تائهة في شوارع إمبابة.. حكاية مريم فتاة أسوان | صور وفيديو
مريم فتاة أسوان التي أشعلت مواقع السوشيال ميديا، في مصر من شمالها لجنوبها، بعد تداول صور لها وهي تفترش شوارع إمبابة، التي أصبحت بلا مأوى، إذ اختلفت الروايات حول قصتها ومسماها، فاشتهرت في بداية الأمر بفتاة أسوان التي أحضرتها والدتها إلى إمبابة بعد زواجها من أحد الأشخاص لوفاة والد مريم، فأرادت التخلص منها والانفراد بزوجها وبدء حياة جديدة.
رواد مواقع التواصل الاجتماعي نقلوا 3 روايات الأولى على لسان مريم بقولها محدش شاف أمي، في إشارة منهم أن الفتاة تائهة تبحث عن ذويها، وكأنها تمثل مشهد الفنانة كريمة مختار في فيلم ساعة ونصف، عندما أخذت تجوب محطات القطار تبحث عن ابنا الذي تركها، قائلة يا عبده هو محدش شاف ابني، فالتصق المشهد بذهن المستخدمين وتعاطفوا معها وحاولوا البحث عن أسرتها.
أما الراوية الثانية فقالت إن الفتاة تبلغ من العمر 15 سنة توفيت والدتها، فتزوج والدها بأخرى، وقررت الأخيرة التخلص منها، فأحضرتها إلى القاهرة من محافظة أسوان، وتركتها متحججة بشراء بعض الأشياء، وأن محافظ أسوان قرر تبينها وتسليمها للأجهزة المعنية، وأن الفتاة رفضت ذلك كما رفضت المبالغ المالية المقدمة من المارة قائلة أنا مش شحاتة أنا مستنية مرات أبويا.
الرواية الثالثة كانت من نصيب القاهرة 24، الذي انتقل محررها للبحث عن فتاة أسوان، حتى تم العثور عليها بمنطقة المنيل بالقاهرة، بصحبة أحد أعضاء جروب أطفالنا هما حياتنا، الذي انتشلها من منطقة إمبابة واحتفظ بها حتى تسليمها للجهات المعنية وإيوائها.
وبسؤالها عن قصتها، ظهرت الرواية الثالثة والأصدق لأنها من تلفظت بها، وبدا من تعبيرات وجهها أنها صادقة، حيث بدأت بنفي الروايتين السابقتين، مشيرة إلى أنها من محافظة سوهاج، تسكن شارع الجمهورية بالتحديد، ووصفت الشارع بالتفصيل لتدلل على صدق روايتها الأخيرة، مضيفة أنها تبلغ من العمر 14 عاما فقط عاشتهم بين ييتم الأب وقسوة الأم التي حرمتها من أمومتها، وسلبت منها طفولتها وبراءتها وأنوثتها.
مريم صاحبة الـ 15 عاما، تحوي الآلام ما يكفي عشرات السنين، فقد ولدت في منزل تتحكم فيه والدتها بعد وفاة والدها، وتزوجها بآخر بعد عام من الوفاة وانجابها من طفلين، ضاقت ذرعا بابنتها من زوجها القديم، وحاولت التخلص منها، ففكرت في تزويجها في سن الـ 12، ولكن أبت مريم حدوث ذلكم، فأقدمت الأم على طردها من المنزل، والعمل على انتقالها إلى منزل جدتها، ولكنها أيضا شعرت أن هذا غير كافي، فقررت إيداعها بدار رعاية تحسين الصحة بسوهاج، لتبدأ مريم فصلا جديدا من المعاناة التي لا تنفك أن تنتهي مرحلة حتى تبدأ أخرى، وهي صابرة صامدة تستقبل آلامها بوجه طفولي بري لا يدري باي ذنب يعاني.
عاشت مريم يتيمة غير مرغوب في وجودها في الحياة، وبالفعل مكثت مريم قرابة السنتين بدار الرعاية، الذي لاقت فيه صنوف التنمر على لونها ووزنها من باقي أفراد الدار، ولم تتكيف على العيش معهم، فهم لا أبا لهم ولا أم ولا مسكن ولا مقام، اما هي فلها والده وأقارب ومسكن وممتلكات وحياة أخرى، فما سبب وجودها هنا؟، هل لأم أرادت الانفراد بزوجها الجديد وأبناءه، أم ليتمها الذي لا دخل لها به، أم لشخص رغب الزواج منها في سن الـ 12؟، كل هذه التساؤلات دارت في عقل الصغيرة ولم تجد لها جوابا فقررت الرحيل، إلى أين؟، لا تعرف مريم إلى أين ولكن ما بدر في ذهنها في هذه اللحظة أن كل الأماكن غير الدار ومنزل والدتها هو جنة الله على الأرض.
هربت مريم من الدار خلسة، وتوجهت إلى محطة القطار بمدينة سوهاج، واستقلت أول قطار وقف على رصيف المحطة متجها إلى الشمال، حيث لا تدري إلى أين، ظلت به قرابة الـ 12 ساعة لم تطاوعها قدماها الهبوط إلى أي محطة توقف عليها القطار، حتى انتهت رحلتها بآخر محطة من محافظة الإسكندرية، فلم تجد ما يجلسها في لقطار، فانتقلت إلى رصيف المحطة وهناك قضت 14 يوما، تفترش الرصيف وتأكل من فتات المسافرين.
السعادة والراحة النفسية كانت تغمر فتاة أسوان، فقد ابتعدت عن والدتها غليظة القلب، مسلوبة المشاعر، وعن الدار وتنمر الأطفال عليها، وصنوف التعذيب به، وعن عائلتها التي تبرأت منها ولم يقدم شخص فيها على مساعدتها، وإنقاذ عرضهم وشرفهم، فقد تركوها في مقتبل عمرها تواجه الحياة بمفردها، وكانت أهلًا لتلك المواجهة، فلم تقبل لشخص أن يتعدى عليها، أو يصحبها الطالبون مرافقتها، ظلت 14 عشر يوما تتعافى من ذكريات الماضي، لا يوقظها سوى ضجيج القطارات، ونباح الكلاب الضالة، وما ان تفتح عيناها حتى ترى شخصا يمسك أطفاله بيده، يصحبهم من القطار أو إليه، أو أما تحمل رضيعها بين أحضانها، فتندب حظها على يتمها ومعاناتها، فتقرر الرحيل من هذه المحطة إلى حيث لا تعلم أيضًا.
استقر المقام بفتاة أسوان بمنطقة إمبابة بمحافظة الجيزة، لا تعرف كيف ولكنها وجدت نفسها في هذه المنطقة، وفيها بالتحديد لم تجد تجاهلًا كما حدث معها في الإسكندرية، فاستفسر المارة عن هذه الفتاة التي تفترش الأرض، ولا تقبل المساعدة أو الإيواء، فمنهم من تحدث معها وعرف قصتها، ومنهم من رفضت إخباره بشيء عنها، فأطلق عليها الإشاعات، بأنها من محافظة أسوان نظرا للون بشرتها السمراء.
أما خالد شعبان مؤسس مجموعة أطفالنا هما حياتنا، بقلب الأب قرر إقناعها بمغادرة الشارع والإقامة معه في منزله بمنطقة المنيل بالقاهرة، حتى يتمكن من تسليمها إلى أهليتها إذا وافقت فتاة أسوان، أو تسليمها للجهات المعنية لإيداعها بأحد دور الرعاية.
ما زالت مريم تنتظر فصلا آخر من حياتها، هل تعود إلى والدتها وأقاربها بسوهاج مرة أخرى بعد اتخاذ كافة الاشتراطات عليهم، بعدم تزويجها حتى تبلغ السن القانونية، أم تعود إلى حيث هربت بدار تحسين الصحة بسوهاج، أم تلتحق بدار رعاية جديد.