مرفت البربري تكتب: عشوائي
استيقظت في الصباح على صوت رفيقي التكنولوجي، منذ صاحبني وهو ينظم لي أوقاتي بشكل غاية في الدقة، يرتب مواعيدي مع الأخذ في الاعتبار كل ما يمكن مصادفته من عوالق الطريق، فلم أتاخر لحظة عن مواعيدي مذ رافقني.
برفق لمست خصلة شعري الراقد تحتها، وبدأت خلايا الإدراك بقراءة قائمة أعمالي اليوم، لفتني الموسيقى الرومانسية التي أعشقها مع سرد قائمتي، سأذهب لعملي وألتقي عملائي الذين رتب حاسوبي ملفات أعمالهم حسب ترتيب المواعيد، ثم أعود في الخامسة وستكون أجهزتي المنزلية قد أعدت الطعام الساخن، وكعكة عيد ميلادي، اليوم قد بلغت الثانية والأربعين.
اختار لي رفيقي خطيبا مثاليا فقد اختاره لي من بين كل مواليد عام ميلادي، كان اختياره على أساس علمي غاية في الدقة فهو من برج لا يتعارض مع برجي فنشأ بيننا توافق فكري ونفسي، ولأن حياتنا منظومة علمية فلم ينتابها ما كنت أسمعه في حكايات رفيقي من مشاكل الأولين الذين كانوا يعيشون في القرون الماضية، فقد حكى لي يوما عن زوج ألقى بزوجته عام 2020 من الطابق السابع وأبلغ عن انتحارها لولا أن كشفت كاميرات المراقبة البدائية التي كانوا قدماؤنا يعلقونها على أبواب بيوتهم عن جريمته، يالهم من تعساء هؤلاء الأجداد، نحن الآن نعيش عصر بلا جريمة، فعندما يفرز الجسم انزيمات الجريمة يسرع الرفيق الالكتروني بمعادلة تنهي هذا الإفراز وتعمل على تعديل منظومة الانزيمات، فتموت فكرة الجريمة قبل ولادتها، جيلنا محظوظ بالابتكارات التي كان أجدادنا ينسجون حولها الأساطير، ويدعون أنها من أفعال الدجالين.
نعم فالإنسان القديم كان عدو ما يجهل، نبهني رفيقي أنني وصلت عملي، بعد أن أنهيت معه حواري العقلي عن قصص الأجداد، مكان عملي مزدحم للغاية اليوم، إنه يوم إعادة برمجة الأجهزة والآلات على نظام التشغيل الحديث فهناك ثلاثة مهندسين يملأون الشركة حركة، فنحن ثلاثة أشخاص ندير مؤسسة عالمية لصناعة الورق، لا أحتمل كل هذا الكم من الأشخاص في مكان عملي، توترت وبدأت أشعر بمشاعر نفور من المكان، دلفت إلى مكتبي وبدأ نظامي الإلكتروني في تنظيم انزيماتي، ما هي إلا ثوانٍ وأعيد لي توازني، أعاد رفيقي تنظيم مواعيدي وجعلها هاتفية، فأنا الآن لن أحتمل لقاءات حية، لا بد أن تكون لقاءاتي عبر الهوليوجرام، لأنني تعرضت للتوتر مرة.
ومن الخطأ أن أتعرض لذلك التوتر الذي ينتابني بسبب الالتقاء الحي بالأشخاص أكثر من مرة في اليوم، ياله من يوم قد أفسده ذلك الزميل الذي ينتمي للاتكنولوجيين، الذين رفض أجداده زرع الشرائح الألكترونية في أجسادهم منذ عصور، فهو المسؤول الأول عن صيانة الأجهزة والشرائح الخاصة بالعاملين بشركتي، ويقوم بذلك بعشوائيته التي تمسك بها هو وأجداده، فلا يهتم بنظام الشركة ولا يرتب مواعيده بنظامنا المتطور، منذ رأيته اليوم وكل إنزيماتي في اضطراب، ويبدو أن أجهزته أخبرته بما لم يعد خافيا في عصرنا فأتاني مكتبي ليضبط ما أتلفه حضوره، فأعادني بلمسة يديه ونظرة من عينيه إلى العصور الحجرية.