قاطع طريق.. حرب إيران في موانئ اليمن
يبدو أن بواعث الخوف المستدام، سواء بالنسبة للدول العربية بشكل عام أو منطقة الخليج بشكل خاص من مليشيات الحوثي في اليمن باعتبارها أحد وكلاء طهران وجزءًا رئيسيًا في إطار الاستراتيجية الإيرانية التي تساند كل المليشيات المماثلة في العراق وسوريا ولبنان أكثر من أي وقت مضى.
وعلى الرغم من دحر الحوثيين من كثير من الموانئ اليمنية على نحو ما جرى في العاصمة الجنوبية عدن التي تم تحريرها في يوليو 2015، وكذلك ما حدث في مدينة المخا الاستراتيجية على البحر الأحمر، حيث يقع أحد أهم الموانئ وأقربها من ممر باب المندب الاستراتيجي، إلا أنهم لا يزالون يتخذون من مدينة الحديدة الساحلية موضعًا رئيسيًا يهدد سلامة السفن التجارية لتكريس الرؤية الإيرانية بالسيطرة على المضايق في الشرق الأوسط.
في هذا السياق، تعددت السلوكيات الحوثية في اليمن، مثل زراعة الألغام البحرية وتفخيخ السفن واستهداف حاملات النفط التجارية بالصواريخ، بما يعزز عدم الاستقرار في الإقليم ويحدث تهديدات في منطقة حيوية من العالم تمر من خلالها ناقلات النفط والسفن التجارية التي تمر عبر قناة السويس في شمال البحر الأحمر.
فقد كرست ميلشيا الحوثي وجودها كقاطع طريق شرير يتربص بالمنشآت الحيوية ويستهدف الممرات المائية، وهو ما عكسه منذ أيام قليلة هجومهم على ميناء المخا بمحافظة تعز بالصواريخ الباليستية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هجوم 11 سبتمبر على ميناء المخا تم باستخدام أربعة صواريخ باليستية وطائرات مسيرة غير معروفة العدد، ما يجعله أكبر هجوم إرهابي على ميناء مدني في العصر الحديث.
فقد دمر الهجوم الميناء وأحرق كميات ضخمة من احتياطيات الحبوب والأغذية، التي تخزنها المنظمات الدولية التي توجد في دولة تصف الأمم المتحدة الأزمة الإنسانية فيها بالأسوأ في العالم، وجاء الهجوم بعد أيام من إعادة افتتاحه ليعود إلى التدمير خلال دقائق، فاستهداف البنية التحتية المدنية التي تعود إلى الأصابع الإيرانية بما يخدم أجنداتها، هي إذن حرب ابتزاز إيرانية ينفذها الحوثيون بحذافيرها كأداة طائعة بيد طهران.
كما أن الحوثيين ينفذون استراتيجية الأرض المحروقة في اليمن عبر استهداف الفئات المجتمعية والقوى السياسية المناهضة لمشروعهم، ويتخذون من المدنيين دروعًا بشرية في ساحات القتال تحت دعاوى خدمة المجهود الحربي، بما يؤكد منهجية الرعب والترهيب للسكان المحليين ووضعهم في دائرة الخطر والاستهداف المباشر وتواصل الميلشيا الحوثية سياستها الرامية إلى إرغام تلك الفئات على الخضوع لسياساتها بدفع الضرائب والإتاوات لتجنب البطش بهم.
هذه الجريمة المتعمدة لم تجد إدانات تواكبها بما على الأقل يكبح من جرائم الحوثيين ويخفف منها، وهي إشارة على تخاذل المجتمع الدولي الذي كان عليه أن يكون صارمًا وحازمًا نحو هذه الجرائم؛ لكن ذلك لم يحدث على الإطلاق.
لقد اعتقدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن رفع مليشيات الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية سيشجع الحوثي على الانخراط في عملية التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، وأنها ستساعد في استثمار المبادرة السعودية لوقف إطلاق النار منذ مارس 2021، غير أن ما حدث كان خلاف ذلك فالحوثيون لم يتخلوا عن وظيفتهم كقطاع طرق بيد إيران في هذه المنطقة من العالم، لذلك من الصواب إعادة تقييم الموقف الأمريكي والمواقف الأوروبية أيضًا في التعامل مع ميلشيا مسلحة متعصبة ترفض الانخراط كفاعل سياسي مع أطراف أخرى في الحياة المدنية، وتصمم على اتخاذ اليمن كرهينة إيرانية ضمن حسابات طهران التوسعية في الشرق الأوسط، فالحوثي شوكة رئيسية يتعين التصدي لها من القوى المعنية باستقرار تلك المنطقة.