عذاب داخل غرف العمليات.. نرصد معاناة طلاب الامتياز داخل أقسام الجراحة بكليات الطب | تحقيق
طلاب الجراحة في كليات الطب المصرية يعانون من قلة الأجور ونقص الخبرة
مقياس قبول طلاب الجراحة درجاتهم بالكلية وليس خبرتهم وتدريبهم العملي
المرضى ضحايا إهمال وقلة خبرة أطباء الجراحة في المستشفيات الخاصة
يتعرض طلاب كليات الطب بالجامعات المصرية لكثير من الضغوط، في ظل عدم وجود التدريب الكافي خلال الوقت الذي لا يحصلون فيه على التأهيل الكافي للالتحاق بقسم الجراحة الذي يعد من الأقسام الهامة التي تتعلق بإجراء العمليات الجراحية على خلاف ما يحدث بالخارج، حيث يتم وضع الطلاب قبل أن يلتحقوا بهذه الأقسام تحت الاختبار لتحديد ما إذا كان سيتم قبولهم أم لا، لكن في مصر وحسب شهادات عدد من طلاب الامتياز، وأساتذة الجراحة، فإنه لا تُجرى لهم أي اختبارات لدخول هذا القسم المهم والحيوي ما يؤثر على حياة المريض، حيث يتم الاعتماد على مجموع الدرجات الخاصة بالطالب فقط لدخول قسم الجراحة بكليات الطب المصرية.
حلم كلية الطب
حلم الطالب أحمد شوقي الدبيكي بدخول قسم جراحة القلب بكلية الطب، وهو ذات التخصص الذي كان مصابًا به والده وتوفي على إثره بعد إجرائه عملية قلب مفتوح، إذ اجتهد ودخل بالفعل كلية الطب ليلتحق بقسم جراحة القلب، والصدر لكنه اصطدم بكثير من التحديات مع واقع لم يتصوره خاصة مع عدم وجود برنامج تدريبي مخصص لقسم الجراحة قبل مواجهة الواقع العملي كما يحدث في الخارج.
يقول الدكتور أحمد شوقي دبيكي في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24 إنه يعتبر السير مجدي يعقوب جراح القلب العالمي مثله الأعلى، وأنه تأثر به كثيرًا لما يبذله من جهد إنساني في المقام الأول لإحياء قلوب المرضى، مضيفًا: هذه أيضًا من الأسباب التي جعلتني ألتحق بهذا القسم بعد حصولي على مجموع عالٍ.
وحدد دبيكي، بعض الصعوبات التي تواجه طلاب أقسام الجراحة بكليات الطب بالجامعات المصرية، ومنها طول فترة التدريب والوجود طوال الأسبوع في أغلب الأوقات، والعمل الشاق مما يعرضه لمجهود ذهني وعصبي كبير جدًّا كما يعرضه للأمراض الجسدية، والنفسية أحيانًا وهذا نظام غير متبع في أي بلد في العالم.
ضغوط شديدة
يضيف الدبيكي أن النائب أو طبيب الامتياز يتعرض لضغوط شديدة منها أنه خلال مرحلة النيابة أو العمل كطبيب امتياز يكون مسئولًا عن بعض المهام داخل غرفة العمليات مثل كيفية فتح صدر المريض، وإغلاقه بعد إتمام الجراحة، وهناك 3 تخصصات في الجراحة منها جراحة الصدر، وجراحة قلب الكبار، وجراحة قلب الأطفال، والنائب هو المسؤول عن المريض من بعد خروجه من العملية حتى خروجه من المستشفى، كما يتعرض طالب الامتياز لضغوط شديدة منها أيضا أن عدد المقاعد التي توفرها الجامعة للتدريب خارج مصر قليلة جدًّا وغير كافية لنواب ومساعدين هم جراحو المستقبل.
لا توجد برامج تأهيل أو اختبارات قبل الالتحاق بالقسم
وتابع الدبيكي: للأسف لا يوجد اختبارات أو برنامج تأهيلي لدخول قسم الجراحة بكلية الطب جامعة عين شمس، كما لا يوجد أي اشتراطات أو مقابلات أو امتحانات لدخول قسم الجراحة، كما لا يوجد توعية للطلبة أو اشتراط قضائهم فترة أثناء مرحلة الامتياز في ذات القسم للاطلاع على واقع العمل قبل اختيار القسم المراد الالتحاق به.
الهروب من أقسام جراحة القلب والمخ
يؤكد الدكتور خالد سمير أستاذ الجراحة بكلية الطب بجامعة عين شمس، في تصريحات خاصة لـ القاهرة 24، أن معظم الخريجين يقومون بالتحويل للأقسام التي تحتاج إلى جهد أقل وتعطي عائدًا أوفر مثل أقسام الجلدية والأشعة، والتحاليل الطبية، ولا يفضلون الجراحات الخاصة مثل جراحات القلب والمخ والأعصاب، والمسالك البولية، وغيرها من الأقسام، مما أدى إلى تغيير في خريطة القبول بعد أن كانت هذه الأقسام تجتذب أوائل الدفعات منذ عشرات السنين نظرا للوجاهة الاجتماعية وضمان الرفاهية قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب بسبب السياسات الصحية.
وأشار الدكتور خالد سمير إلى أن وزارة الصحة في مصر أنشأت هيئة الرعاية الصحية، وأصبح وزير المالية هو رئيس صندوق التمويل الصحي، وهذا غير منطقي لأن الدستور يؤكد على أن غير القادرين من المواطنين على العلاج تقوم الدولة بعلاجهم، متسائلا: كيف تقوم الحكومة بالدفع لغير القادرين وهي التي تحدد في ذات الوقت أسعار الخدمة؟ وبالتالي فالنوايا الحكومية جيدة لكن هناك سوء تنفيذ، حيث إن الطبيب الذي يتم تعيينه في وزارة الصحة يحصل على مبلغ يتراوح بين 2500 و3000 جنيه شهريًا، وهو ما دفع الأطباء للسفر خارج مصر للعمل هناك، أو فتح عيادة داخل مصر أو يعمل في أحد مستشفيات القطاع الخاص.
ويضيف سمير أن هناك بروتوكولًا لتدريب النواب الجراحين أو الامتياز وهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات التي يجب أن يقوم بها المتدرب حتى يُسمح له بدخول امتحان التخصص، ويعتمد تنفيذه على أعداد المرضى وأعداد المقبولين وجدية الطالب وانتظامه، لافتًا إلى أن مصر تحاول منذ سنوات إحداث ثورة في برامج التدريب لتواكب التقدم العالمي الذي تأخرنا فيه كثيرًا حسب وصفه.
أوضح أستاذ الجراحة أنه في الخارج وفي الدول الأوربية كل شيء يحسب بطريقة علمية وانضباط، ويعتبر برنامج التدريب مقدسًا لدى الطلاب بكليات الطب، وهناك رقابة مستمرة عليه، كما أن امتحانات التخصص تكون موحدة لضمان تكافؤ الفرص ولحماية المرضى، منوهًا بأنه عمل في خمس جامعات أوروبية، وأن النظام هناك مختلف تماما حيث تختلف ثقافة الطالب نفسه، حيث لا يوجد في المدرج التعليمي ألف وألف وخمسمائة طالب، كما يحدث في مصر بل لا يتعدى عدد الطلاب 200 أو 250 طالبًا، والطالب ملتزم ولا يلجأ للدروس الخصوصية، ويحضر يوميًّا تدريبه من الساعة 8 صباحًا وحتى 5 مساء.
كما أن أستاذه نفسه متفرغ للعمل في مكان واحد، ويحصل على أجر جيد يصل على الأقل إلى 5 آلاف يورو شهريًا، وتتحمل الجامعة مصاريف سفره، ومحاضراته، ولديه تأمين صحي شامل، والأستاذ هنا مسئول عن 3 طلاب أو 4 طلاب، وبالتالي فهي منظومة متكاملة، بخلاف ما يحدث في مصر إذ إن الأستاذ بكلية الطب غير متفرغ أصلًا لأن راتبه لا يكفيه لأنه يتقاضى راتبًا نحو 9 آلاف جنيه.
لا يوجد اختبارات لدخول قسم الجراحة
وألمح إلى أنه في مصر يعتمد الأمر والقبول بقسم الجراحة على الدرجات فقط، وهو المعيار الوحيد الذي يتم على أساسه الاختيار والقبول بقسم الجراحة، وهناك جامعات تمنح طلابها درجات مرتفعة للحفاظ على المستوى التعليمي بخلاف ما كان يحدث في السابق بمصر، حيث كان هناك شروط للقبول إذ يتم قضاء شهرين أثناء الامتياز كاختبار عملي كي يتم اختباره عما كان سيصلح لهذا القسم أم لا ؟، لكن حاليا حتى قسم الجراحة يقوم طلبة الامتياز باختيار الأقسام التي تعتمد على عمليات جراحية بسيطة كالجلدية للبعد عن المسئولية الشديدة لأقسام الجراحات الخاصة والرعاية المركزة.
من جانبه يقول الدكتور أشرف زغبي، مدير العمليات الجراحية بمستشفيات عين شمس وأستاذ الجراحة بكلية الطب جامعة عين شمس في تصريحات لـ القاهرة 24، إنه لا يوجد اختبارات حاليا لدخول قسم الجراحة بكليات الطب، مطالبا بضرورتها، مشيرًا إلى أنه في الخارج يحدث ذلك، مشيرًا إلى أن الاختبارات التي تجرى حاليًّا هي اختبارات تتعلق بقدرة الطالب على تحصيل العلم، ولا توجد أسئلة تقيس قدرته على التحمل والمثابرة للعمل بقسم الجراحة، لكن في أمريكا مثلا يكتب عنه تقارير منذ السنة الأولى بكلية الطب عما إذا كان يصلح لمهنة الطب أم لا، حتى يتم قياس أدائه وقدرته على العمل بالقسم بينما يتم كشف طبي عادي جدًّا كأمراض الضغط والقلب وغيرها بينما لا يوجد اختبارات تقيس قدرته على التحمل والقدرات الشخصية النفسية الأخرى.
صدام مع الواقع
وتقول الطالبة فيبي رسمي، الطالبة بمرحلة الامتياز بكلية الطب بجامعة أسيوط لـ القاهرة 24، إن هناك صدامًا بين ما نحلم به والواقع الذي نواجهه، خاصة ضعف المرتبات خلال العمل، ولنتخيل أن خريج كلية طب عمره 30 عامًا، ولا يستطيع قضاء متطلباته ماديًا نتيجة ضعف المرتبات، مضيفة أنه أحيانا نجبر على تخصصات معينة نتيجة العجز في تخصصات طبية أخرى.
من جانبه قال الدكتور إيهاب الطاهر، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء: إنه يجب أولًا أن نضع التشخيص الصحيح قبل أي شيء للأزمة، ويجب أن نعلم أن من أهمّ أسباب هجرة الأطباء المتزايدة من مصر تدنِّي الأجور وبيئة العمل ونقص المستلزمات وحملات التحريض والتعدي عليهم ونقص فرص الدراسات العليا والتعسف الإداري وغيرها.
من جانبها قالت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، إن مصر ضمن الدول التي تعاني نقصًا في عدد الأطباء رغم أن عدد خريجي كليات الطب في مصر سنويًا يبلغ 9 آلاف طبيب سنويًا.
وكشفت دراسة أجراها المكتب الفني لوزارة الصحة بالتعاون مع المجلس الأعلى للجامعات، والمجلس الأعلى للمستشفيات الحكومية، أن عدد الأطباء البشريين المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة من نقابة الأطباء، باستثناء من بلغوا سن المعاش، يبلغ نحو 212 ألفًا و835 طبيبًا، يعمل منهم حاليًا في جميع قطاعات الصحة، سواء بالمستشفيات التابعة للوزارة أو المستشفيات الجامعية الحكومية، أو القطاع الخاص حوالى 82 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 38% من عدد الأطباء المسجلين والحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة.
بالمقارنة بين الرقمين، يتضح أن 62% منهم متسربون من المنظومة الطبية، إما بسبب السفر للخارج للعمل أو لاستكمال الدراسات العليا، أو بسبب الحصول على إجازات دون راتب، أو الاستقالة نهائيا من العمل الحكومي.
وتخلص الدراسة إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1162 مواطنًا، بينما المعدل العالمي ـ طبقًا لمنظمة الصحة العالمية ـ هو طبيب لكل 434 مواطنًا.