موعد.. قصة قصيرة لمرفت البربري تعرف عليها
الكاتبة مرفت البربري عضو اتحاد الكتاب المصري، عضو نادي القصة، عضو جمعية كاتبات مصريات صدر لها من قبل قصص تائهة مجموعة قصصية ، ديوان خواطر همس الحواس، رواية خبز الملائكة، رواية على لهيب شمعة الفائزة بجائزة احسان عبد القدوس، رواية نقوش على جسد ناعم، والمجموعة القصصية ري السراب مجموعة قصصية، وهذه واحدة من قصصها القصيرة.
كانت ماجدة الرومي تغني.. بيروت يا ست الدنيا.. فأنا أعشق لبنان، أخذت في هجرتي عام 2014 صوت ماجدة الرومي وفيروز، وحفنة من الياسمين، وبعض صدفات من بحرها أسكنتها قارورة ممتلئة بمائه وحفنة من رمل شاطئه، قضيت في غربتي سنوات، أمرر شريط الأيام، وأجتهد في إسراع قطار الحياة، أوصل الليل بالنهار في العمل، أنفق القليل من المال، وأرسل بعضه لأولادي الأربعة وأمهم بلبنان، وأدخر ما تبقى لأستطيع إحضارهم لبلاد المهجر كي أجمع شمل أسرتي، كنت كلما اقترب المبلغ المطلوب لشراء تذاكر الطيران من الاكتمال، زاد سعر الدولار في لبنان، وازداد سعر تذكرة اللقاء، كان طريق مارثون الادخار يزداد طولا، وشواهق جبال الدولارات المطلوبة لجمع شملنا التي يحاول مجهودي الضعيف تسلقها تزداد ارتفاعا، ساءت أحوال بلادي، وأصبح الجزء الذي أرسله لمعيشة أولادي لا يكفيهم، فأرسلت المزيد، وسقطتُ من شاهق تسلقي، إلا القليل الذي حاولت الإبقاء عليه، استدنت من بعض أصدقائي، وجمعت مهر تذاكر اجتماعنا، اجتاح الوباء كل البلاد، وازدادت الحواجز التي تحول دون لقائي بهم، استعنت بالصبر والدعاء لحين لقاء يروي ريق أشواقي، ويسد جوع حنين أعوام غربتي الست، انفرجت صخرة كهف الفرقة عن مقدار عقلة أصبع تسمح بشعاع الأمل أن يمر، كنت أتابع الأحداث، وكل مرة يحاول أبناء بلدي القيام بثورة لتصحيح الأوضاع، تزداد لهفتي وخوفي من أن يصاب أبنائي بسوء، كان خوفي من الفتنة أشد من خوفي من الجائحة، فالجائحة تأكل أعمار ضعيفي المناعة، أما الفتنة فلا مناعة في جسد أمتي لتقاومها، فهي تأكله وتنخر فيه منذ الحرب الأهلية، ولايزال رمادها مستعرًا لايحتاج إلا هَبة ريح تؤجج نيرانها، أثناء هجرتي دخلت ميناء بيروت سفينة محملة بالدمار، سكنت الميناء منذ ذلك اليوم، ورعاها الإهمال والفساد.
حجزت مقاعد الهجرة لأولادي لنجتمع، اقترب موعد قدومهم، وقفت على شاطيء اللقاء انتظر، سمعت دوي انفجار السفينة، تشظت روحي خوفا على فلذات كبدي، ولكن لا وسيلة للتواصل، كل هواتفهم مغلقة، حساباتهم على شبكات التواصل مغلقة، صور المشاهد تذرف دمارا، اختفى البشر من مسرح الدمار، ولم يتبقَ إلا الخواء، وقف الخراب شامخا أنفه، يعانق الدمار بفرح، أين أولادي؟ هل رآهم أحد؟ هل هم في طريقهم إليّ؟ ها أنا على مرفأ الانتظار مقيم حتى يأتوني بخبر، أو أجد على أشلائهم هدى، أغني.. بيروت يا ست الدنيا.