إبراهيم معوض يكتب: مسافرون على بساط أصفر
الرياح تعوي من حولهم كذئاب جائعة، ذرات الرمال تملأ العيون، الفضاء الصحراوي الممتد يسلمهم إلى فضاء أكثر إتساعا وغربة، كلت الأقدام وملت القلوب، وإتجاة النجاة لم يحدد بعد، تتساقط الأبدان الضعيفة مثل أوراق الخريف، تحلق السواعد القوية المحلاة بالأمل وكأنها تطير، وحال الأطفال كحال آبائهم، ففي جناح كل أب طائر طفل يظنها نزهه، وفي يد كل أب يائس طفل تخور قواه، وكلما سأل الأطفال عن أسباب الفرار رد الأباء بكذبات كثيرة لمحاولة شحن طاقتهم الصغيرة للحاق بحدود تشاد، تحركوا جميعا إثر صيحات أطلقها المذياع في ليبيا: ديروا بالكو ع المصريين.
تركوا الأمتعة والأموال وفروا بجلودهم، تحركت بينهم بأقدام واهنة ونفس أكثر وهنا تحتمي بقبضة زوجها المتهالك يدفعها حب الحياة إلى عبور الصحراء، تضم طفلها الصغير إلى صدرها بأربطة كتف صينية، كلما سقط رجل قبضت على يد زوجها وكأنها تقويه وكلما سقطت أنثى قبض علي يدها وكأنما يأمرها أن تعيش؛ وهي ما إعتادت أن تعصي له أمرا، فمنذ أن التقطها من حضن أبيها وكان يكبرها بسنوات عديدة وهي تعتبره زوجا وأبا فهو حمايتها الوحيدة وزاد هذا الإعتبار مع تغيير الوطن بالغربة.
كلما وصلت حرارة جسده إلى يدها أكسبتها القوة والضوء وكلما خفتت فقدت الثقة والأمل وما يعيدها للحياة إلا دقات قلب طفلها الملاصق لصدرها، كذب من قال: أن الطاقة لا تفنى فها هى تفنى بفناء باعثها، ينهار كطود يتهدم يطلق صرخة سقوط كرغاء بعير مصاب، تدوي خلفه صرخاتها المتكررة لتحيل وجيب قلب طفلها إلى نحيب فزع، يقبل نحوها بقايا السائرون لعرض سبل المساعدة، فتقرر بعد تفكير طويل أن تنزع الأحزمة الصينية بالطفل وتسلمهم إياه كي ينجو معهم علي متن طائرة الإغاثة المصرية أمريكية الصنع التي تنتظرهم على الحدود التشادية، أما هي فلا نجاة لها إذا هلك هذا الرجل الذى خفتت أنفاسه..