اعتراف مُنتظر.. أطفال اللاجئين يبحثون عن وثيقة | تحقيق
عبر «طريق الأقدام» كما يطلُقون عليه، فروا إلى أرض المحروسة، إما من حرب ضَروس، أو خوفًا من الوقوع في شباك الملاحقة الأمنية، أو من أوضاع اقتصادية طحنتهم هم وأطفالهم، لاجئون جاءوا حالمين بحياة آمنة رغم صعوبتها وثقلها، وفي الأثناء ذاتها واجهوا أزمة جديدة في إثبات أيّ علاقة بينهم وبين أطفالهم الجُدد بأيّ وثيقة كانت، مما قد يضع هؤلاء الأطفال على أول طريق "البدُون"، بلا جنسية، ولا هُوية، ولا وطن يحتضنهم، ولا وثيقة تعترف بوجودهم في الحياة، وكأنهم شيئًا لم يكن.
من سعاد الإرترية التي فقدت زوجها وترعى طفلة رضيعة لم يرها قط، إلى الأختين السوريتين اللتين تزوجتا وأنجبتا أربعة أطفال دون وثيقة، تقاسمهم أميرة الطفلة السورية التي قاربت الست سنوات العقبة نفسها فلم تستطع الالتحاق بالروضة، وصولا إلى "جانيت" السودانية التي واجهت الاغتصاب مرتين، اختلفت الجنسيات والأزمة واحدة، هي رحلة البحث عن وثيقة ميلاد لأطفال اللاجئين المولودين بمصر.
عدم استخراج وثائق إثبات هوية لأبناء لاجئين وطالبي اللجوء بمصر من دول الصرعات والنزاعات، بسبب عدم قدرة ذويهم على استيفاء إجراءات التسجيل، يعرضهم لخطر انعدام الجنسية، ويتسبب في حرمانهم من التعليم وتوفير الرعاية الصحية لهم، ويعرضهم للاستغلال، في ظل تأخر مساعدة مفوضية شؤون اللاجئين لتسجيل الأطفال، الأمر الذي تفاقم بعد وباء كورونا.
في حين أن واحدا من كل أربعة أطفال في العالم دون سن الخامسة غير مسجلين عند الولادة وفقًا لبيانات اليونيسف، إذ يقدر أن 237 مليون طفل دون سن الخامسة في جميع أنحاء العالم ليس لديهم حاليًا شهادة ميلاد وفقًا لتقرير مشترك صدر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في يوليو 2021، ويعتبر اللاجئون وطالبو اللجوء إحدى الفئات المعرضة لعدم تسجيل أطفالهم.
آباء مفقودين
لم تتمكن "فاطمة" أو "توبي" كما تناديها أمها "سُعاد" اللاجئة الإرترية بمصر من إثبات أيّ من الاسمين في أي وثيقة، سواء من دولتها أو من دولة اللجوء مصر، عام وخمسة أشهر وأحد عشر يومًا هم عُمر الفتاة الصغيرة الذي تعده أمها بالأيام أو ربما الساعات دون ورقة تثبت وِلادتها أو ماهية علاقتها بأمها، حاولت "سعاد" استخراج شهادة ميلاد طفلتها لكن دون جدوى بسبب إجراءات التسجيل وتأخر مفوضية شؤون اللاجئين في مساعدتها.
دخلت سُعاد مصر في مارس 2017 عبر "طريق الأقدام" من الحدود السودانية، بدأت قصة تنقلها من بلد لآخر في يوم غابر بدأ بطرق أبوابها من قبل الأمن للقبض على زوجها المعارض لمكان غير معلوم، تبعته استجوابات عنيفة متكررة لها هي الأخرى كما تصف، الأمر الذي أخافها فقررت الهرب إلى السودان ومنها إلى مصر.
استقرت بمنطقة الهرم وحصلت على الكارت الأصفر من مفوضية شئون اللاجئين، وفي أواخر 2018 كان أول مرة تسمع فيها صوت زوجها بعد 3 سنوات من الفراق فسلك هو الآخر نفس طريق الهجرة وتقابلا في مصر، مكث معهم عدة أشهر لكن شيئًا ما لم يعد كما كان، فآثار التعذيب وإن اختفت من جسده فلم تترك روحه، فطلب من زوجته الذهاب للعمل في أسوان، ليختفي أثره من جديد وتدخل في دوامة البحث عنه، لكن هذه المرة اختلفت، فقد ترك في أحشائها طفلة لم تستطع إثبات هويتها في بلد اللجوء بدونه بسبب عدم قدرتها على استيفاء إجراءات التسجيل.
لم تكن سعاد الحالة الوحيدة التي تواجهه أزمة في استخراج شهادة ميلاد طفلتها بعد ولادتها، فقد وثقنا ثماني حالات منهم ستة كانت تعلم المفوضية بحملهن قبل الولادة بأشهر، يشاطرونها القلق نفسه، يقض مضجعهم التفكير، فبعد هجرة، وغربة ورحلة للبحث عن ملاذ آمن، كيف أن يكون لي ابن من دمي لا أستطيع إثبات نسبه، ولا حتى إثبات وجوده؟
في 2019 وثق مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم الاجتماعية حالة 150 لاجئا وطالب لجوء من سبع جنسيات مقيمين في مصر يواجهون صعوبات من أجل تسجيل ولادة أطفالهم، خصوصًا ذوي الوضع غير القانوني، وأشار إلى إن الثغرات التشريعية والعقبات الإجرائية التي تحول دون تسجيل المواليد، تزيد من تعرض الأطفال لخطر انعدام الجنسية وذلك في بحث بعنوان "الوقاية من انعدام الجنسية من أجل هوية قانونية للمهاجرين واللاجئين".
وفي تقرير آخر للمفوضية تحت عنوان حملة "أنا أنتمي- الحاجة الملحة لإنهاء حالات انعدام الجنسية للأطفال"، يشير إلى أن عدم تسجيل المواليد يؤدي إلى صعوبة ذلك إثبات الأفراد أن لديهم الصلة لدولة تمنحهم الحق في الجنسية، وبالتالي يخلق خطر انعدام الجنسية، لأن تسجيل المواليد يشير إلى مكان الميلاد ومن هم والديه، وهي معلومات أساسية لتحديد أي جنسية سيكتسبها الطفل، وإن عدم تسجيل المواليد يخلق بشكل خاص ارتفاع خطر انعدام الجنسية لمجموعات معينة مثل اللاجئين والمهاجرين.
ورغم اعتراف مفوضية شئون اللاجئين بأن أطفال اللاجئين من الفئات لخطر انعدام الجنسية، حيث بدأت حملة أنا أنتمي عام 2014، إلا أننا عندما طلبنا منهم عبر البريد الإلكتروني مدنا بأي إحصائيات عن عدد هؤلاء الأطفال إلا أنها لم تجب إلا بإحصائية عن أعداد اللاجئين فقط.
ووفقًا لتعريف القانوني الدولي، فإن الشخص عديم الجنسية هو الذي لا تعتبره أي دولة مواطنًا فيها بمقتضى تشريعها، ويعني ذلك أن الشخص عديم الجنسية لا يحمل جنسية أي بلد، ويولد بعض الأشخاص وهم عديمو الجنسية، لكنّ البعض الآخر قد يتحول إلى عديمي الجنسية.
ويعلق المحامي محمد فرحات العضو بشبكة "هُويتي" الإقليمية حول انعدام الجنسية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على مشكلة سعاد أنه وفقًا للمادة 20 بقانون الأحوال المدنية لتسجيل المواليد بمصر منه رقم 143 لعام 1994، فإن للأم حق تسجيل الطفل شريطة إثبات العلاقة الزوجية، ولا يوجد في القانون ما يفي بأنه في حالة عدم وجود الأب يُقدم ما يثبت أنه مفقود ويكتفى بقسيمة الزواج، ومع هذا لم تتمكن سعاد من تسجيل طفلتها، الأمر الذي جعلها تتخطى الـ15 يومًا لتسجيل الأطفال وفقًا للقانون المصري وبتجاوز هذه المدة تتعقد الإجراءات ما يصعب استيفائها من اللاجئ.
ويوضح "فرحات" ما هي الفئات الأكثر عرضة لخطر انعدام الجنسية من أطفال اللاجئين بمصر.
زواج غير مثبت... وأطفال غبر معترف بهم
من العمرانية حيث تشاطر سُعاد اللاجئة الإرترية نفس الأزمة مع اللاجئتين السوريتين القاطنتين بالمعادي، فلم تقتصر العقبات في تسجيل ملاد طفل اللاجئين/ طالبي اللجوء الأفارقة فقط، فخطبة عبر الأنترنت وزيارة من أم الزوجين للأختين "مريم وهاجر" في ريف دمشق حين كانت تبلغ الأولى حينها 16عاما والثانية 14 عاما، اصطحبت الحماة الأختين لمصر عن طريق السودان في عام 2018، ليتزوجا في مصر عن طريق "عقد الشيخ" وهو زواج غير موثق تشتهر به سوريا، دون أي ورقة مكتوبة توثق هذا الزواج.
عاشت الأختان في المعادي مع زوجهما إسماعيل ويوسف اللذان يعملان بمحلات الأكل السورية، أنجبت الأولى "سارة" تبلغ من العمر سنتين الآن، والثانية "محمد" ويبلغ سنة ونصف دون أي أوراق تثبت هويتهم سوى إخطار الولادة.
ذهب إسماعيل أحد الأبوين للسجل المدني لتسجيل ابنه، لكنه اكتشف مرور 15 يومًا لتسجيل الطفل، فضلًا عن عدم معرفتهم إجراءات التسجيل سواء في مصر أو سفارتهم فلن يتمكنوا من استيفاء أوراق إجراءات التسجيل، فقد طلب منهم موظف السجل إقامة سارية على جواز سفره إما من سفارته أو ورقة من المفوضية تفيد بعلاقة الطفل بأبيه، لكن الزوجين خافا من الذهاب للسفارة خشية الترحيل بسبب عدم وجود إقامة قانونية، كما حاولا التواصل مع المفوضية منذ بداية عام 2020 ولكن بسبب أوضاع كورونا والغلق لا أحد يرد عليهم.
تقول هاجر إنها عانت الأمرين أثناء تطعيم ابنها وبنت أختها دون شهادة ميلاد أو عقد زواج، حتى دلتها صديقتها على أحد الموظفين الذي سمح لهم بتطعيم الأطفال، كما طلبوا منها تحليل درن للطفلين لأنه لم يحصل على التطعيم ضد الدرن حتى يستكمل باقي تطعيماته لكنها لم تستطع توفير 240 جنيه ثمن التحليل، كما ذهبت لخمس مستشفيات حكومية لإجرائه مجانًا لكنها لم تستطع الحصول عليه.
بعد أن تعقد الأمر أتصل الزوج بمحامي لتصحيح أوضاعهم القانونية ولكن المبالغ المالية الطائلة بالنسبة لهم حالت دون ذلك، والآن يحتاج كارت المفوضية للتجديد بعد أن انتهت مدته، كما أنتهى جوزات سفر الزوجين، دون عقد زواج، وتحمل الأختان في أحشائهما طفلين جديدين ينتظران نفس مصير أخواتهما دون حل.
عقب المحامي عصام حامد المختص بشئون اللاجئين إن بعضهم يواجهون صعوبة كبيرة في استخراج وثيقة زواج معترف بها من مكتب توثيق زواج الأجانب بالشهر العقاري، لعدم قدرتهم على استيفاء الشروط، وتبرز أكبر مشكلتين هما عدم وجود إقامة إما لأن جوازات السفر منتهية ويصعب تجديدها، أو بسبب استخراج شهادة عدم ممانعة من الزواج من السفارة، كما يجب أن يكون ولي الزوج موجود أو يوجد توكيل منه وكل هذه الإجراءات تطلب أموالا كبيرة سواء لرسوم هذه الأوراق أو أتعاب المحاماة.
ويشير تيسير النجار رئيس الهيئة العامة السورية للاجئين بمصر إلى أن ارتفاع التكلفة تحول دون استخراج الأوراق الرسمية من السفارة السورية، فتبلغ أقل ورقة في السفارة ب 25 دولارًا كما أنها لا تقبل أي عملة غير الدولار، أما عن سعر استخراج جواز سفر جديد أصبح ب 325 دولارًا بعد ن كان ب 15 دولارًا قبل 2010 وأغلب اللاجئين دون دخل ولا يملكون هذه الأموال.
تقول برونوين مانبي كبيرة زملاء السياسة بمركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم الاجتماعية في بحث لها على 150 لاجئ بمصر إنه ينص أغلبية بلدان اللاجئين على أن الطفل يجب أن يسجل من خلال إجراءات التسجيل المدني أولًا أي يحصل على شهادة ميلاد من البلد المولود فيها الطفل، ثم يأتي التسجيل القنصلي بالسفارة، عندما تكون الولادة خارج البلد من أجل الاعتراف به قانونيا، وتنص جميع بلدان المهاجرين واللاجئين الأصلية على نقل الجنسية إلى الأطفال المولودين خارج البلد دون تميز، باستثناء السودان وسوريا اللذان يميزان على أساس الجنس لتسجيل الطفل، فلا يمكن للأم السورية منح الجنسية لطفلها إذا ولد خارج سوريا.
ويوجد نحو 300 ألف طفل سوري بدأوا حياتهم كلاجئين، فضلًا عن وجود 2.5 مليون طفل لاجئ، ومع تزايد انفصال أفراد الأسرة عن بعضهم البعض، وحدوث فجوات في تسجيل المواليد، هو الوضع الذي يمكن أن يترك الأطفال النازحين واللاجئين دون وسيلة لإثبات نسبهم، أو جنسيتهم السورية، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بعنوان "معالجة حالات انعدام الجنسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" عام 2016.
وأضاف أن الأطفال السوريين اللاجئين يحصلون على جنسيتهم من آبائهم حصرًا، في حين أن ربع الأسر اللاجئة تعيش دون آباء ليشهدوا على جنسية أطفالهم، لذلك فهم معرضون لخطر انعدام الجنسية إذ هم تركوا دون وثائق هوية تثبت نسبهم لوالديهم، ومن أبرز دول الشرق الأوسط التي بها أطفال سوريين معرضين لانعدام الجنسية هم مصر ولبنان والأردن والعراق.
خمس سنوات دون هُوية
مرت أميرة الطفلة السورية بنفس أزمة "توبي الطفلة الإرترية" و"سارة ومحمد السوريان"، فخمس سنوات لم تحصل فيها الطفلة السورية أميرة على أي وثيقة تثبت هُويتها منذ ولادتها بمصر، فبعد ولادتها بشهرين ذهب غسان والد أميرة وزوجته للسفارة السورية لاستخراج شهادة ميلاد ليكتشفوا أن عليهم استخراج شهادة ميلاد مصرية أولًا وفقا للقانون السوري، ذهبت الأسرة لمكتب الصحة بأكتوبر ليتبينوا أن عليهم المضي قدمًا في إجراءات ساقط قيد، وأنهم في حاجة لعمل محضر بقسم الشرطة بموجب قانون الأحوال المدنية المصري.
لكنهم طلبوا منهم عقد إيجار موثق بالشهر العقاري لعمل إخطار بمحضر الشرطة لإجراء التحريات الإدارية بصحة واقعة الولادة، لكن صاحب العقار رفض الذهاب لتوثيق العقد، الأمر الذي جعلهم يخططوا للانتقال لمنزل آخر يوافق فيه صاحب العقار توثيق عقدهم، الأمر الذي استمر سنوات حتى يتمكن من تدبير الأموال اللازمة.
أثناء ذلك بعد مرور سبعة أشهر من ولادة أميرة سجلتها ولادتها في كارت المفوضية وطلبوا مساعدتها لاستخراج شهادة الميلاد لكن دون رد حتى الآن.
تحمي الاتفاقات الدولية -الموقعة مصر عليها-حق الطفلة أميرة وغيرها من الأطفال في الحصول على شهادة ميلاد، بينما تفتقد لتشريع خاص باللاجئين يضمن حقوقهم ويتماشى مع أوضاعهم، ولا يوجد إلا مذكرة التفاهم المبرمة عام 1954 مع الحكومة المصرية ومفوضية شئون اللاجئين، كما أنها غير موقعة على اتفاقية عام 1961 بشأن الحد من حالات انعدام الجنسية التي تضمن حق الطفل عديم الجنسية باكتساب جنسية الدولة حيث وُلد/ت.
خلط أنساب واستغلال
استمرار عدد السنوات دون شهادة ميلاد مثل أميرة قد يعرضهم للمزيد من الخطر، فقــد يواجه الأطفال عديمــو الجنســية تحديــات عــدم التمتــع لحقوقهـم فـي التعليـم، ومنهـا القـدرة علـى الانتظـام علـى مقاعـد الدراســة، أو التقــدم للامتحانــات، أو الحصــول علــى شــهادات التخـرج، كما تؤثــر صعوبــات الحصــول علــى وثائــق الأحــوال المدنيــة واســتبدالها علـى حريـة الحركـة والتنقـل، وأن هؤلاء الأطفال يواجهون أيضًا خطرًا متزايدًا من الاستغلال؛ كاستغلالهم في تجارة الجنس أو التبني غير القانوني أو عمالة الأطفال، وتزداد هذه الخطورة في حالة الأطفال غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم وفقًا لتقرير مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين للشرق الأوسط وشمال إفريقيا نشر عام 2016.
وفي تقرير حديث لمركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم الاجتماعية في أبريل 2021 بعنوان تسجيل المواليد "الهوية القانونية للجميع" ومنع حالات انعدام الجنسية بين اللاجئين والمهاجرين أكد على استمرار الأزمة مع اللاجئين ووثق حالة أسرة لاجئة بمصر مكونة من أربعة أطفال، كل منهم مسجل لدى آباء مختلفين- على الرغم من أنهم جميعًا ولدوا لنفس الأب- بسبب عدم استيفائهم لشروط التسجيل على رأسها شهادة الزواج أو وثائق الهوية الخاصة بهم.
ويقول المحامي يوسف المطعني، المختص بشئون اللاجئين، إن بعض اللاجئين حين يواجهون مشكلة تسجيل أطفالهم ويصعب عليهم إثبات العلاقة الزوجية، يلجؤون لتسجيل الطفل إما باسم أب وأم الزوج أو الزوجة وفي هذه الحالة يصبح ابنهم وأخيهم في الأوراق الرسمية ما يعني خلط أنساب وخطر تعرض الأبوين للمساءلة القانونية، واحتمالية ترك الأبوين الطفل في حالة إعادة توطينهم في دولة أخرى من قبل مفوضية شئون اللاجئين.
يوافقه في الرأي روماني، الناشط بجالية جنوب السودان، الذي أكد على أن بعض اللاجئين الأفارقة يلجؤون لهذه الحيلة إما في حالة عدم إثبات الزواج رسميًا، أو في حالات الاغتصاب التي قد تتعرض له الأفريقيات أثناء رحلة اللجوء.
كوفيد-19 يزيد الأزمة
ازداد واقع اللاجئين وطالبي اللجوء سوءًا بعد انتشار كوفيد-19، فماذا عن لاجئين جدد دخلوا مصر أثناء الوباء ويحملون في بطونهم أطفالًا لا هوية لهم بعد العام ونصف العام.
ففي الوقت الذي كانت "بخيتة" 23 عاما وزوجها في السودان يفكرون في الهجرة عبر طريق الأقدام لمصر، كانت "جانيت" 26 عاما من جنوب السودان محجوزة لمدة ستة أشهر في مخزن أحد سماسرة التهريب في الصحراء، هي ولاجئات أخريات، فقد أوهموهن السماسرة بأنهن سيهربونهن إلى أرض المحروسة أملًا في معيشة أفضل دون مقابل مادي، ليتفاجأن باحتجازهن في مخزن صغير لا تعلم إذا كان في الخرطوم أو مصر وتناوبن اغتصابهن، حملت جانيت جراء اغتصابها ليطلقوا سراحها في الشهر السابع، وتعبر الحدود المصرية في نفس التوقيت مع بخيتة -التي كانت تحمل جنينا وقتها أيضًا- وزوجها في بدايات عام 2020.
فور دخولهما مصر أخبرتا مفوضية شؤون اللاجئين بنبأ حملهما والمشكلات اللاتي قد تواجههما بسبب وضعهما غير القانوني، فضلا عن تفاقم الأزمة مع "جانيت" لأن الأب غير معلوم، كما أن أطفال الاغتصاب من أكثر الفئات المعرضة لحالات انعدام الجنسية، كما يقول محمد فرحات المحامي بشبكة هويتي.
بعد تعبئة الأوراق التي تسلمتها "جانيت" "وبخيتة" من المفوضية أخبروهما أنهما سيتصلون بهما لتقنين وضعهما، مرت الأشهر دون رد وتفاقمت الأزمة بعد وباء كوفيد-19 وفرض حظر التجوال، اتصلت "جانيت" مرات ومرات لكن دون جدوى، ووضعت ابنتها بعد شهر ونصف من دخولها مصر وأسمتها "حياة"، فهي بالنسبة لها ما يجعلها تقاوم الانتحار لتعيش فقط من أجلها كما تصف.
كانت جانيت دون أوراق لا هي ولا ابنتها وبلا دخل تكسب منه قوت يومها، فاضطرت أن تعيش في شقة مع لاجئين آخرين من السيدات والرجال، كما اضطرت أن تترك ابنتها ذات الشهرين لتعمل في تنظيف المنازل، لكن بسبب تأخر تقنين وضعها من قبل المفوضية فقدت عملها.
مر العام الأول على ابنتي "جانيت وبخيتة السودانية" دون شهادة ميلاد لعدم استيفائهما إجراءات التسجيل، وفي أبريل الماضي، حين تحدثنا إلى جانيت لم تتلقَ أي رد، وحين عاودنا الحديث معها في أغسطس الجاري بصعوبة وتردد في الحديث حكت عن دخولها في نوبة اكتئاب حاد عقب تعرضها للاغتصاب مرة أخرى من أحد اللاجئين الذين اضطرت أن تقطن معهم، فبسبب عدم قدرتها على العمل ولا توفير نفقات السكن ولا الطعام كان مقابل ذلك هو الاغتصاب، لجأت "جانيت" لمنظمة اليونيسيف لمساعدتها نفسيا وتخطي الأزمة، وكانت "حياة" ابنتها هي السبب الوحيد للتشبث بالبقاء على قيد الحياة، فتقول "جانيت" إنها انتقلت للعيش مع لاجئة أخرى على أمل تلبية مفوضية اللاجئين ندائها فهم الأمل الوحيد لاستخراج أوراق ثبوتية لابنتها، وتقنين وضعها للعمل وارسال بعض من النقود لأمها في وطنها الأم، كما بقى الوضع كما هو عليه مع "بخيتة".
يواجه اللاجئون/ طالبو اللجوء عدة معوقات تحول دون تسجيل أطفالهم وفقًا لتقرير ركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد (الوقاية من انعدام الجنسية في مصر- 2019) وقد رصدنا نفس المعوقات مع الحالات الثماني اللاتي وثقناها وجمعناها في هذا الجدول.
ولكن قد يكون لهذه المعوقات حلول وفقًا لتوصيات شبكة هويتي لانعدام الجنسية لنا عبر البريد الإلكتروني، وهي على مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين إيجاد حل بالنسبة لإضافة الأطفال على بطاقة المفوضية، في حالة عدم وجود شهادة ميلاد لما له من أثر في إيقاف إجراءات الحصول على الإقامة، لأنها وثيقة مطلوبة لاستخراج شهادة الميلاد، والاعتداد بوثائق الزواج الأجنبية المقدمة من الأم في حالة غياب الأب، والامتناع عن مطالبة الوالدين بتقديم خطاب من مفوضية اللاجئين للسير في إجراءات استخراج شهادة الميلاد.
كما توصي بالاعتداد بعقود الزواج العرفية لاستخراج وثيقة ميلاد بالنسبة للاجئين خاصة في وجود الوالدين، وتسهيل إجراءات توثيق الزواج والاعتداد ببطاقات الهوية الصادرة من مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين كبديل ووثيقه تقوم مقام جواز السفر، والامتناع عن مطالبة اللاجئين بتقديم خطاب عدم ممانعة من الزواج صادر من السفارات لتعارض الطلب مع الوضع القانوني للاجئين.
المفوضية خارج الخدمة
"إذا لم تتمكن من الحصول على المستندات المطلوبة، أو إذا لم يكن الأب موجودًا، أو إذا واجهت أي مشاكل أخرى، يرجى الاتصال بخط المعلومات الخاص بالمفوضية"، هذه العبارة مكتوبة نصًا على موقع الأمم المتحدة لشئون اللاجئين بمصر، فضلًا عن أطلاقها حملــة أنــا أنتمــي عام 2014 وتشتمل على خطة عمل لإنهاء حالات انعدام الجنسية في عام 2024، من خلال إيجاد حلول لحالات انعدام الجنسية الحالية، ومنع ظهور حالات جديدة وتحديد الأشخاص عديمي الجنسية وتوفير الحماية لهم بشكل أفضل ومن ضمنهم أطفال اللاجئين.
إلا أن أغلب الحالات التي تواصلنا معها أشارت إلى تأخر مساعدة المحامين الذين وكلتهم المفوضية لمتابعة استخراج أوراق ثبوتية لأطفالهم استمرت لسنوات، كما أن الأزمة تفاقمت بعد وباء كوفيد-19 بعد إغلاق مكتب المفوضية وانقطاع التواصل مع اللاجئين منذ ما يقرب لعام كما أكدوا.
وردا على ما ورد من اتهامات اللاجئين لأحد المكاتب القانونية التي تتعاون معهم المفوضية قال مكتب المحامون المتحدون أن مفوضية اللاجئين هي الجهة الوحيدة المخول لها الرد.
بينما ردت المفوضية عبر بريدها الإلكتروني على الأسئلة التي أرسلناها لها "أنها تعمل في مصر على ضمان التسجيل الشامل للمواليد لجميع الأطفال اللاجئين المولودين في البلاد، كشرط مسبق أساسي للحماية وخطوة أولى للوصول إلى جميع الحقوق التي يحق لهم الحصول عليها، أنشطتنا في هذا الصدد متعددة الجوانب؛ إنها تعمل على رفع مستوى الوعي بين اللاجئين حول أهمية تسجيل المواليد، وإبلاغ مجتمع اللاجئين/ طالبي اللجوء بإجراءات تسجيل المواليد؛ علاوة على ذلك، يعمل المكتب مع الجهات المختلفة على التحديد المبكر للحالات التي وصفتها بالفردية من أجل ضمان تسجيل المواليد في الوقت المناسب، وتقدم المفوضية مساعدة قانونية مجانية للاجئين وطالبي اللجوء الذين قد يواجهون عقبات في إجراءات تسجيل المواليد.
وفي عام 2020، تم تسجيل 326 طفلًا لاجئًا/ طالب لجوء بنجاح عند الولادة، كما يقدم المكتب المساعدة من خلال شريكه القانوني لأولئك الخاضعين لإجراءات تسجيل المواليد المتأخرة.
وقالت إنها لا تعلق المفوضية على الحالات التي وصفتها بالفردية، وأنها أنشأت قناة يمكن من خلالها للأشخاص الذين تعنى بهم أن يتصلوا بنا ليعبروا عن شكواهم بشأن الخدمات المقدمة. ونقوم بمراجعة كل طلب بدقة، مع بذل العناية الواجبة وبسرية تامة. ونشجع الأشخاص الذين قابلتهم على الاتصال بنا من خلال بريدهم الإلكتروني.
كما لم يردوا علينا بأي أرقام أو احصائيات عن حالات الأطفال المعرضين لخطر انعدام الجنسية، أو من هم في قائمة الانتظار لاستخراج شهادة ميلاد لهم ويواجهون صعوبة في استيفاء إجراءات التسجيل.
وفي تقرير حديث للمفوضية عن وضع اللاجئين في مصر بعد كورونا أشارت إلى أن خلال عام 2020، نفذت المفوضية ما يقل عن 8،000 عملية تسجيل مقارنةً بأكثر من 31،000 في العام السابق أي تناقص العدد ثلاثة أضعاف، وأضافت أنه لم يكن ذلك مؤشرًا على انخفاض عدد الأشخاص الساعين للحصول على الحماية الدولية في مصر، بل يرجع ذلك إلى الوباء والقيود المفروضة على الحركة التي صاحبته، والتي أدت إلى تخفيض المفوضية لنشاطات التسجيل اعتبارًا من مارس 2020، كما انتهت صلاحية وثائق 32% من اللاجئين المسجلين في مصر بنهاية عام 2020.
والآن تتمنى الطفلة أميرة السورية أن تكمل عامها السادس وفي يدها شهادة ميلاد بدلًا من مجرد إخطار ولادة، كما تنتظر سعاد الإرترية وبخيتة السودانية رد على إيميلاتها واتصالاتها للمفوضية دون رد، بينما تريد الأختان مرام وغالية مستقبلًا أفضل لطفليهما اللذان في أحشائيها، ولا يلحقا مصير أخواتهما دون هُوية، أما "جانيت" فتنتظر مستقبلًا خالي من الاغتصاب لها ولابنتها.
أُنجز هذا التحقيق بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ