في ذكرى ميلاد العباسي المأمون.. محنة أحمد بن حنبل وموت الخليفة
الخليفة المأمون أبو العباس عبد الله بن هارون الرشيد، سابع خلفاء العباسيين، الذي ولد في مثل هذا اليوم 13 سبتمبر من عام 786، تولى الخلافة بعد خلافات ومعارك كبيرة دارت بينه وبين أخيه الأمين.
شهدت فترة حكمه نهضة كبيرة في المعارف والعلوم، خاصة الترجمة، التي نقلت بها العلوم والآداب الأوروبية والهندية والفارسية واليونانية وغيرها.
تأثر المأمون في حياته بالفكر المُعتزلي، والمعتزلة هم جماعة من المسلمين انتهجت المذهب العقلي، وتبنت فكرة أن العقل هو المرجع الأول لقبول أي أمر أو نص ديني، وحكموا العقول في جميع الأمور، من فقه وعقيدة وغيره، وكان من القضايا الشائكة في ذلك الزمان، قضية خلق القرآن، حيث رأى المعتزلة خلافًا لإجماع جمهور المذاهب، بأن القرآن مخلوق، وأنه ليس كلام الله.
تبنى المأمون هذا المذهب، واقتنع تمام الاقتناع بتلك الفكرة، وأخذ بتعميمها على جميع أنحاء الدولة، فتم إجبار الكثير من العلماء والمفكرين بالأخذ بتلك الفكرة، غير أن قلة من العلماء الكبار، رفضوا الانصياع لأوامر الخليفة، ولم يقولوا مقالة المعتزلة، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح.
محنة أحمد بن حنبل وموت الخليفة
سيق ابن حنبل بعد تعنته ورفضه إلى المأمون، وهناك هدده المأمون بأن يضربه بالسياط إن لم يقل بقوله، لكنه لم يتخلَ عن اعتقاده، ولم يهتز لتهديد الخليفة، وقال له: وما تشاؤون إلا أن يشاء الله، فأمر المأمون أن يضرب ابن حنبل بالسياط، ولم يمنعه كونه أحد أكبر علماء العصر، وضرب ابن حنبل 29 سوطًا على ظهره، وظل ابن حنبل يكرر مع كل ضربة، أن القرآن كلام الله غير مخلوق.
يأس الخليفة، ورأى أن ابن حنبل لن يتراجع عن موقفه واعتقاده بالترهيب والتعذيب، فأتى له بعدد من كبار رؤوس المعتزلة على رأسهم، إسحاق بن إبراهيم، الذي يعد إمامهم الأول، وطلب أن يتناظروا أمامه، بحضور عدد من عامة الناس، ليُرى أي الفريقين على صواب.
جرت المناظرة بين ابن حنبل وإسحاق، وانتهت كما بدأت، بأن أحمد بن حنبل يرى أن القرآن كلام الله، غير مخلوق، فأمر المأمون بإعادة بن حنبل إلى سجنه، وأمر بأن يضرب بالسياط دائمًا، ولا تفك قيوده، حتى يَعدل عن رأيه.
أحضر المأمون الإمام أحمد بن حنبل إليه في طرسوس، لإكمال ما بدأه، وفي ليلة بعد العشاء، في حضور جمع من المعتزلة، أتى به وأجثاه على ركبتيه، ورفع سيفه مرددًا، وقرابتي من رسول الله، لا رفعت السيف عنك يا بن حنبل حتى تقول أن القرآن مخلوق، فنظر ابن حنبل للسماء، ودعا الله، ثم نظر إلى الأرض في إشارة إلى أنه لن يتراجع وأنه قد أوكل أمره لله، وهو على استعداد للموت في سبيل ما رآه الحق والصواب، فأمر الخليفة أن يعود ابن حنبل إلى سجنه، على أن يتناظر مع المعتزلة في صباح اليوم التالي، لكن لم تحدث تلك المناظرة، بسبب وفاة الخليفة المأمون في تلك الليلة، في 10 أغسطس من عام 833، بطرسوس.