومحركات البحث هي التي تتحكم في وصول الزبائن الى الموقع الإلكتروني ، ومن ثم فهي التي تحدد شروط وصول الزبائن اليه، أي عدد زواره، هذه الشروط التي يضعها علي سبيل المثال جوجل لا يشترك في صياغتها الذين ينفقون الملايين على صناعة المحتوى الإخباري.
ما معنى هذا؟
معناه أن المواقع الإلكترونية الإخبارية فقدت وتفقد السيطرة علي جلب الزبائن اليها، فهناك من يقف على باب المتجر يحدد لك عدد زبائنك. هذا معناه أنه هو الذي يتحكم في العائد الإقتصادي للموقع، أي تنفق انت الملايين علي محتوى جيد، وهناك طرف لا علاقة له بمتجرك ومصنعك هو الذي يحدد كم تكسب.
اذن عدد الذين سوف يدخلون الى الموقع ويشاهدون المواد الإعلانية (المصدر الأكبر للعائد الإقتصادي) الذي يحددهم هم اباطرة السوشيال ميديا واباطرة محركات البحث.
ليس هذا فقط، لكن هؤلاء الأباطرة مثل جوجل، هو الذي يحدد اسعار الإعلانات في العالم دون أي مشاركة من الذين يضع اعلاناته لديهم. ويحتكر الفيس بوك تحديد اسعار الإعلانات التي يضعها علي صفحة موقعك الإخباري لديه، كما أنه يحدد سعر الإعلان وحده اذا اردت أن تعلن لديه عن محتواك الإخباري.
اذا حصلت على اعلانات من غير جوجل، فالمتحكم في عائدها هو جوجل لأنه هو الذي يتحكم في عدد الزبائن الذين سيرون هذا الإعلان. إنها للأسف دائرة مخيفة مغلقة.
الخلاصة أن الصناعة مهددة بالإنقراض اذا استمر الوضع على ما هو عليه، لأنه من الصعب وجود عائد يغطي التكلفة الباهظة للمحتوى الإخباري للمواقع الإخبارية الإلكترونية.
ما هي الحلول:
في رأيي العودة لأصل الصناعة الإلكترونية الإخبارية، وهي انها منصة تفاعليه مع زبائنها، لا تتوقف عن ابتكار طرق جديدة لعرض المحتوى الإخباري للموقع، وزيادة طرق التفاعل معه، وذلك من خلال الإنتقال من الزبون العام، أي أن كل الزبائن يتلقون المحتوى بذات الطريقة الى خانة تقديم الخدمة الشخصية للزبون. أي أن يستطيع الزبون تلقى المحتوى بطرق مختلفة يختار من بينها. ويتفاعل معها بطرق مختلفة يختار من بينها. بجملة واحدة هو الذي يدير علاقته بالمحتوى (مكتوب، مسموع، مرئي).
ما هي العقبة:
أن المؤسسات الصحفية لا تخصص الإنفاق الكافي للتطوير البرمجي (مثل السوشيال ميديا) وتعتمد على برمجيات جاهزة، اقصى ما يمكن أن تفعله هو أن يوجد فريق لإصلاح الأعطال. لذلك حان الوقت لتخصيص جزء غير قليل من ميزانيتها للتطوير البرمجي، فلا يمكنك أن تترك تطوير المنصة التي تضع فيها محتواك الإخباري في يد غيرك، وهو لا يستوعب الإحتياجات التي لا تتوقف لزبائنك، فأنت الذي تعرف هذا أكثر من غيرك.
المميزات:
الميزانية المخصصة للتطوير البرمجي الإخباري، لن تكون في الغالب ضخمة، فهو لا يحتاج الى عدد كبير مثل انتاج المحتوى الإخباري. الهدف الأساسي من هذا التطوير البرمجي هو انتقال الموقع الإلكتروني الإخباري من منصة اخبارية ساكنة لعرض المحتوى الإخباري ( مع تفاعل سلبي محدود) الى منصة حية ومتفاعلة باشكال كثيرة مع الزبون.
الوضع الحالي :
كل المواقع الإلكترونية الإخبارية منذ تأسيسها في مصر تعتمد علي اشكال محدودة للتفاعل مع الزبائن هي :
- كتابة التعليقات
-
ارسال مواد وهذا نادر
*تفضيلات اغلبية القراء نعرفها من الأخبار الأكثر قراءة والأكثر تعليقاً من خلال تفاعل الزبائن مع الأخبار، ومن ثم اتخاذ قرارات تحريرية بناء على ذلك .
*يمكننا معرفة عدد قراء كل خبر ومعلومات عنهم مثل مكانهم ، يستخدمون موبايل أو لاب أو كمبيوتر عادي ، ذلك من خلال جوجل اناليتكس أو من خلال لوحة التحكم الداخلية للموقع أو الإثنان معاً.
لكن المشكلة هي أن هذه معلومات عامة لا تمكننا من معرفة أي معلومات شخصية عن كل زبون، تفضيلاته، تاريخ هذه التفضيلات الإخبارية، ما الذي يجمعها، من الزبائن المشابهين له في الإختيارات .. الخ.
ماذا نحتاج :
*الطرق الحالية في التفاعل مع الزبون تشعره أنه متلقي سلبي ( عكس السوشيال ميديا مثلا )، موضوع للفعل الصحفي وليس شريكاً، ليس لديه اختيارات كثيرة، وليس لديه طرق متعددة لتلقي المحتوي الإخباري وطرق متعددة للتفاعل معه.
هذا يتناقض مع طبيعة الزبون في ظل ثورة الإتصالات. فقبل هذه الثورة الهائلة في علوم الإنترنت والإتصالات، كان الزبون مجرد متلقي سلبي للأخبار. اذا اراد التفاعل يرسل خطاب بريدي الي الصحيفة أو يحاول الإتصال بالمحطة الإذاعية والتليفزيونية ونادراً ما تنجح المحاولة، والمتحكم فيها ليس الزبون.
الآن:
الزبون ينقل الخبر بسرعة هائلة
الزبون نفسه مصدر للخبر (مكتوب، مسموع، مرئي)
الزبون صانع للخبر
الزبون لديه مؤسسة اعلامية كاملة
الموبايل يتضمن: قسم تصوير فوتوغرافي . قسم تصوير فيديو. قسم طباعة. قسم توزيع ما ينتجه الي كل انحاء العالم.
لديه صحيفة الكترونية (علي مواقع السوشيال ميديا) ينتج فيها ما يشاء من مواد ويشارك فيها من يشاء، وينشر من خلالها مواد للأخرين لمن يشاء .. فهو الذي يدير محتواه بالطرق التي تعجبه.
لذلك هذا الزبون لم يعد يقبل طريقة التفاعل التي تفرضها عليه المواقع الإلكترونية الإخبارية، فهي تحوله الى مفعول به، على طريقة الصحافة المطبوعة، وليس مشاركاً أو متفاعلاً. لذلك يهرب الى السوشيال ميديا
ماذا نفعل:
تأسيس علاقة مباشرة مع الزبون بشكل فردي، علاقة فردية، أي ان نعرف عنه كفرد من خلال ID الخاص به، جهاز كمبيوتر، موبايل، آيباد، أو من خلال اشتراكه على الموقع لتلقي خدمات مغرية. في هذه الحالة يمكن أن نعرف معلومات لا تمنحها جوجل اناليتكس واليكسا، منها علي سبيل المثال:
-تفضيلات الزبون في الأخبار، أي يكون لدينا معرفة يومية واسبوعية وشهرية عن الأخبار التي يفضلها، وبذلك يكون لدينا خريطة بهذه التفضيلات لكل الزبائن.
-تفضيلات الأخبار للزبائن حسب المكان (محافظة، بلد) وهذا يعطينا معرفة اوسع بمن هم وماذا يريدون؟
-تفضيلات الزبون القادم من السوشيال ميديا بعد أن يدخل الى الموقع، الفيس بوك ، تويتر ، جوجل بلاس وغيرها.
- تفضيلات الزبون القادم من محركات البحث.
الاقتراحات :
هذه المعرفة بنوعية الزبائن كافراد يمكنها آن تنتج الكثير من الأفكار في طرق عرض المحتوى الإخباري مثل :
-ان يختار الزبون محتوى الموقع حسب البلد التي يدخل منها، أي ينقلب الموقع الي اخبار السعودية فقط اذا كان يدخل منها.
-وجود شريط تنبيهات لأخبار الموقع حتى بعد أن يتركه الزبون الي موقع اخر، وبذلك تظل صلته قائمة بالمحتوى الإخباري.
-يمكن عمل نشرات اخبار متخصصة للزبون حسبما يختار، رياضة، فن، سياسية وغيرها. كما يمكن أن يقدم الموقع اقتراحات باخبار في شكل نشرة خاصة به مبنية علي معرفتنا بتفضيلاته خلال شهر مثلا.
-اعادة نشر الأخبار الهامة اتوماتيكيا خلال الفترة الليلية ( ما يزيد من 30 مليون ناطق بالعربية في الأمريكتين واستراليا ونيوزيلندا. العاصة الكندية أوتاوا اللغة العربية هي الثانية في التعامل اليومي بعد الإنجليزية )
-اسفل كل خبر نضع اختيارات للزبون لتقييم المحتوى مثل ( اعجبني ، لم يعجبني ، اكتب رأيك) وبذلك يمكن أن نعرف موقع المحتوي الإخباري كل لحظة ، وكل ساعة وكل يوم وهكذا . هذا يزيد تفاعل الزبون ويمكننا من معرفة دقيقية لتفاعله مع المحتوى ومن ثم اتخاذ قرارات تحريرية.
- امكانية أن يحفظ الأخبار ويقرأها لاحقاً.
-من الممكن تقديم خدمة اخبارية خاصة بأهل محافظة ما، عبر تطبيق تصل للزبون اخبار محافظته أولا بأول عبر الموبايل أو الكمبيوتر.
-يمكن ان تصل للزبون اخبار عضو البرلمان الذي يهتم به ، أو النجم الذي يحبه عبر تطبيق علي الموبايل يتضمن هذه الإمكانيات.
-تذكير الزبون باختياراته المشابهة للخبر الذي اختاره الآن.
-الإشارة الى زبائن اخرين لهم اختيارات قريبة من اختياراته، وهؤلاء يتم تصنيفهم جغرافياً، اذا اراد أن يتفاعل مع احدهم في مدينته أو أي مكان في العالم.
- امكانية وجود تفاعل بين الزبائن المتقاربين في الإهتمامات، وتنبيه الزبون الى ذلك. مثل أن هذا الخبر اهتم به هؤلاء.
انعكاس طريقة التفاعل الفردي مع الزبون على صالة التحرير
التطوير سواءً كان من الناحية البرمجية أو التحريرية أو الإدارية يحتاج الى آلية لتنفيذه، فمن الصعب أن تحصل على منتج جيد إلا اذا كان لديك خط انتاج كفء. كان هذا سبب النجاح الإستثنائي لصالة تحرير اليوم السابع عندما تم تأسيسها. فقد كان المفهوم الإخباري الذي انطلقنا منه هو (لدينا كل الأخبار وقتما تحدث ) وتم تأسيس خطوط انتاج لتحقيق هذا المفهوم الواضح.
مفهوم التعامل الفردي مع الزبون يستلزم وجود فريق يعمل على هذا التطوير واقترح أن نسميه (Creative ideas )، يكون تحت الولاية المباشرة لرئيس التحرير، هذا يتيح وجود افكار دائمة للتطوير ولا نعتمد على الصدفة والإجتهاد الفردي فقط، بالإضافة الى وجود آلية منضبطة لمتابعة تنفيذ التطوير بكفاءة .
يتكون الفريق من :
- l المسئولين عن البرمجة
- l المسئول عن التسويق الألكتروني
- l الزملاء الأكثر قدرة على انتاج افكار ابداعية استثنائية في المحتوى التحريري والتسويق والإدارة وغيرها .
- l شاب على علاقة قوية بالبرمجة وتطورات الإتصالات ويجيد اللغة الإنجليزية اجادة تامة.
مجال عمل فريق كرييتف ايدياس :
* متابعة دقيقة للجديد في عالم البرمجيات، تطبيقات الأخبار، الذكاء الصناعي، الإتصالات، التطور الدائم في السوشيال ميديا وصناعة الأخبار في العالم .
- l التواصل مع مراكز الأبحاث المعنية بهذا المجال، والتركيز على الدراسات المستقبلية في هذه المجالات. فالعالم مثلاً يتجه الى شاشة عرض واحدة يرى فيها الزبون كل شيئ. غالباً سيندمج التليفزيون مع الإنترنت، وستكون هناك منصات تعرض كل شيئ والزبون يختار من عليها ما يشاء بما فيه البث المباشر. الإتجاه المستقبلي هو أن يختار الزبون ما يشاهده، في الغالب سوف تقل اهمية البث المباشر عبر شاشة التليفزيون (ستلاليت)، حيث لا يختار الزبون ما يشاهده. ستكون هناك منصات للمحتوى التليفزيوني يختار من بينها الزبون ما يشاء، بما فيها البث الحي . مثلاً يختار الفيلم الذي يريده و يختار البرنامج الذي يشاهده وهكذا. بل وسندخل الي صناعة المحتوى التفاعلي مع الزبون، مثل الزفلام التي يشاهدها الزبون الآن في قاعات العرض عبر نظارة وكأنه يشارك فيها، وربما تكون هناك امكانية لأن يتفاعل معها، ويشارك فيها، مثل الألعاب الإلكترونية التفاعلية.
- l متابعة تنفيذ خطط التطوير التي يتم اقرارها. ( هناك وسائل الكترونية تسهل المتابعة اليومية لحظة بلحظة ) . فالمتابعة الجادة هي اهم اسباب النجاح.
- l تقديم تقرير محترف اسبوعي مثلاً لرئيس التحرير .
- l متابعة دقيقة لطريقة تفاعل الزبائن على الموقع وتقديم تقرير تفصيلي عنها والمقترحات لتطويرها.