النص الكامل لـ تقرير التنمية البشرية لمصر 2021
خلال السنوات العشر الماضية (2011-2020)، تقدمت مصر نحو إصلاح شامل، أعطى أولوية للنهوض بالاقتصاد كقاطرة أساسية للتنمية، وحرص في ذات الوقت على وضع الانسان المصري في قلب عملية التنمية، وهو ما حفظ مُكتسبات التنمية للمصريين جميعًا في عقد شهد تغييرات مهمة في مصر، وتميز بتحولات سياسية واقتصادية اجتماعية كبرى – وذلك وفقًا لتقرير التنمية البشرية في مصر 2021، والذي أطلقه اليوم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية في مصر تحت عنوان التنمية حق للجميع: مصر المسيرة والمسار، بتشريف ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية.
رندة أبو الحسن، الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، قالت خلال كلمتها: يأتي التقرير الذي نطلقه اليوم ليجدد ويؤكد التزامَ مصر بالنهج التنموي الذي يضع البشر في قلب عمليات التنمية ويركز علي الانسانَ كمحرك لعجلة التنمية والمستفيد الأول من إنجازاتها.
أضافت أبو الحسن: هذا هو نهجُ التنمية البشرية الذي أُسَّسَ له تقريرِ الأمم المتحدة للتنمية البشرية دوليًا على مدى الأعوامِ الثلاثين الماضية، وأصبح اليوم هي المرجع الأساسي ذو المصداقية الأعلى حول التنمية الذي تعتمده كل بلدان العالم وتؤسس عليه عملها في التخطيط وصياغة السياسات التنموية.
التقرير هو الثاني عشر في سلسلة تقارير التنمية البشرية الوطنية التي دأبت مصر على إصدارها منذ العام 1994، ويأتي بعد توقف دام عشر سنوات منذ اخر إصدار في عام 2010.
من جانبها، ذكرت الدكتورة هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية: تهدف استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 بالأساس إلى تحسينُ جودةِ الحياةِ للمواطن المصري، انطلاقًا من إيمان يقين بأن الإنسان هو الفاعل الرئيس في تحقيق التنمية، وهو أيضًا غايتها المنشودة.
أوضحت السعيد: لذلك حرصت الدولةِ المصرية على تكثيف الاستثمار في البشر، والإقدام على إصلاحات جادة، وتنفيذ مشروعات ومُبادرات تنموية كبرى في قطاعات التعليم والصحة والإسكان والمرافق، لتوفير السكن اللائق والحياة الكريمة للمصريين، مع إيلاء أهمية قصوى، لتمكين الشباب والمرأة سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، في إطارِ توجهٍ أعمَّ وأشملَ لضمانِ حقوقِ الإنسانِ، وفي مقدمتها الحق في التنمية.
يتخذ التقرير من إعلان مفهوم الحق في التنمية الذي توافقت حوله الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عام 1986 إطارًا فكريًا ليناقش المحاور الأساسية لسعي مصر لكفالة هذا الحق لشعبها، بما يشمل الاستثمار في رأس المال البشري، وتعزيز الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الاستدامة البيئية، وتمكين المرأة، وتعزيز الحوكمة.
في رسالة مُسجلة، هنأ آخيم شتاينر، مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، مصر على ما حققته من إنجازات كبيرة في مجالات التنمية الرئيسية، وقال: يأتي التقرير في منعطف مهم إذ يواجه مجتمعنا الدولي في جميع أنحاء العالم تحديات كعظيمة جراء جائحة كوفيد-19، التي ارتفعت بسببها مُعدلات الفقر، وزادت أوجه عدم المساواة ما أدى إلى تراجع التنمية البشرية عالميًا لأول مرة منذ عام 1990."
تابع: هذه الحقائق القاسية تُواجهها مصر مثلها مثل بقية العالم، لكن رغم تلك الظروف نجحت مصر في الحفاظ على نمو اقتصادي إيجابي بسبب تبنيها لإصلاحات اقتصادية جريئة.
الاستثمار في البشر
كما يرصد التقرير استثمار مصر في تنمية رأس مالها البشري في مجالات التعليم والصحة والسكن اللائق، مشيرًا إلى تحسن مؤشرات إتاحة التعليم ما قبل الجامعي بين العامين 2010 و2020، حيث ارتفعت معدلات قيد الطلاب في كافة مراحل التعليم وتلاشت الفجوة النوعية بين الجنسين في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، كما توضِّح البيانات المفصلة لمعدلات القيد للبنين والبنات بين العامين 2010/2011 و2019/2020.
انخفضت مُعدَّلات التسرب بالنسبة لمرحلة التعليم الإعدادي من 5.5٪ للبنين و4.7٪ للبنات في عام 2010/2011 إلى 2.8% للبنين و2.6% للبنات في 2018/2019، كما ارتفعت مُعدلات الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الإعدادية، وكذلك معدلات الانتقال من المرحلة الإعدادية إلى المرحلة الثانوية (بشقّيها العام والفني)، وزادت الطاقة الاستيعابية لمنظومة التعليم العالي مع افتتاح عدد من الجامعات الأهلية الجديدة وجامعات حديثة مُتخصصة في التكنولوجيا.، كذلك تحسنت صحة المصريين بشكل عام، وأدت البرامج والمبادرات الصحية إلى زيادة معدلات الأداء الخاصة بالوحدات المكونة لمنظومة الصحة في مصر.
ارتفع متوسط العمر المتوقع عند الميلاد في مصر من 70.3 عام في 2010 إلى نحو 71.8 عام في 2018، وانخفض معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في مصر من 28.8 طفل إلى نحو 20.3 طفل لكل ألف مولود حي بين الأعوام 2010 و2019.
ساهمت مجموعة من المُبادرات الصحية في تعزيز صحة المصريين على نحو جذري، وخاضت مصر تجربة رائدة على المستوى العالمي في مُواجهتها فيروس الالتهاب الكبدي الوبائي - فيروس سي الذي كانت تشهد واحدًا من أعلى معدلات انتشاره في العالم، إذ نجحت في خفض تكلفة العلاج وتقصير مدته، ما سهّل من فرص أتاحته للجميع، ورفع نسب الشفاء بنسبة كبيرة تجاوز 98% من خلال الحملة القومية للقضاء على فيروس سي التي انطلقت في عام 2014، وأسهمت في تحقيق وفر مالي في تكلفة العلاج يقدر بنحو 8 مليارات جنيه.
كانت مصر واحدة من دول العالم الرائدة التي ضّمَنَت الحق في السكن في دستورها، وفي هذا الإطار عملت على توفير سكن لائق للجميع من خلال برامج موسعة لدعم لإسكان الاجتماعي والتطوير العمراني، من أجل توفير سكن لائق للفئات محدودة الدخل وتطوير المناطق غير المخططة، والتي تفتقر للخدمات وزيادة التغطية بخدمات مياه الشرب والصرف الصحي.
في عام 2014 بلغ عدد المستفيدين من برنامج الإسكان الاجتماعي حتى يونيو 2020 قرابة 312 ألف مستفيد، حصلوا على دعم نقدي من صندوق الإسكان الاجتماعي يصل إلى 4.9 مليار جنيه، وبتمويل عقاري في حدود 30.8 مليار جنيه.
النهوض بالاقتصاد وتطوير منظومة الحماية الاجتماعية
رصد التقرير نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، وخفض مُعدلات الدين العام وسد فجوة ميزان المدفوعات وإعادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ساهمت تلك الإصلاحات في تهيئة الاقتصاد المصري لمواجهة جائحة كورونا، حيث نجحت في تحقيق مُعدلات نمو إيجابية رغم الجائحة، ما أدى إلى تحقيق مُعدل نمو بلغ 3.6 % في 2019 / 2020 و2.8 % في 2021/2020 مع توقع معدل نمو 5.4 % في العام المالي 2021 /2022.
اهتمت مصر بتخفيف أثر الإصلاحات الاقتصادية على الفئات الأكثر احتياجًا من خلال زيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية، والتوسع في برامج الدعم النقدي المشروط وتحسين استهداف منظومة دعم السلع التموينية.
على الرغم من تراجع مُعدلات الفقر إلى 29.7 % في العام 2019/2020 مقارنة 32.5 % في عام 2017/2018، إذ تعدّ هذه هي المرة الأولى التي تنخفض فيها معدلات الفقر منذ 20 عامًا، فإنها لا تزال تحتاج إلى مزيد من البرامج الداعمة لاستمرار هذا الاتجاه النزولي في معدلات الفقر.
التقرير أشار إلى تبني مصر فلسفة جديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز أمن الإنسان - من الحماية إلى التمكين، وذلك بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية، حيث تعاملت مصر مع قضية الحماية الاجتماعية من منظور احتوائي شامل، وعملت على توسيع خيارات المواطنين بتعزيز قدراتهم، وتمكينهم من النفاذ إلى الأصول والموارد.
يرصد التقرير هذا التحول وأهم نتائجه، إذ وجهّت مصر عوائد ترشيدها لدعم الطاقة إلى برامج الحماية الاجتماعية القائمة على الاستهداف الجيد ورفعت في موازنتها العامة المتعاقبة نسبة المخصصات المالية لبرامج الحماية الاجتماعية، كما توسعت في برامج التمكين والحماية الاجتماعية المعتمدة على التحويلات النقدية المشروطة فطبقت برنامج تكافل وكرامة في كل المحافظات، بالتركيز على الفئات الأكثر احتياجًا وخاصة النساء، وقد بلغ عدد المستفيدين من الدعم النقدي بكل أشكاله 3.8 مليون أسرة في فبراير 2021.
لعلَّ أهم التحديات التي تُواجه مسيرة التنمية في مصر ومنذ فترة طويلة ارتفاع معدل نمو السكان الذي وصل إلى 2.62% في 2016/2017 قبل أن يتراجع إلى 1.79% في 2018/2019، ما يُشكِّل ضغطًا على موارد مصر فيما يتعلق بالدعم وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية وتخصيص موارد كافية للاستثمار في البنية التحتية والبحث العلمي، وتحسين الخدمات وتوزيعها الجغرافي.
كما تبرز قضية الزيادة السكانية باعتبارها أحد أهم القضايا الضاغطة على منظومة تقديم السياسات الاجتماعية، وعلى رأسها قضايا الحماية الاجتماعية والتأمينات الاجتماعية والصحية، ويوضِّح تحليل خصائص الفقر في مصر الارتباط الكبير بين الفقر وحجم الأسرة.
تعزيز استدامة البيئة
سجّل التقرير أن مصر عكفت على تعظيم الاستفادة من أصولها الطبيعية وشرعت في تبني نهج الإدارة الواعية بالمخاطر البيئية، إذ أكدت استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 أهمية الأبعاد البيئية للتنمية المستدامة، وضرورة دمجها في مختلف القطاعات الاقتصادية.
عملت مصر أيضًا على ترشيد استخدام المياه وتحسين منظومة الري، من خلال مشروع ضخم لتبطين الترع ودراسة حلول غير تقليدية لتأمين احتياجاتها المستقبلية من المياه مثل تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الري والصرف الصحي، كما قامت بإصلاحات لمنظومة الطاقة بدأت بنظام لترشيد دعم الطاقة يضبط أنماط الاستهلاك غير المستدامة لمصادرها التقليدية ويسعي لتحقيق العدالة في توزيع الدعم وضمان توجيهه لمستحقيه، وتبنت مصر مشروعًا رائدًا لتحسين كفاءة استخدام الطاقة في كافة المنشآت.
ذكر التقرير، زيادة مصر من اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة في على سبيل المثال، أنشأت واحدًا من أكبر المحطات عالميًا – بنبان- لإنتاج الطاقة الشمسية، وتظل قضايا شح المياه، وتلوث الهواء وإدارة المخلفات على رأس التحديات التي تحتاج مصر لمواجهتها بحلول مبتكرة.
تمكين المرأة وتحقيق المساواة بين الجنسين.. تعزيز إدماج المرأة وقضاياها في السياسات المختلفة
بذلت مصر خلال السنوات القليلة الماضية 2014 جهودا كبيرة في تعزيز مصر لدور المرأة وتمكينها كشريك لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تبنت مصر في عام 2017 استراتيجية وطنية لتمكين المرأة، تعد الأولى من نوعها في العالم، في إطار أهداف التنمية المستدامة 2030 على كافة الأصعدة، السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، والحماية.
وصلت المرأة المصرية إلى كثير من المناصب التي لم تصل لها من قبل، فتجاوز تمثيلها في مجلسي النواب 28% والشيوخ 14% الحدود الدنيا المنصوص عليها في الدستور (25% و10%).
في الحيز التنفيذي، بلغت حصة المرأة 25% من الوزراء و27% من نواب الوزراء و31% من نواب المحافظين، وتبذل وزارة العدل حاليًا عديدًا من الجهود من أجل تعيين المرأة في جميع المؤسسات القضائية وكافة المستويات بما في ذلك المناصب القيادية في الهيئات القضائية ومجلس الدولة والنيابة العامة، إذ طورت مصر عددًا من الآليات المساعدة من بينها معايير لاختيار المرشحين لتولّي المناصب القضائية تجعل الأولوية للكفاءة، وتتجنَّب التمييز ضد المرأة.
مصر تتقدم في ريادة الأعمال
تقدمت مصر في ريادة المرأة للأعمال وخاصة متناهية الصغر والصغيرة فتجاوز عدد المستفيدات من التمويل متناهي الصغر ضعف عدد المستفيدين وتلاشت الفجوة النوعية بين الجنسين في التعليم ما قبل الجامعي ما بين العامين 2010/2011 – 2019/2020، وشهدت صحة المرأة تحسينات جذرية مع إطلاق حملة صحة المرأة المصرية وارتفع معدل توقع العمر عند الميلاد للنساء وشهد معدل وفيات الأمهات لكل 100 ألف مولود حي انخفاضًا ملحوظًا من 54 حالة وفاة لكل 100 ألف مولود حي إلى 44 حالة خلال السنوات 2010 و2018 على التوالي.
كما تم تعزيز التشريعات والقوانين التي توفر الحماية للنساء والفتيات فتم تجريم التنمر وتغليظ عقوبة التحرش وعقوبة ختان الإناث وتقوية الإجراءات التنفيذية لتطبيق تلك التشريعات.
لمواجهة جائحة كوفيد 1، تبنت مصر سياسات استجابة سريعة وحاسمة لمعالجة تأثير الجائحة على المرأة فصُنفِت ضمن الدول الرائدة على مستوى العالم في هذا المجال والأولى على مستوى دول شمال إفريقيا وغرب آسيا.
تعزيز الحوكمة من خلال سياسات وبرامج واضحة في مختلف المجالات
يتتبع التقرير سعي مصر لتعزيز الحوكمة من خلال سياسات وبرامج واضحة في مختلف المجالات والقضايا والقطاعات، لتطوير وإصلاح الجهاز الإداري للدولة ونظم الإدارة المالية، لرفع كفاءة أدائه وفعاليته في تقديم الخدمات الأساسية.
في عام 2014 تبنت مصر رؤية الإصلاح الإداري للوصول إلى جهاز إداري كفء وفعَّال، يتَّسم بالحوكمة، ويخضع للمساءلة، ويُسهم في تحقيق الأهداف التنموية الوطنية، ويُعلي من مستوى رضاء المواطن. ويعد الانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة في إطار السعي لإحداث نقلة نوعية في المنظومة الإدارية المصرية.
كما عملت مصر على تعزيز آليات المساءلة ففَّعَّلت دور أكبر لنظم متابعة وتقييم الأداء الحكومي وطورت نظم الإدارة المحلية، لتعزيز اللامركزية ورفع جودة تقديم الخدمات في ربوعها واتخذت مصر خطوات جادة، لتعزيز الشفافية وتحسين التواصل مع المواطنين في مختلف الأمور وبوسائل مُتعدِّدة ولتعزيز المساءلة ومكافحة الفساد، وطورت آليات جديدة لمشاركة الشباب في صنع وتنفيذ السياسات العامة وتأهيلهم لقيادة العمل السياسي والإداري والمجتمعي.
كما خطت مصر خطوات مهمة نحو التحول الرقمي والشمول المالي وتعميم التكنولوجيات المالية وإدماجها عبر كافة معاملاتها فتبنت إصلاحات تشريعية ومؤسسية، ووجهت استثمارات كبيرة إلى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لتعزيز البنية التحتية المعلوماتية.
عقد جديد من الإنجاز (2021-2030)
التقرير أكد أنه يمكن مُواجهة التحديات التنموية من خلال ترتيب الأولويات، وتعزيز قُدرات مصر العملية لاستكمال مسيرتها التنموية سعيًا لكفالة الحق في التنمية لكل المصريين خلال عقد جديد من الإنجاز (2021-2030) في ضوء توافق رؤية مصر له مع رؤية خطة 2030 للتنمية المستدامة العالمية، وأجندة إفريقيا 2063.
يستعرض التقرير خطوات عملية لضمان الحق في التنمية، وتشمل تعزيز التمويل من أجل التنمية؛ تطوير قاعدة المعلومات للتخطيط التنموي السليم؛ التوسع في التحول الرقمي وتسريع وتيرته في الخدمات العامة والمعاملات المالية؛ وتطوير المؤسسات التنفيذية لتعزيز كفاءة وجودة تقديم الخدمات العامة.