رجال في الشمس.. صرخة فلسطينية إلى العالم
رواية رجال في الشمس للكاتب الروائي الفلسطيني الكبير غسان كنفاني، تعتبر من أدب المُقاومة تدور حول ثلاثة فلسطينيين من أجيال مختلفة ومُتباينة يحاولون الهروب من واقعهم المرير إلى الكويت، لتحسين ظروفهم المعيشية الصعبة وأحوالهم المادية القاسية، هاهو أبو قيس - رجل عجوز يحلم ببناء منزل لأسرته، وأسعد شاب يحلم بحياة جديدة في الكويت، بينما مروان طفل صغير عليه أن يعول أسرته، بعد أن سافر شقيقه إلى الكويت وتزوج هناك، ووالده ترك أمه وتزوج بأخرى تمتلك بيتا وتركهم في الضياع يهربون في خزان شاحنة يقودها سائق مُختل يدعى أبو الخيزران.
يموت الثلاثة لتأخر السائق في فتح باب الخزان، ماتوا دون أن يقرعوا جدار الخزان أو يرفعوا صوتهم بالصراخ، وقد ألقى جثثهم في مقلب للقمامة على الطريق السريع في الصحراء، وفر تاريخًا.
رجال في الشمس، هي الصراخ الشرعي المفقود والصوت الفلسطيني، الذي ضاع طويلًا في خيام التشرد.
الرواية القصيرة والرواية الطويلة
هذه الرواية من الروايات القصيرة، حيث إن عدد صفحاتها نحو 90 صفحة، وقد حققت نجاحًا كبيرًا، وتم ترجمتها إلى عدد كبير من اللغات، وحصلت على الكثير من الجوائز العربية والعالمية، وهذا يدل على أن العمل الأدبي في حد ذاته لا يرتبط بعدد صفحاته، وهناك الكثير من الأساليب الأدبية والإبداعية
التي تجعل الكاتب يُوصل فكرته الأساسية إلى القارئ في عدد قليل من الصفحات، ويستغني عن الاسترسال الممل والاستنتاج المقيت والسجع والإطناب والمواربة، فهذه أشياء لن تقدم أو تأخر شيئًا..
العمل الأدبي لا يُقاس بالكمية، ولكن بالقيمة، وإن كان في هذا الزمن، أصبحت دور النشر تتحكم في عدد صفحات الرواية لأسباب تتعلق بالطباعة والتوزيع، كما أن الجوائز الأدبية الكبرى تشترط أن لا يقل عدد صفحات الرواية المشتركة فيها عن 20 ألف كلمة، وكل هذا غير صحيح، فخير الكلام ما قل ودل.
السرد والحوار
السرد شيق وممتع والحوار جميل وقصير.. المختصر المفيد، وجمله رشيقة ومباشرة دون أدنى مواربة وذات معنى ومغزى كبير، وهناك إسقاطات كثيرة على الواقع الفلسطينى المأزوم قبل نكسة 1967، وقد كتب غسان كنفاني روايته الأولى هذه فى عام 1963 هو هارب فى بيروت دون هوية.
سؤال وجواب
الرواية تطرح عددا من الأسئلة الفلسفية العميقة وتضع لها بعضا من الإجابات المباشرة دون أى تجميل وبلا أى حسابات.
مثلما تحدث سعد مع أبوالقيس عن السفر فقال له:
_ إنها مغامرة غير مأمونة العواقب.
فرد علية سعد غاضبآ:
_ وهل تعجبك حياتك؟!.. فأنت تعيش كالشحاذ.. حرام عليك نفسك وأهلك.
وكذلك أسعد عندما قال لعمه:
_ لماذا تعطيني كل نقودك إذا كنت متأكدآ أننى لن أعيدها إليك؟!
فرد علية بقلة حيلة:
_ أنا أريدك أن تبدأ ولو فى الجحيم حتى يصير بوسعك أن تتزوج ابنتى المسكينة.
أما مروان فقد سأله أبوالخيزران عن أخيه فى الكويت؟
فقال له بحزن:
_ لقد تزوج هناك ولم يعد يبعث لنا أى نقود، ولا أعرف لماذا؟!
فقال له:
_ ولن يبعث أى شىء.. هناك حكمة تقول فى السفر القرش أولآ ثم الأخلاق !!!
النهاية
وفى النهاية بقى السؤال الأهم الذى لم يستطع الكاتب الإجابة عليه لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟! ولماذا لم تصرخوا لماذا؟! وفجأة بدأت الصحراء العربية كلها تردد الصدى فى الفضاء....
خلاصة الرواية
الرواية في مجملها حالة مركبة من الحزن والألم والضياع، كشفت لنا الواقع الصعب الذي كان يعيشه المواطن الفلسطيني قبل نكسة 1967، فالرجل الفردي لا يفيد والتخلي عن الأرض يعني الموت، ولكنها تدعو لليأس والتشاؤم وإلقاء اللوم على الجميع دون تحديد، ولم تقدم حلولآ جذرية أو مقترحات جوهرية لذلك أو بصيص من الأمل فى النفق المظلم.. فلا يكفى أن تدق ناقوس الخطر بل يجب أن تساعد الجميع قدر ما تستطيع حتى يزول الخطر.