سهير القلماوي.. نجيب محفوظ لم يُدرّس بعد وهزيمة 1967 أثرت في تقنياته
في مثل هذا اليوم 30 أغسطس من العام 2006، رحل عن عالمنا الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ، بعد رحلة طويلة خاضها في تطوير فن الرواية العربية، والتي أهلته للحصول على جائزة نوبل عام 1988 عن أعماله الأدبية، حظت أعماله بالاهتمام الكبير، فلم يحظى أحد بالاهتمام الذي ناله محفوظ في تاريخ الرواية العربي، وفي السطور التالية نستعرض أجزاء من مقالٍ كتبته عنه الراحلة الدكتورة سهير القلماوي، في عدد الهلال الصادر في نوفمبر عام 1988بعنوان «أثر الهزيمة في تقنية الرواية عند نجيب محفوظ».
تبدأ القلماوي مقالها بالتمهيد بأن محفوظ لم يأخذ حقه من الدراسة، رغم كونه أكثر من درست أعماله «حظى نجيب محفوظ بدراسات حول أعماله لم يصل إليها روائي غيره في اللغة العربية، ولكن هذه الدراسات على كثرتها تظل ناقصة، وخاصة في النواحي التقنية التي تكشف عن صنعة هذا الروائي العظيم، وبالرغم من أن هذه الدراسات تفترش فترة زمنية ممتدة وبالرغم من أنها منوعة من حيث أنها مقالات أو دراسات أو كتب مستقلة، فأن عناية الدارسين الجامعيين لنجيب محفوظ تعد نسبيًا حديثة».
وتضيف أن الدارسون اعتنوا بأشياء معينة فقط من تقنيات محفوظ الكتابية «لقد عنى دارسو نحيب محفوظ بابراز تطوره الزمني من خلال مجموعات تتقارب زمنيًا في انتاجه، فهناك الطور التاريخي ثم الواقعي ثم الميتافيزيقي، وهكذا، ووقفوا كثيرًا عند المضامين كما وقفوا بالمرحلة الواقعية في انتاجه لربطها بالواقع الذي تصوره والواقع الذي بقى منه وهكذا».
تلفت النظر بأن الدراس ينبغي له النظر في بدايات محفوظ، ليمسك الخيط من بدايته ويستطيع متابعة التغيرات التي ستحدث بعد ذلك « إن ما يحب أن نقف عنده ونحن نتأمل فن نجيب محفوظ هو البدايات الأولى لاتجاهه نحو الأدب، تلمح عنصر التجريد في تفكيره وعنصر التغيير الذي سيطر بشدة دامغة على انتاجه فيما بعد».
الهزيمة أثرت على تقنيات فن الرواية وعلى تقنيات نجيب محفوظ
للهزيمة أثر كبير على الرواية كفن، وعلى محفوظ كروائي، هكذا ترى القلماوي «عندما ندرس انعكاسات الهزيمة 1967، على الشكل الروائي، نقف بظواهر عديدة فقد تدفق الإنتاج الروائي بشكل قوي ملحوظ، واضطرت الرواية إلى اصطناع تقنيات جديدة: التركيز على الحوار، ضغطه، تحميله وجهة نظر المؤلف في غير سفور، بلغة تكاد تكون شعرية، البعد عن البطل الأوحد والراوي العليم لكل شيء، والبعد عن التعدد الكثير والتبدل الشديد للمكان وضغط زمان الرواية وهكذا.
ولنأخذ رواية ثرثرة فوق النيل مثلا، لقد كامن هي ورواية ميرامار إرهاصًا وفتحًا للعيون على الأسباب التي ستؤدي إلى الهزيمة، ولذلك تعرضت إلى سخط السلطة وكادت الرقابة أن تتدخل في أمرهما، ففي سنة 1966 وقبيلها مانت النفس المصرية موجوعة، يائسة تضمضم بالألم أهذا ما آلت إليه ثورة بشرت بالكثير وبدأت بالكثير ثم انحدرت كل هذا الانحدار؟.. وهنا لا بد من الاستعانة كما استعان المسرح بالرمز والاسقاط والتاريخ والاسطورة والقصة الشجية إلخ، لأنها كلها أدوات تعين على رصد هذا التغيير الزئبقي السريع الذي يفلت منا باستمرار».
تقنية محفوظ الشبيهة بالتقنية المسرحية في تقديم الأبطال «وفي ثرثرة فوق النيل نرى مجموعة من المساطيل كما يسمون في كل فلكة، لا يجتمعون إلا على أن الهروب من الواقع، هو طوق النجاة، وهربوا ولم ينجوا، عوامة تهتز على النهر الخالد كما يهتز واقع مصر على نهر ماضيها الخالد، تقدم إلينا الشخصيات كما تقدم إلينا شخصيات المسرحية، كل منها على حده بمجرد وصولها أو وصول الاثنين معا إلى مجلس الإنس، ويعرف المستجد من الموجود سابقًا من خلال خلفية لا تجاوز اسطرا قليلة».
أفكار مطوية تحملها الأحداث، إسقاطات شبه مباشرة «البطل أنيس زكي مسطول يكتب التقرير في أول الرواية، وقد افتتحها محفوظ بيوم من إبريل، شهر الغبار والأكاذيب، وواضح أنه ينظر إلى مصر وقد ملئت بالأكاذيب، ثم ينضب حبر القلم ويظل انيس يكتب بقلم لا حبر فيه، ونعلق على ذلك بأنه يمثل هذا القلم تدون معاهدات السلام».
وتعود سهير القلماوي مرة أخرى للتنبيه على أن الدارسون ينبغي لهم دراسته من جوانب مختلفة كأثر الهزيمة على تقنية الرواية عنده «إن تقنيات نجيب محفوظ في الرواية تأثرت كما تأثر غيره بهزيمة سنة 1967، ولكن لم يقف دارسًا عند هذه التقنيات البالغة الدقة والروعة فهل تكون التحية اللائقة لهذا الروائي العظيم دراسة أثر الهزيمة في تقنية الرواية عنده؟».