بعد تصفية الحديد والصلب والقومية للأسمنت..ماذا تبقى من "إرث جمال عبد الناصر" الصناعي؟
"كنا سنة 52 بنستورد إبرة الخياطة، وبنستورد المسمار وماكينة الخياطة والعربية وبنستورد كل حاجة النهاردا نستطيع أن نفخر أننا نصنع كل شىء من إبرة الخياطة إلى الصواريخ".. جاءت تلك الكلمات على لسان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والذي تحولت مصر في عهده لقلعة صناعية كبرى تعتمد على الإنتاج المحلي وتصدر لدول العالم كافة، حيث تم إنشاء نحو 1200 مصنع في عهده وتمكنت مصر في النصف الثاني من الخمسينات والنصف الأول من ستينات القرن الماضي من بناء ترسانة صناعية ضخمة في حلوان والدلتا والصعيد.
بعد 5 سنوات من قيام ثورة يوليو تم وضع أول برنامج قومي للتصنيع في عام 1957 بلغت تكلفته الكلية حينئذ 250 مليون جنيه ليُنفَّذ على خمس سنوات اختُصرت إلى ثلاث وتضمن البرنامج الكثير من الصناعات الكيماوية، وصناعات مواد البناء وتبعته الصناعات المعدنية والهندسية.
حققت مصر نسبة نمو خلال الفترة من عام ١٩٥٧ – ١٩٦٧ ٧ ٪ سنويًا، وهو ما يمثل أربعة أضعاف ما استطاعت تحقيقه في الأربعين سنة السابقة عليها وفي أواخر عام 1959 تقرر إعداد برنامج التصنيع الثاني ليغطي فترة السنوات الخمس التالية واستهدفت الخطة الخمسية الأولى (60/1961-64/1965) إعطاء دفعة قوية للصناعة فخصص لها 26،7% من الاستثمارات الكلية بهدف زيادة الصناعات التحويلية بنسبة 42% فى نهاية تلك الخطة.
بعد مرور 31 سنة على رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، تم تصفية عدد كبير من الشركات التي أسست في عهده أبرزها قلعة صناعة الحديد" شركة الحديد والصلب"
والقومية للأسمنت ومصر لصناعة الألبان، وتعكُف وزارة قطاع الأعمال العام على تطوير بعض الشركات من بينها مصر للألومنيوم والنصر لصناعة السيارات.
أولًا: شركات جارٍ تطويرها
1- مجمع الألومنيوم في نجع حمادي
أُسس مُجمّع الألومنيوم بمدينة نجع حمادي في محافظة قنا في سنة 1976 لاستغلال الطاقة الكهرومائية التي تُولّد من السد العال بأسوان، ومنذ ذلك التاريخ تُحتكر صناعة الألومنيوم الخام في مصر، حيث تعمل في إنتاج وتصنيع وتسويق وتوزيع معدن الألومنيوم وخاماته ومستلزماته، وسبائكه ومشتقاته، في السوق المحلي، بالإضافة إلى التصدير.
وتتعرض الشركة لخسائر متتالية بسبب زيادة أسعار الكهرباء محليًا وتراجع سعر الألومنيوم عالميًا.
من جانبها تخطط وزارة قطاع الأعمال المصرية لتطوير الشركة، حيث تم اختيار شركة بكتل العالمية لإعداد دراسة جدوى تطوير المشروع؛ لإحلال الجزء الأكبر من الخلايا القديمة على مرحلتين بتكلفة تقديرية حوالى 13 مليار جنيه، مع إدخال تكنولوجيا جديدة أقل استخدامًا للطاقة الكهربائية، والتي تمثل نحو 40% من تكلفة الإنتاج، وذلك بطاقة إنتاجية 250 ألف طن.
2- كيما
صدر قرار تأسيس شركة كيما من مجلس الوزراء في 22 مارس 1956، في محافظة أسوان، لتعمل في إنتاج صناعة الكيماويات والأسمدة، وتم اختيار موقعها لتستفيد من الكهرباء المنتجة من السد العالي، وافتتحها الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1963، في إطار مخطط لإقامة صناعات ثقيلة بجانب الحديد والصلب والألومونيوم، وشمل مخطط الشركة إنشاء مدينة سكنية كاملة للعاملين فيها تضم مدارس لمختلف المراحل التعليمية، وجمعية تعاونية للإسكان أقامت مشروعات لتمليك العاملين بالقاهرة والإسكندرية وأسوان.
نجحت الحكومة في الانتهاء من تطوير وتحديث مصانع شركة الصناعات الكيماوية كيما بأسوان من خلال إنشاء مصنع جديد تكلف نحو 11.6 مليار جنيه، وهو مصنع متخصص في إنتاج الأسمدة من الغاز الطبيعي بدلًا من الكهرباء، إلا أن المصنع الجديد تعرض لعطل في 14 سبتمبر 2020 أدى إلى توقفه حتى نهاية فبراير الماضي، حيث تم إعادة تشغيله.
ثانيا: شركات تم تصفيتها
3- شركة مصر لصناعة الألبان
تأسست شركة مصر لصناعة الألبان عام 1956 تلبيةً لشعار رفعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وهو "كوب لبن لكل مواطن"، وظلت الشركة متربعة على عرش صناعة الألبان في إفريقيا والشرق الأوسط حتى سبعينات القرن الماضي، وامتدت مصانعها في القاهرة والإسكندرية (مصنع سيكلام، الأول في مصر، الذي يعود إلى العهد الملكي وضمته الشركة ضمن إجراءات التأميم فيما بعد)، وفي دمياط والمنصورة وطنطا والإسماعيلية وكوم أمبو وسخا، بالإضافة لمركز التدريب الوطني بالإسكندرية، وكان المركز الوحيد من نوعه في الشرق الأوسط.
وامتلكت الشركة نحو 60 مركزا لتجميع الألبان من الفلاحين على مستوى الجمهورية.
في عام 1996، توقف مصنع طنطا، وأعلنت الحكومة فتح باب المعاش المبكر للعاملين، وبيع المصنع وأرضه إلى هيئة الأبنية التعليمية، وتكرر الأمر بعدها بعامين في مصنعَي الإسماعيلية وسخا.
في أكتوبر 1998 تم بيع مصنع سيكلام لشركة المنصور للتأجير بمبلغ 20 مليون جنيه، وتم تصفية الشركة نهائيا لتسوية ديون مستحقة لبنكَي الأهلي ومصر على شركات تابعة القابضة للصناعات المعدنية.
القومية للأسمنت
تأسست عام 1956، في جنوب حلوان، لتوفر احتياجات البلاد من الأسمنت، وظلت متربعة على عرش الصناعة حتى مع دخول شركات عالمية إلى السوق، لتبقى الشركة الحكومية الوحيدة التي تعمل في هذا المجال، وبالتزامن مع اشتداد المنافسة بين الشركة والمصانع العالمية في مصر، تراجع أداؤها مع نهايات القرن الماضي، وبدأ مسلسل الخسائر عام 2012 حين تم الإعلان عن مشروع التحسين البيئي الذي كان يهدف إلى تطوير أفران الشركة، وفق مخطط يستمر نحو عامين.
بعد أكثر من 62 عامًا على تأسيس الشركة، قررت الجمعية العامة غير العادية للشركة في 2018، تصفية الشركة بعد وصول خسائرها إلى مليار و392 مليون جنيه.
4- الحديد والصلب المصرية
تأسست شركة الحديد والصلب المصرية عام 1954 بقرار من الرئيس عبد الناصر، بهدف إنشاء أكبر مجمع للحديد والصلب في منطقة الشرق الأوسط، في مدينة التبين بحلوان
اعتمد المشروع في إنتاجه على خامات الحديد المتوافرة بكثرة في مناجم أسوان "والتي قدرت مساحتها بـ1250 كيلو مترًا مربعًا، فبالإضافة إلى جودة الخام المستخرج منها تعتبر أقرب مصادر الخامات المصرية إلى طرق المواصلات، كما اعتمد على خام الحديد المتوفر أيضا في الواحات البحرية والبحر الأحمر.
بلغ إنتاج المصنع - آنذاك - ما يقرب من 210 ألف طن ليصل إلى 1.5 مليون طن في فترة السبعينيات من الصلب المشكل على هيئة ألواح مختلفة الأحجام والسمك وقضبان وفلنكات حديدية وبلنجات السكك الحديدية
في يناير الماضي، قررت الجمعية العامة غير العادية لشركة الحديد والصلب، تصفية الشركة بعد 67 سنة من عمرها بسبب ارتفاع خسائرها إلى 9 مليارات جنيه.