عابر النهرين.. شعر سيد عبد الرازق.. تعرف عليه
يمضِي يربِّي الوقتَ في مرعَاه
ويهشُّ ساعاتِ الهوَى بعصَاهُ
يقتاتُ من شجرِ الغوايةِ كلَّمَا
جاعتْ لقطفِ خطيئةٍ يمنَاهُ
حتَّـى دعتْهُ قصيدةٌ لمقامِهَا
في طورِ أحرُفِها تدكُّ قواهُ
فسرَى لمدحِ محمَّدٍ، ولسانُهُ
تتعرقلُ الخطواتُ في مسرَاهُ
لِمن استهلَّ خلاصَةً نبويَّةً
يتجدَّدُ التوحيدُ في معنَاهُ
لمن ابتدَا في همزةِ )اقرأْ( وصلَهُ
بالوحيِ يرتقُ أرضَهُ وسمَاهُ
فزِعٌ ينقِّبُ في مناجمِ أهلِهِ
عمَّنْ يقاسِمُهُ رغيفَ أسَاهُ
بخديجةٍ مَن شاركتْهُ إدامَهَا
الدِّينُ عانقَ أمَّهُ وأبَاهُ
حمَلَ الأمانةَ أُمَّةً، وسَمَا بِها
حدَّ العروجِ، ولم تكِلَّ يدَاهُ
في كفِّهِ صُورُ الحقيقةِ لمْ يزَلْ
يُحيـِي القلوبَ بصدقِهِ ووفَاهُ
مستمسِكًا بعُرَى المحبَّةِ، كلَّمَا
ألقَوا أفاعِي الشوكِ بثَّ شذَاهُ
في معهدِ الدنيَا تعلَّمَ درسَهُ
فاليُتْمُ والإِرعَاءُ أستَاذَاهُ
لمْ ينتصِرْ إلَّا وطأطأَ رأسَهُ
أفمثلُهُ قد يشتفِي لأَنَاهُ
يكفيهِ عن سَلِّ السيوفِ دعاؤُهُ
أو بعضُ جندٍ من جيوشِ حصَاهُ
مزَجَ الحنوَّ بحزمِهِ، فكأنَّمَا
دانتْ لهُ الأضدادُ والأشباهُ
ربَّى الصِّحابَ على الكتابِ فأصبحُوا
سُوَرًا تتـرجمُ في الحياةِ رؤاهُ
قَفزًا على العصبيَّةِ الحمقاءِ يغْـ
ـزِلُهم خيوطًا في نسيجِ لِوَاهُ
كانوا رهائِنَ في مقابِر كفرِهم
فأتَى ليبعثَ روحَهم بهدَاهُ
ما انفكَّ يفردُ باعَهُ أخذًا بحُجْـ
ـــــــــزَتِهِم وقد أحمَـى الضلالُ لظَاهُ
ظمِئُوا فكانَ النَّهرُ مِلءَ إنائِهِ
يجرِي وكفَّا المصطفَى شطَّاهُ
وهناكَ نهرٌ من رحيقِ حديثِهِ
جمَعَ الجمالُ متونَهُ وروَاهُ
وغدًا نبـيُّ الماءِ يبسطُ حوضَهُ
كي تجمعَ الكونينِ كاسُ صفَاهُ
رسَمَتْ خُطى الخمسينَ هجرةُ جسمِهِ
أمَّا الفؤادُ فمكَّةٌ سُكنَاهُ
مُذ أقسمَ المولَى (لعَمْرُكَ) مادحًا
صارتْ محاريبًا بنا الأفوَاهُ
متعبِّدُونَ بذكرِهِ، فكأنَّمَا
سجدتْ إذا تلتِ الصلاةَ شفاهُ
قد خيَّمَ الآتونَ بين ضلوعِهِ
شوقًا وإنْ ظفَرَ الأُوْلَى بلقَاهُ
لم يُفتَتَحْ دربٌ لنيلِ فضيلةٍ
إلَّا وأولُّ سالِكٍ قدمَاهُ
أو يُحتَمَلْ في اللهِ عبءٌ مُضلِعٌ
إلَّا وأولُ حاملٍ كتِفَاهُ
من حينِ أطلقَ في الوجودِ أذانَهُ
والمسلمونَ مدَى الزمانِ صدَاهُ
مَا ثَمًّ عُمْرَانٌ بقلبِ موحِّدٍ
إلَّا وأحمدُ باليقينِ بناهُ
