لا يطير فوقها طائر.. الكعبة المشرفة بعيون الرحالة ابن بطوطة
قضى الرحالة ابن بطوطة ثلاثين عامًا متنقلًا ومرتحلًا بين البلاد يسجل بدقه ما يراه وما يسمعه، ويدوّن كل ذلك في كتابه تحفة النظار في غرائب الأمْصار وعجائب الأسْفار، المعروف برحلات ابن بطوطة.
يقول ابن بطوطة عن الكعبة المشرفة: «والكعبة ماثلة في وسط المسجد الحرام، وهي بنية مربعة ارتفاعها في الهواء من الجهات الثلاث ثمانٍ وعشرون ذراعًا، ومن الجهة الرابعة التي بين الحجر الأسود، والركن اليماني تسع وعشرون ذراعًا، وعَرْض صفحتها التي من الركن العراقي إلى الحجر الأسود أربعة وخمسون شبرًا، وكذلك عرض الصفحة التي تقابلها من الركن اليماني إلى الركن الشامي، وعرض صفحتها التي من الركن العراقي إلى الركن الشامي من داخل الحجر ثمانية وأربعون شبرًا، وكذلك عرض الصفحة التي تقابلها من الركن الشامي إلى الركن العراقي.
يوضح ابن بطوطة: «وأما خارج الحجر فإنه مائة وعشرون شبرًا، والطواف إنما هو خارج الحجر، وبناؤها بالحجارة السمر قد أُلْصِقَتْ بأبدع الإلصاق وأَحْكَمِه وأشهده، فلا تغيرها الأيام ولا تؤثر فيها الأزمان، وباب الكعبة المعظمة في الصفح الذي بين الحجر الأسود والركن العراقي، وبينه وبين الحجر الأسود عشرة أشبار، وذلك الموضع هو المسمى بالملتزم، حيث يستجاب الدعاء، وارتفاع الباب عن الأرض أحد عشر شبرًا ونصف شبر، وسعته ثمانية أشبار، وطوله ثلاثة عشر شبرًا، وعرض الحائط الذي ينطوي عليه خمسة أشبار، وهو مصفح بصفائح الفضة بديع الصنعة».
داخل الكعبة الشريفة يصفه ابن بطوطة فيقول: مفروش بالرخام وحيطانه كذلك، وله أعمدة ثلاثة طوال مفرطة الطول من خشب الساج، بين كل عمود منها وبين الآخر أربع خُطًا، وهي متوسطة في الفضاء داخل الكعبة الشريفة يقابل الأوسط منها نِصْف عَرْض الصفح الذي بين الركنين العراقي والشامي، وستور الكعبة الشريفة من الحرير الأسود مكتوب فيها بالأبيض وهي تتلألأ عليها نورًا وإشراقًا وتكسو جميعها من الأعلى إلى الأرض.
عجائب الكعبة
يتابع ابن بطوطة: «من عجائب الآيات في الكعبة الكريمة أن بابها يُفْتَح والحرم غاصٌّ بأمم لا يحصيها إلا الله الذي خَلَقَهُم ورَزَقَهُم فيدخلونها أجمعين ولا تضيق عنهم، ومن عجائبها أنها لا تخلو عن طائف أبدًا ليلًا ولا نهارًا، ولم يَذْكُر أحد أنه رآها قط دون طائف، ومن عجائبها أن حَمام مكة على كَثْرَتِه وسواه من الطير لا ينزل عليها ولا يعلوها في الطيران، وتجد الحمام يطير على أعلى الحرم كله، فإذا حاذى الكعبة الشريفة عرج عنها إلى إحدى الجهات ولم يَعْلُها، ويقال إنه لا ينزل عليها طائر إلا إذا كان به مرض، فإما أن يموت لحينه أو يبرأ من مرضه، فسبحان الذي خَصَّها بالتشريف والتكريم، وجَعَلَ لها المهابة والتعظيم».