رجلي بتتقطع من المشي.. حكاية فتاة تركت الجامعة لـ بيع الفشار على شاطئ بورسعيد | صور
ندى ناصر محمد كامل، فتاة تبلغ من العمر 23 عامًا، تجسد قصة كفاح جديدة لفتاة مصرية، قررت بيع الفشار على شاطئ بورسعيد للكسب بالحلال، للتغلب على مصاعب الحياة، بعد أن ضاق الحال بها وأسرتها.
كانت بائعة الفشار تعيش مع والدها في محافظة القاهرة قبل انفصاله عن والدتها، حتى وصلت إلي الصف الأول في كلية الحقوق، وعندما تركت الأم القاهرة وانفصلت عن الأب للعيش في مدينة دمياط، خيرها والدها بين البقاء معه واستكمال دراستها، أو الذهاب مع والدتها والعيش في الفقر.
وجدت الفتاة العشرينية نفسها تقف أمام خيار صعب، إلا أنها نظرت إلى والدتها المريضة والتي تعاني من جلطة وعدم القدرة علي الحركة، وأشقائها الذين يحتاجون إلى استكمال تعليمهم، وليس لديهم أي مصدر للرزق، وهنا رفضت ندى ترك والدتها، وقررت أن تواجه معها الحياة.
قررت بائعة الفشار، أن تبحث عن الرزق الحلال حتى يستطيع شقيقيها حبيبة التي تبلغ من العمر 17 عامًا في الصف الأول الثانوي، وبلال البالغ من العمر 12 عامًا في الصف الأول الاعدادي، استكمال دراستهم، وتستطيع الأم أيضًا إيجاد قيمة علاجها.
تركت كلية الحقوق لحماية أسرتها
مصاريف كلية الحقوق باتت حملًا كبيرًا لا تستطيع ندى تحمله بعدما تحولت حياتها إلي الفقر وأُغلقت أبواب الرزق أمامها وأشقائها، فقررت ترك الكلية والتضحية بالتعليم والمستقبل الجامعي من أجل حياة أسرتها، التي باتت مهددة بالجوع والمرض، كما أنها تؤجل فكرة الارتباط أو الزواج في الوقت الحالي حتى يستكمل إخوتها تعليمهم وتؤمن حياتهم.
مشروع أجدع راجل
عملت ندى في البداية على عربة للمشروبات الساخنة والإندومي أطلقت عليها “أجدع راجل"، أسفل منزلها في الجنوب بمدينة دمياط الجديدة بـ العمارة 33 شقة 9، إلا أن مجلس المدينة والبلدية قاموا بمضايقتها ومنعوها من العمل عليها حتى أغلقتها وتركتها أسفل المنزل.
وفكرت ندى في مشروع لبيع مستحضرات التجميل للمعارف والأصدقاء إلا أن ارتفاع ثمنها وقلة الإقبال عليها لم يكن كافيًا لتوفير مصروفات الأسرة، خاصة أن الأم لا تقوى على العمل، والشقيقان كذلك في مراحل التعليم، والفتاة هي التي تتحمل المسئولية كاملة.
ظلت ندى تبحث عن وسيلة للرزق الحلال تستطيع من خلالها أن تحصل على مصدر ثابت للرزق، تعيش الأسرة من خلاله دون أن تمد يدها لسؤال الناس، وقبل أن يلقى أشقاؤها نفس المصير، ويتركون التعليم بسبب الفقر.
بيع الفشار على شاطئ بورسعيد
“ربنا بعتلي فكرة الفشار دي عشان يسترني بيها"، بهذه الكلمات بدأت ندى الحديث عن مشروعها لبيع الفشار على شاطئ بورسعيد، والتي اتخذت منه على مدار أعوام مصدرًا للرزق، واستطاعت من خلاله تحقيق حياة شبه مستقرة للأسرة بالرغم من صعوبة المهمة.
تعلمت ندى في البداية طريقة عمل الفشار، وأبدعت فيها لتقديم منتج جيد لـ الزبائن، وقامت بالسفر منفردة وهي بنت الـ 23 عامًا إلي عدد من المحافظات للبحث عن سوق جيد لبيع الفشار، حتى استقر بها الحال على شاطئ بورسعيد.
تبدأ ندى يومها من الثانية عشر ظهرًا بتجهيز الفشار مع والدتها وأخوتها في المنزل، ووضعه في أكياس يتم بيعها بـ 5 جنيهات، وحمل وجبة اليوم، في شكارة كبيرة، إلى شاطئ محافظة بورسعيد لبيعها للمصطافين.
تحمل ندى شكارة الفشار على كتفها وتذهب به إلى محافظة بورسعيد عن طريق 3 مواصلات، وتبدأ رحلتها من شاطئ حي غرب حتى شاطئ الشرق، في مسافة تُقدر بأكثر من 10 كيلو مترات تبحث خلالهم ندى عن رزق حلال.
معايا الفشار.. بـ 5 جنيه يا فشار
تقترب الفتاة صاحبة الصوت الرقيق من الأهالي الذين يجلسون على الشاطئ وفي الكافتيريات لتسويق الفشار، وتعرض عليهم أكياس الفشار التي تبيعها بـ 5 جنيهات، ولا تخجل الفتاة من ذلك، وتظل كذلك من أسرة إلي أسرة حتى تبيع الوجبة التي أعدتها لليوم.
في بعض الأيام تستمر رحلة ندى مع الفشار لأكثر من 12 ساعة تسير خلالهم الفتاة على قدميها بحثًا عن زبائن لبيع الفشار على شاطئ بورسعيد، وتقول إنها في بعض الأيام تبكي من شدة الألم والوجع الذي يصيب قدميها؛ نتيجة المشي لمسافات وفترات طويلة، وتعود إلي منزلها وش الصبح في أيام آخري.
تقول بائعة الفشار لـ القاهرة 24، أن نصائح والدتها دائمًا أمام عينيها وفي أذنيها تتجاوز به كل هذا التعب، وتواجه بها صعوبة الحصول على الرزق، والعذاب والشقاء الذين تعانيهم، حيث تنصح الأم دائمًا ابنتها بالحلال وتحذرها من الحرام، وتعلمها أن الله -تعالي- هو القادر على توفير الرزق لها ما دامت تخافه في تعاملاتها.
وتؤكد ندى أنها في كل يوم تأتي فيه إلي محافظة بورسعيد تعود مجبورة الخاطر، ويرزقها الله برزق والدتها وأشقائها، وتؤكد أنها لا تقبل المساعدة بأي صورة وترفض أن يقوم أحد بشراء كيس فيشار ودفع قيمة مالية أكبر، قائلة: “أنا مش بشحت أنا بشتغل وباكل بالحلال من عرقي وشقايا".
تحكي بائعة الفشار أنها لا تتعرض لأي مشكلات أو مضايقات خلال رحلتها علي شاطئ بورسعيد، بالعكس تلقى دعمًا كبيرًا حتى من فئات الشباب الذين يقدرون قيمة ما تفعله، ويجدون فيها نموذجًا لـ “البنت المكافحة الجدعة"، وتروي أنها بات لها زبائن على شاطئ بورسعيد يسألون عنها ويشترون منها الفشار، حتى أن بعض الفتيات أصبحن صديقاتها يطمئنون عليها حتى العودة إلي منزلها.
تعود ندى كامل لتتذكر رحلة المعاناة اليومية مع السير 10 كيلو على الأقدام والسفر في كل يوم من دمياط لبورسعيد ذهابًا وعودة، والتي تنتهي دائمًا بالبكاء من شدة الوجع والألم في قدميها، لتطالب الجهات الحكومية المسئولة بتوفير مصدرًا للرزق لها ولأسرتها، أو السماح لها بعربة المشروبات في أحد المناطق الجيدة في دمياط الجديدة لتستطيع من خلال كسب لقمة عيش حلال، قائلة: “يعني متر في متر كتير على رحمتي من العذاب وستر أسرتي وعلاج أمي وتعليم أخواتي".