الدنيا كلها لا تفهمهم.. كيف أرخَّ حسين مؤنس لليهود؟
تحل اليوم ذكرى ميلاد المؤرخ الكبير حسين مؤنس المولود في مثل هذا اليوم من عام 1911 وهو أحد أهم المؤرخين في القرن العشرين وله العديد من المؤلفات، ومن هذه المؤلفات كتاب بعنوان كيف نفهم اليهود، وقدم حسين مؤنس في الكتاب تاريخًا موجزًا لليهود في كتابه حول اليهود.
يقول حسين مؤنس في الكتاب: إلى قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 كان العرب هم مشكلة اليهود الأولى وعقدتهم النفسية الكبرى، ذلك لأنهم - لسوء الحظ - أبناء عم اليهود أولاد إسحاق، والعرب أولاد إسماعيل.
ويضيف مؤنس: اليهود يزعمون أن إسحاق هو الابن الأفضل لإبراهيم عليه السلام، لأنه ابن سارة الحرة، أما إسماعيل فهو ابن الجارية المصرية هاجر، وبعد میلاد إسماعيل طلق إبراهيم جاريته هاجر بتحريض من سارة، ومضى بها وابنها إسماعيل إلى الصحراء، وخلفهما هناك ؛ ليعيشا في شظف وجهد وإملاق.
ويتابع: كان في تقدير العزيز الحكيم أن يعيش إسماعيل مع أمه في الصحراء حياة أمن وسلام، وأن يعود إبراهيم إلى أرض الحجاز ؛ لكي يرفع قواعد البيت مع ابنه إسماعيل؛ ليكون مثابة للناس وأمنا، وأن يكون من نسل إبراهيم العرب، وأن يكرم له العرب بمحمد ة والإسلام، وأن يعم الإسلام الدنيا، وأن يكرم الله العرب بهذا الدين.. ورفض اليهود الإيمان بمحمد، كما رفضوا من قبل الإيمان بعیسی، وامتلأت قلوب اليهود حقدا على العرب أبناء إسماعيل؛ لما أكرمهم الله به من الإسلام والعزة والقوة، وطوال العصور الوسطى- وبرغم إكرام العرب لليهود- كان أمل اليهود الأكبر خراب ديار العرب أجمعين!
قضية فلسطين
وحول قضية فلسطين يقول حسين مؤنس: وعندما دار الزمان وأنشب اليهود مخالبهم في فلسطين ظنوا أن فرصتهم قد حانت لإدراك ثارهم من العرب، ومن ذلك الحين أصبح اليهود مشكلة العرب؛ لأن اليهود استقروا في قلب البلاد العربية - فلسطين - في فترة من فترات الضعف والتفرق والخضوع للمستعمر الأجنبي الذي كان عونا لليهود عليهم!
ويوضح عندما استقل العرب وقامت دولهم، واشتد ساعدهم، كان اليهود قد ابتلعوا معظم فلسطين، وهددوا كل بلد عربي، بل كل مواطن عربي في داره، وأظهروا أنفسهم مع ذلك أنهم مظلومون مهددون ضعفاء في حاجة إلى عطف الناس؛ وانخدع الناس بذلك، وشاركوا اليهود في البكاء عند حائط المبكى، وأغدقوا عليهم المال والسلاح، وبالدموع والمال والسلاح أحس اليهود أنهم لا يغلبون! وفي ثلاث حروب متوالية ظنوا أن حلم حکماء بني إسرائيل في سيادة الدنيا على وشك أن يتحول إلى حقيقة.
ويصل إلى حرب أكتوبر حرب أكتوبر 1973 ويؤكد أنها قلبت الميزان! وانهار سد يأجوج ومأجوج الذي أقامه اليهود حول أنفسهم؛ وتحطمت أسطورة جيشهم الذي لا يغلب، وأسرع قائدهم العبقري يستنجد الدنيا وإلا ضاعت الجنة التي أنشأها اليهود على أرض فلسطين.
وبدأ العرب قصتهم مع النصر، ودخلت المعركة بين العرب واليهود في طور جديد، طور العربي الذي يتكلم من موقع القوة، ويتكلم فيصغي له الناس، ثم يمضي في بسالة الواثق من حقه إلى قلب قلعة العدو الإسرائيلي، ويقول بصوت يسمعه العالم كله: إن كنتم تريدون السلام فهذا هو السلام ! هاتوا أرضنا، واعترفوا بحق هذا الشعب الفلسطيني الذي شردتموه، وعيشوا بعد ذلك في سلام.
ورفضوا؛ لأنهم لا يريدون أن يعيشوا في سلام ! وهل في الدنيا إنسان لا يريد أن يعيش في سلام ؟ أجل: اليهود في فلسطين ! لماذا ؟ لكي نجيب عن هذا السؤال ينبغي أن نفهم اليهود.
ويؤكد حسين مؤنس: لكي نحل القضية الفلسطينية وإلى أين تمضي قضيتنا مع إسرائيل ينبغي أن نفهم اليهود، وليس ذلك بالمطلب الهين، فإن الدنيا كلها لا تفهم اليهود، والكثيرون جدا من اليهود لا يفهمون اليهود.