دار الإفتاء توضح حكم تشريح جثث الموتى
استقبلت الأمانة العامة لدار الإفتاء المصرية، سؤالًا عبر موقعها الإلكتروني، حول ما إذا كان يجوز شرعًا للأطباء تشريح وأخذ عضو من أعضاء الميت، لأجل فحص ذلك طبيًا، لمعرفة سبب موته أو دائه من أجل اختراع دواء لمعالجة المرضى الأحياء بهذا الداء.
وقالت دار الإفتاء، إن نصوص الشريعة وقواعدها وأحكامها ترمي إلى تحقيق مصالح البشر وضرورة المحافظة على أنفسهم من الآفات والأمراض؛ فأجازت أكل الميتة للمضطر بقدر ما يسد رمقه، واعتبرت من أدلة الأحكام ما يسمى بـ المصالح المرسلة، وهي التي لم يشهد لها أصل شرعي من نص أو إجماع لا بالاعتبار ولا بالإلغاء، ولكن يترتب على العمل بها تحقيق مصلحة تتفق وأغراض الشريعة فيعمل بها، ولذا وافق أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما على جمع المصحف بعد أن تحقق من أنه مصلحة في الدين، ونحو ذلك كثير.
أوضحت أنه قد نص في أصول الفقه على أن «كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائمًا لتصرفات الشرع ومأخوذًا معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه»، كما نص فيه على أن «كل ما يتوقف عليه ضروري من الضروريات الخمس ومنها المحافظة على النفس فهو ضروري».
وأضافت أن على هذا بنى الفقهاء كثيرًا من قواعدهم؛ كقاعدة «الضرورات تبيح المحظورات»، وقاعدة «يرتكب الضرر الخاص لدفع الضرر العام»، وفرعوا على ذلك جواز الرمي إلى كفار تترسوا بصبيان المسلمين وأسراهم أو تجارهم؛ لأن في الرمي دفع الضرر العام بالذب عن بيضة الإسلام، وقتل الأسير أو التاجر ضرر خاص، كما فرعوا جواز نقض حائط مال إلى طريق العامة ولو أبى مالكها؛ دفعًا للضرر العام بتحمل الضرر الخاص، ومن قواعدهم «إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضررًا بارتكاب أخفهما».
وتابعت دار الإفتاء: ولذا نص الحنفية على أنه إذا ماتت حامل وولدها حي يضطر شُق بطنها ويخرج ولدها؛ لأن الإضرار بالميت أخف من الإضرار بالحي، مضيفة أنهم قالوا:« لو كان الولد ميتًا وخيف على الأم قطعته القابلة بآلة بعد تحقق موته وأخرجته؛ للسبب المذكور، ولو كان حيا لا يجوز تقطيعه»، وعللوا ذلك بأن موت الأم به أمر موهوم، فلا يجوز قتل آدمي حي لأمر موهوم، كذلك قالوا:« لا يُشق الحي مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك».
وأكدت على أنه إذا اقتضت ضرورة المحافظة على الصحة العامة، أو ضرورة المحافظة على الأمن العام في حوادث الجنايات، بتشريح جثة لبحثها علميًّا وللاستفادة بذلك في الصحة العامة، أو أخذ عضو منها كذلك؛ لم يكن في ذلك بأس، بل قد يكون واجبًا بناء على القواعد المذكورة، ولموافقته لأغراض الشريعة؛ من ارتكاب الضرر الخاص بدفع الضرر العام، وارتكاب الضرر الأخف لاتقاء الضرر الأشد، ولموافقته لما ذكر الفقهاء من الفروع، لافتة إلى أنه لا يمنع من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم لِحَفَّارٍ وَجَدَ عظم ميت فكسره: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا» رواه أبو داود في "سننه"؛ لأن ذلك لم يكن لمصلحة.
وأشارت إلى أن قول الفقهاء: لا يُشق الحي مطلقًا؛ لإفضائه إلى الهلاك كان في زمان لم يتقدم فيه الطب، فكان الغالب على الظن الهلاك، أما في زماننا وقد تقدم العلم والتشريح، وأصبح قريبًا من اليقين بالتجارب نجاة من شق بطنه لإصلاح فساد فيه؛ فلا يكون الشق ممنوعًا، بل قد يكون واجبًا في بعض الحالات، وأعمال الطب الآن تجري على هذا الأساس.