السفير معصوم مرزوق: الدولة تتجه لإغلاق ملف السجناء السياسيين.. وتوجهات إيجابية في التعامل مع المعارضة | حوار
يصعب حصر السفير والسياسي المعارض معصوم مرزوق في خلفية أو توجه أو سياق معين؛ فالرجل قبل دخوله إلى الحياة السياسية والدبلوماسية كان ضابطًا بسلاح الصاعقة في الجيش المصري، وشارك في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، وحصل على وسام الشجاعة من الطبقة الأولى ولكن مع انتهاء الحرب لم يرتكن إلى ما قدمه من المشاركة فيها فحصل على ليسانس الحقوق ودبلوم عالٍ للدراسات الإسلامية، ومجموعة دراسات في الاستراتيجيات والاقتصاد والفلسفة والأدب المقارن والتاريخ وأسهم في إثراء الثقافة المصرية بعدد من الأبحاث المهمة حول السياسة والعلاقات الدولية.
كان مرزوق عضوًا فعالًا في الدبلوماسية المصرية خلال فترة عمله بها، بداية من توليه مهام السفير المصري في عدد من الدول أبرزها أوغندا وفنلندا وإستونيا، وشغل منصب مساعد وزير الخارجية إلى جانب توليه عددًا من المهام الدبلوماسية الأخرى في الإكوادور ونيويورك والأردن؛ حتى تمكن من تولي منصب رئيس مجلس إدارة النادي الدبلوماسي المصري عام 2007.
من الحرب إلى العمل الدبلوماسي
من القتال على جبهات الحرب في العبور إلى العمل السياسي تجسدت قدرات مرزوق في ناحية أخرى قد لا تجتمع مع الحرب والسياسة وهي الكتابة الأدبية فأصدر مجموعتان قصصية منها "الولوج في دائرة التيه" و"حكايات العبيد" و"أشجار الصبار".
يُعدُّ مرزوق أحد أبرز المعارضين المصريين الذين اصطدموا مرارًا وتكرارًا بنظام الرؤساء الراحلين حسني مبارك ومحمد مرسي، وله آراء خاصة بشأن بعض الملفات في الوقت الراهن.
مع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان مرزوق في موقع المشارك الفعال الرافض لاستمرار نظام مبارك، والمجلس العسكري فيما بعد، حيث كان على رأس الدبلوماسيين المطالبين بـ"تسليم السلطة" إلى التيارات المدنية، كما رفض الإشراف على استفتاء المصريين في الخارج على مشروع الدستور الجديد في 2012.
معارضة الإخوان
ومع تولي نظام جماعة الإخوان المسلمين السلطة في مصر عبر مرشحها الفائز في انتخابات عام 2012 محمد مرسي اتخذت الجماعة سياسات اعتبرت انقلابًا على الشرعية المدنية، فكان على رأس قائمة الدبلوماسيين الذين وقعوا البيان الدبلوماسي الشهير الذي أكد الدعم الكامل للمطالب المشروعة للشعب المصري والتمسك بمطالب ثورة الخامس والعشرين من يناير.
في شهر أغسطس 2018 فاجأ الجميع عندما أعلن عمّا سماه «مبادرة للخروج من الأزمة الراهنة في مصر»، طالب فيها بإجراء استفتاء شعبي حول استمرار النظام في الحكم من عدمه، وشملت المبادرة خارطة طريق تحتوي تسعة بنود موجهة إلى الوضع السياسي في مصر وتضمنت المبادرة الدعوة للاحتشاد في ميدان التحرير في حال لم يتم الاستجابة لها.
سُجن مرزوق على خلفية اتهامات تتعلق ـبمشاركة جماعة محظورة وتكدير السلم والأمن العام، ونشر أخبار كاذبة، وتم الإفراج عنه بعد ذلك، ودخل في حالة من الاعتكاف عن المشاركة السياسية اللهم إلا بعض الكتابات التي كان يقيم بها المشهد السياسي بين فترة وأخرى.. معصوم تحدث لـ«القاهرة 24» عن المشهد السياسي الحالي في مصر ورؤيته لأوضاع المعارضة السياسية في مصر في الوقت الحالي.
بداية.. لماذا يتخذ معصوم مرزوق موقف الهجوم الدائم على الدولة؟
لا، لم يحدث، وفي الواقع أنا لست في خصومة مع الدولة، لقد عبّرت عن رأيي في بعض الأمور التي وجدت أن من واجبي أن أعرض فيها خبرتي ورؤيتي، ولكنني لم أدعِ أبدًا احتكاري للحقيقة، لا يمكن أن أكون في عداء مع الدولة التي دافعت عنها كضابط صاعقة في العبور ومنحتني وسام الشجاعة من الطبقة الأولى، ودافعت عنها دبلوماسيًا لمدة تزيد على ثلاثين عامًا، وككاتب عضو في اتحاد الكتاب .
ماذا عن حسابات مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل اسمك وتنتقد الدولة؟
ليست ليّ إلا صفحة واحدة على فيس بوك، ولكن علمت أن هناك عديدًا من الصفحات التي تحمل اسمي، ولست مسئولًا عنها أو محتواها، وقد ذكر لي بعض الأصدقاء أن تلك الصفحات قد ظهرت بعد احتجازي.
تقدمتَ بمبادرة تسببت في حالة كبيرة من الجدل حول آلياتها.. بعد ما حدث كيف تقيمها الآن؟
أعتقد أنه قد فات أوان مناقشة ذلك؛ علمًا بأنها كانت مجرد نداء يهدف كما قلت وقتها لفتح مسام الحوار، وذكرت أيضًا أنها ليست نقشًا على الحجر، ويمكن تعديلها بل حذف كل ما جاء فيها، أي أن ما كتبته لم يكن إلا دعوة للحوار، وللأسف كان رد الفعل مجرد هجوم دون إتاحة فرصة للرد أو الحوار والتفسير.
حدث تواصل بينك وبين عدد من الأحزاب بعد الإفراج عنك من أجل الانضمام إليها.. لماذا رفضت؟
كان هناك بلا شك اقتراحات ممن يحسنون الظن بيّ، وإن كنت أرى أن صحتي وتقدمي في العمر لن يسمحا لي بأن أمارس عملًا حزبيًا بهمة ونشاط، وأتابع نشاط شباب مصر في هذا المجال.
الدولة أصبحت تتحدث مؤخرًا بشكل واضح عن الرأي الآخر وأهميته في المشهد السياسي المصري.. كيف ترى هذا؟
أرجو أن تكون الرسالة واضحة لكل من يعنيه الأمر، لأن وجود الرأي الآخر مصلحة للحكومة ولتحقيق مزيد من التوازن والتفاهم في المجتمع المصري؛ من الصعب أن يحقق مجتمع أفضل ما يتمناه وهو يتنفس برئة واحدة أو ينظر بعين واحدة أو في اتجاه واحد، التعدد ضرورة حياتية، سياسية، دستورية، اقتصادية، وسوف يتضح الفارق الإيجابي بمجرد بدء التطبيق.
هناك مؤشرات توحي بتوجه الدولة نحو التعاطي إيجابيًا مع المعارضة مثل الإفراج عن سياسيين وفتح المجال العام أمام المعارضة.. هل تؤيدني في ذلك؟
نعم، أتمنى أن يتم التوسع في هذا التوجه الإيجابي، خاصة فيما يتعلق بالمحبوسين في قضايا الرأي، نحن في حاجة لكل صاحب رأي كي يشارك بفكره في بناء المجتمع ومواجهة جميع التحديات.
كيف تفسر سياسات الدولة على خلفية الإفراج عن عدد من السياسيين؟
على ضوء ما يتردد في أوساط مختلفة، يبدو أن هناك اهتمامًا لإغلاق هذا الملف، وأتصور أن ذلك أمر يؤدي إلى تهدئة مطلوبة، فضلًا عن أنه يعكس حالة أفضل من الاستقرار وشعور السلطة بتحقيق قدر كبير من الأمن.
البعض يحمّل المعارضة نفسها أسباب غيابها عن المشهد السياسي المصري كونها غير مهيأة للمشاركة.. هل هذا صحيح؟
لا بد من تحديد هؤلاء البعض، وكذلك المقصود بالمعارضة؛ لأن هناك من لا يرى المعارضة ولا يفهم دورها الحيوي في الحياة السياسية، وهؤلاء للأسف يفهمون السياسة بشكل غير سليم، كما أنه من المهم تحديد المقصود بالمعارضة، لأن هناك من يفهمها على أنها الاعتراض المطلق على كل شيء، وذلك فهم خاطئ لدور المعارضة في الحياة السياسية.
هل لغياب الكوادر الفعالة أثر في دور المعارضة بمصر؟
بالطبع، مصر دولة كبيرة وتمتلك قدرات عديدة، وأظن أن المسألة لا تتعلق بأسماء بقدر ما تتعلق بالمناخ المتاح، فذلك وحده وبشكل صحي، سيفرز وينتقي الأفضل سواء في الحكومة أو المعارضة.
ماذا ينقص المجال الحالي ليسمح بذلك من وجهة نظرك؟
المزيد من الانفتاح على مختلف الآراء، تعدد الأصوات في وسائل الإعلام المختلفة، فتح مساحة للحوار الوطني العام، الابتعاد عن بعض الأساليب الإعلامية التي تزيد من حدة الاحتقان والكراهية؛ وبالطبع سيكون الإفراج عن كل محتجزي الرأي خطوة مهمة في هذا الصدد.
هل ترى أن الدولة بصدد الدخول في حوار موسع مع المعارضة؟
أظن أن هناك بعض المؤشرات الإيجابية لذلك، وأتمنى أن يتوصل الطرفان إلى صيغ ملائمة لذلك؛ من أجل تحقيق مصالح الوطن العليا.
تعد برامج الحماية الاجتماعية نقطة التقاء بين المعارضة والسياسة الحالية للدولة.. كيف ترى الأمر؟
أي برامج تهدف إلى تخفيف معاناة الناس وتحسين أحوالهم مرحب بها، فلا شك أن الاهتمام بالمناطق العشوائية ومناطق الإيواء السريع وغيرها من المناطق التي لا تليق بالإنسان المصري تعد توجهات إيجابية، وكذلك التوجه إلى المناطق الريفية؛ خاصة في صعيد مصر هو توجه محمود.