يصنع من أوجاعه ألحانًا.. قصة عم ممدوح أشهر مصفِّر ناي على مواقع التواصل الاجتماعي
هواية اتخذها أبا عن جد لتضطره أقداره أن يترك بلده الأصلي في الصعيد ويدلف في شوارع العاصمة، ليتخذ من جدران شوارع القاهرة ملاذًا له، بآلة موسيقية صغيرة تشبه الناي، يطرب عم ممدوح كل من يمر بجانبه ويظل يداعبها بأصابعه فتأخذ كل من يسمعها إلى رحلة قصيرة لعالم الفن ثم يعود بهم إلى أرض الواقع، ويتحرك قلوب من يمر بجانبه إجلالًا لموهبته التي تمر كطيف في تكرار غير مُمِل، لأكثر من 12 ساعة من أجل توفير20 جنيه تكفي قوت يومه.
لم ينس عم ممدوح أحلامه القديمة، حيث وقع في غرام هذه الآلات بسبب طبيعة البيئة التي يعيش فيها حتى أصبح «غاوي» لكل هذه الحكايات والسميفونيات، فقديما كان جده هو من يصنع هذه الآلات من البوص، ويقضي ساعات على صوت ألحان محمد طه وأبو زيد الهلالي والمديح وهو يقول «بعد المديح والمكمل نحكي في السيرة ونكمل».
ظل يلحق بالموالد وحلقات الذكر منذ أن كان شابا حتى ضاع عمره وتوفى كل أقرانه ليجد نفسه تارك الصعيد، ويبحث عن مصدر رزقه الذي وجده في إحدى أفران القاهرة، ممارسًا بجانبها هوايته التي إعتاد عليها طوال السنين الماضية حتى لقبوه ب «العجان أبو صفارة».
تمر السنين ليجد نفسه متخذا من جدران شوارع القاهرة ملاذًا له ولآلاته الموسيقية التي تفرغ لها، ويعزف سيمفونيات يعجز عنها كبار الفنانين، لتتساءل الأدمغة وتعجب عيون كل من يمر بجانبه من هو ذلك العجوز الفنان!
«كلهم كدا ميجيبوش ٢٠٠ جنيه..اونطة فاونطة ولا ليهم لازمة» بهذه الكلمات يؤكد عم ممدوح أن كل هذه الآلات لا تكفي حتى لقوت يومه ذلك السبب الذي دفعه لعدم الزواج حتى الآن، معللا أنه ليس إلا شخصًا يهوى الفن، والفن لا يرزق صاحبه الا لو كان هناك من يدعمك.
متأثرًا بالتراث وبالحياة التقليدية، يبدأ عم ممدوح ببيع البوص الذي يشبه الناي بأسعار رمزية تبدأ من 2 جنيه كعادة كل من كان يعمل في نفس المهنة قديما في الصعيد، من أجل توفير احتياجاته اليومية.
ربما يستحق هذا العازف تحية مماثلة في الأوبرا وسط حضور 100 ألف مُحب وعاشق للفن، لكن القدر لم يسمح له بلحظة أسطورية كتلك، ليترك خلفه مقطعًا مرئيًا خلّد به أحد الحاضرين عرضه المُبهر.
«ملهاش لازمة الحياة كل من عليها فان».. هذه الكلمات لخص بها طلبه الاخير من الحياة فهو لا يرغب في عمارة أو مسكن جيد ولكن كل ما يتمناه هو مأكل ومشرب معللا «كل من عليها فان».