تفاصيل محاولة تدمير سد النهضة.. غضب سوداني وتشكيك في الرواية الإثيوبية
أثار إعلان الجيش الإثيوبي عن محاولة عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي الإثيوبية تدمير سد النهضة جدلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد اتهامه للسودان بتورطه في هذه الواقعة.
وقالت إثيوبيا أمس، إن 120 عنصرا من جبهة تحرير تيجراي تسللوا من السودان لتعطيل بناء سد النهضة عبر الأسلحة الصغيرة والكبيرة والألغام، مؤكدة أنه تم إحباط هذه العملية وقتل 50 عنصرا وإصابة 70 آخرين بجروح.
ورد الجيش السوداني على اتهامات النظام الإثيوبي، بتقديم دعم لمجموعات مسلحة حاولت تخريب سد النهضة، مؤكدًا أن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة، وأن السودان وجيشه لا يتدخلان في القضايا الداخلية للجارة إثيوبيا، أو غيرها، قائلًا: «ندعو القيادة الإثيوبية العمل على حل صراعاتهم بعيدًا عن إقحام السودان فيها».
وعلى الرغم من التشكيك في الرواية الإثيوبية، إلا أن كبير منسقي أعمال بناء الجيش الإثيوبي، الجنرال باتشا دبيلي، خرج وأعلن تفاصيل جديدة عن الهجوم الذي تعرض له سد النهضة الإثيوبي، وفقا لوكالة الأنباء الرسمية الإثيوبية.
وأضاف الجنرال الإثيوبي، أن الهجوم الذي تعرض له السد الإثيوبي، قاده اللواء فسها بيني، وهو جنرال سابق في الجيش الإثيوبي، وهو أيضا أحد قادة قوات «جبهة تحرير شعب تيجراي»، التي تسيطر حاليًا على إقليم تيجراي، وعدة مناطق أخرى في إقليم العفر والأمهرة.
غضب سوداني
وعبر سودانيون عن غضبهم من هذا الاتهام الإثيوبي المتكرر بتتدخل السودان في أزمات أديس أبابا الداخلية، مشددين على أن هذا الاتهام غير منطقي.
ووصفت الدكتورة تماضر الطيب، الأستاذة بمركز الدراسات الدبلوماسية بجامعة الخرطوم، إعلان إثيوبيا تعرض سد النهضة لمحاولة تعطيل البناء من قبل عناصر تابعة للجبهة الشعبية لتحرير تيجراي بأنه غير منطقي.
وأضافت لـ القاهرة 24، أنه ليس من السهولة على مجموعة مسلحة القدرة على تدمير منشأة عملاقة، موضحة أن سد النهضة يعتبر مشروعًا قوميًّا وتنمويًّا لجميع الإثيوبيين.
وتابعت: قد تكون محاولة للتهديد ليس إلا، فمهما حصل خلاف في النهاية السد من مصلحة إثيوبيا عامة، ونسبة لتعقيد الصراع في تيجراي ومسألة الحدود مع السودان تتداخل الوسائل التي يستخدمها تيجراي
وحول تفاصيل أزمة تيجراي وأبي أحمد، قالت أسمهان إسماعيل إبراهيم، الباحثة السودانية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الخرطوم، إن حرب تيجراي هي نزاع مسلح يدور بين الحكومة الاثيوبية وجبهة تحرير شعب تيجراي والتي حكمت إثيوبيا علي مدار ثلاث عقود بعد أن اطاحت بحكومة منقستو هايلي مريام عام 1991 وانتهي حكمها بمجيء آبي احمد للسلطة عبر انتفاضة شعبية عام 2018 الذي نال جائزة نوبل للسلام بعد أن قاد عملية سلام مع إريتريا أنهت سنوات طويلة من القطيعة والحرب التي راح ضحيتها الالف الاثيوبين.
إريتريا عدو التيجراي
وأضافت لـ "القاهرة 24"، أن إريتريا هي العدو اللدود لتيجراي لهذا لم تقابل السلام الإثيوبي الإريتري برضا، بالإضافة إلى أنه من ضمن إصلاحات آبي أحمد أن قام بتسجيل حزب وطني جديد ليحل محل الائتلاف الذي كان يقوم علي أساس عرقي يمنح كل إقليم الحكم الذاتي ويتبع لمؤسسات المركز وهو ما رفضه التيجراي جملة وتفصيلا وبتأجيل آبي احمد الانتخابات بسبب كورونا أجري إقليم تيجراي انتخابات إقليمية لم تسمح بها الدولة وبعد شهرين هاجم التيجراي قاعدة محلية للجيش الاثيوبي الوطني رد عليها الجيش بهجوم واسع علي إقليم تيجراي.
وأوضحت أن الحرب امتدت بعد ذلك وسجل فيها التيجراي تقدما واضحا جدا على ستة محاور للسيطرة على العاصمة وإنهاء حكم أبي أحمد، وأخيرا تم تحالف بين جبهة تحرير شعب تيغراي وجبهة تحرير شعب الأرومو والتي تمثل أكبر مجموعة سكانية في إثيوبيا 34%مما يضيق الحلقة حول آبي احمد.
وأشارت المحللة السياسية السودانية إلى أن آخر تطورات المواجهات المسلحة بين تيجراي وحكومة أبي هو تسلل جماعات مسلحة عبر منطقة المحلة التي تقع في الحدود الإثيوبية السودانية بهدف ضرب وتعطيل سد النهضة ولكن الجيش الاثيوبي وفرق المشاة والوحدات الآلية والقوات الخاصة لإقليم بني شنقول تمكنت من صد الهجوم.
تفجير سد النهضة
وأضافت أنه سرعان ما وجهت إثيوبيا اتهامات للسودان بدعم جماعة تيجراي لتفجير سد النهضة علي إثر الخلافات بين السودان وإثيوبيا حول عملية ملء وتفريغ السد دون اتفاق قانوني الشيء الذي رفضته دولتا المصب مصر والسودان ما أدى إلى تدويل قضية السد التي حتي تاريخه مازالت دون حل ومصدر خلاف قوي بين الدولتين، هذا بالإضافة إلى النزاع حول منطقة الفشقة الحدودية والتي تتبع تاريخيا للسودان وتسكنها جماعة الأمهرا التي تدعم حكم آبي أحمد وتتفق معه في فكرة حكم الإقليم الموحد بدلا عن الحكم الفدرالي الذي يمنح أقاليم إثيوبيا حكما ذاتيا على أساس عرقي.
وأوضحت أسمهان أنه مع بداية اندلاع النزاع المسلح بين تيجراي والحكومة الاثيوبية توجه الجيش السوداني وحرر منطقة الفشقة من يد المزارعين الأمهرا وأبقى علي قواته فيها لتأمين حدود السودان الشرقية والتي تعتبر منطقة تماس للمواجهات الإثيوبية الإثيوبية مما ينفي فرضية دعم الحكومة السودانية لجماعة تيجراي ووجود الجيش السوداني علي الحدود يعني قطع الطريق امام مسلحي تيجراي لتلقي دعم بالسلاح أو المؤن عبر السودان الذي يجاورهم عبر حدودهم الغربية.
وشددت على أن ذلك وسع رقعة الحرب الإثيوبية ليست في مصلحة السودان ولا الإقليم برمته وهي تزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي، مشيرة إلى أن السودان يستضيف ما لا يقل عن 34 ألف لاجيء إثيوبي بسبب الحرب والرقم ما زال مرشح للزيادة فضلا عن ما رشح من تقارير أمنية عن تزايد الجرائم العابرة للحدود بين السودان وإثيوبيا منها الاتجار بالبشر وتهريب السلاح والمخدرات وتدفق اللاجئين بكميات كبيرة داخل السودان هذا يشير إلى إن السودان هو المتضرر الأول من حرب إثيوبيا وليس لديه أي مصلحة في استمرارها.
التيجراي وبناء سد النهضة
ولفتت إلى أن الأب الروحي لفكرة سد النهضة هو الرئيس الراحل ملس زناوي وهو من قام ببناء السد وهو ينتمي لقبيلة التيجراي ويعتبر سد النهضة أكبر مشروع تنموي في إثيوبيا لتوليد الطاقة الكهرومائية ما يشير إلى نفى فرضية تدمير السد إلا في حالة اتجاه جماعة تيغراي للانفصال عن إثيوبيا وهو امر غير مؤكد حتي تاريخه.
وأكدت المحللة السياسية السودانية أن أبي أحمد الذي نال جائزة نوبل للسلام بسبب إنهاء اطول حرب إفريقية بينه والجارة إريتريا فشل في الحفاظ علي السلام الداخلي وامتصاص غضبة تيجراي مما زاد رقعة الحرب وزاد عدد الرافضين لحكمه حتي ضرب سد النهضة اعتبره بعض المحللين نوع من التضخيم الإعلامي لكسب تعاطف الشعب الإثيوبي الذي يدعم مشروع سد النهضة.
وأوضحت أسمهان أن أبي أحمد فشل في إدارة ملف الصراع بينه ودول المصب مصر والسودان حول سد النهضة وقد تعنت في وجه كل الحلول إلى تاريخه مما يرشح الوضع للمزيد من التصعيد ما يضع استحقاقه لجائزة نوبل للسلام على المحك في ظل تأجيج الصراعات داخل وخارج إثيوبيا.
طموح زائد وإشعال فتيل الحرب
ورأى المحلل السياسي السوداني الدكتور الحاج حمد محمد خير، بحوث السياسات والمدير التنفيذي للمجموعة الاستشارية للتنمية الاجتماعية والبشرية، أن الطموح الزائد لأبي أحمد أدخله في تغيير النظام الفيدرالي المبني علي العرقية لنمط الحزب الواحد بإشعال فتيل الحرب مع التيجراي، والتي أعطت التيجراي فرصة للعودة بقوه للمشهد.
وأوضح لـ "القاهرة 24"، أن هذه الحرب فتحت أبواب الجحيم الإثيوبي علي كافة الكيانات وسعرت من الشكوك وفي السلطة المركزية، موضحا أن أي مواجهة عسكرية تعبر تداعياتها الإنسانية للسودان وشاء السودان أم أبى فإن القبائل المتداخلة، خاصة في بني شنقول تمثل منطقه الظهير لهذه المجموعة المطالبة بالانفصال والتي لم تكن طرفا في اتفاق هيلاسلاي والإنجليز في اتفاقية 1902 التي قسمت الحدود.
وشدد على أن قيام سد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان حفز هذه الجماعات للتصعيد وأضعف محاولات أبي أحمد للتعلق بقشه السد عسى أن يخرج من مأزق التيجراي، مؤكدا أنه كما طالب السودان فإن على إثيوبيا أن تحل مشاكلها بعيدا عن شماعه الخارج.