بعد اتصال بين الأسد والملك عبد الله الثاني.. تعرف على تاريخ العلاقات الأردنية السورية قبل وبعد الأزمة
بعد سنوات عديدة من الجفاء في العلاقات، استقبل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، اتصالا هاتفيًا، أمس الأحد، من الرئيس السوري بشار الأسد، وفقًا لما أفاد به الحساب الرسمي للديوان الملكي الأردني عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، حيث تناول الاتصال العلاقات بين البلدين وسبل تعزيز التعاون بينهما.
وكان الملك عبدالله، قد قال في وقت سابق لشبكة CNN التلفزيونية الإخبارية، إن النظام السوري باقٍ، مضيفًا: بالطبع أتفهم غضب وتخوف العديد من الدول حول ما حدث للشعب السوري، لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه هذا الشعب.
وعقد خلال سبتمبر الماضي العديد من الاجتماعات والمحادثات بين مسؤولي الأردن وسوريا، انتهت بالتوصل إلى تفاهمات تهدف لتعزيز التعاون في مجالات التجارة والطاقة والمياه وضمان الأمن على الحدود ومكافحة الإرهاب.
كما أعلنت السلطات الأردنية، الأربعاء الماضي، عن فتح معبر جابر على الحدود مع سوريا، للمسافرين وحركة الشحن، بعد قرابة الشهرين من إغلاقه، على خلفية معارك جرت في الجنوب السوري بين قوات الحكومة والمعارضة.
وفي إطار التقارب الأخير بين الأردن وسوريا، نستعرض فيما يأتي المعالم الأهم في تاريخ العلاقات بين البلدين قبل وبعد الأزمة السورية.
العلاقات الأردنية السورية في عهد الاحتلال
ساد العلاقات بين الأردن وسوريا جو من التوتر وقت الانتداب الفرنسي، حيث دعم الأمير عبدالله بن الحسين الثورات السورية المسلحة ضد الفرنسيين بين عامي 1936-1945، حيث كانت مبادئ الأمير عبدالله القومية الدافع وراء حمايته لـ حزب الاستقلال العربي، الحزب الذي شكل أول حكومة سورية قبل أن يطاح بالملك والحكومة من قبل الاحتلال الفرنسي.
وظلت العلاقات بين البلدين متوترة بعد ذلك على خلفية الغارات المستمرة بين القبائل الأردنية والسورية على الحدود بين البلدين، حتى تشكلت قوة البادية في 1930، والتي استطاعت إعادة الأمن للمنطقة، لتأخذ العلاقات بعد ذلك في التحسن، وحتى أعلن البلدان في 1946 الاستقلال عن الانتداب البريطاني في الأردن والفرنسي في سوريا.
علاقات ما بعد الاستقلال.. الكثير من العداء والقليل من الأخوة
في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، ظهر ما شبهه البعض بحرب باردة عربية، حيث السباق على السلطة والتأثير في المنطقة بين الرئيس جمال عبدالناصر في مصر، ومنافسيه من البعثيين في سوريا والعراق، لكن المنافسة الأهم كانت بين الملكيات المحافظة كالـ السعودية، الكويت، الأردن والجمهوريات الثورية كـ مصر، ليبيا، سوريا.
في هذا الإطار، أخذت الأردن تحت قيادة الملك حسين في التقارب مع الغرب والولايات المتحدة والحفاظ على سياسة محايدة إلى حد ما تجاه القضية الفلسطينية، على الجانب الآخر، تقاربت سوريا مع السوفييت وعادت الغرب والقوى الاستعمارية، وعاشت فترة من النزاع على السلطة والحركات العسكرية، حتى وصول الرئيس حافظ الأسد للسطلة في 1970، واستطاع الأسد الحفاظ على منصبة وتوطيد سلطة حزب البعث الحاكم في سوريا حتى الآن.
بعد الهزيمة المؤلمة التي منيت بها مصر والأردن وسوريا في 1967، تبادل البلدان الاتهامات حول أسباب الهزيمة، حيث خسرت سوريا مرتفعات الجولان الاستراتيجية، بينما خسرت الأردن كامل الضفة الغربية متضمنة القدس الشرقية، كما تدفق آلاف اللاجئون الفلسطينيون إلى المملكة.
في 1970، انفجرت التوترات داخل الأردن على شكل حرب أهلية بين جيش المملكة وقوات منظمة التحرير الفلسطينية، فيما عرف بـ "أيلول الأسود"، لم يقتصر القتال آنذاك على الجانب الأردني والفلسطيني، فدعمت سوريا منظمة التحرير، وفي سبتمبر 1970، حاولت شن غزو على شمال الأردن لكنها فشلت.
بحلول أكتوبر 1973، تحالفت مصر مع كلا من سوريا والأردن، لتحقيق نصر العرب على إسرائيل، وأرسل الأردن قواته للجولان السوري، لتثبيت الإسرائيليين هناك، ومنعهم من تطوير عمليات هجومية.
في 1976، وقع الملك الحسين بن طلال والرئيس حافظ الأسد على بروتوكول وحدة بين البلدين، كما تم توطيد التعاون التجاري والاقتصادي بشكل كثيف بين البلدين، لكن هذا التحالف لم يستمر طويلا وانتهى في 1979، على خلفية تقارب الأردن مع العراق وحزب البعث العراقي، المعادي لسوريا وحزب البعث السوري.
لكن ومع بداية العقد الجديد وطوال الثمانينات، عاد العداء بين البلدين، وشهدت الحدود حشدا للقوات، بالإضافة للحشد الإعلامي وتبادل الاتهامات بتهديد كل طرف للأمن الداخلي للآخر، وفي فبراير 1981، هاجمت جماعة مسلحة السفارة الأردنية في لبنان واختطفت الدبلوماسي الأردني هشام المحيسن، واتهم الأردن سوريا بالوقوف وراء الهجوم، لتعلن "جبهة المواجهة الوطنية" الموالية لسوريا مسؤوليتها عن الحادث، والتي أفرجت عن الدبلوماسي في عملية تبادل، حيث أفرج الأردن عن 3 من العناصر السورية التي اعترفت أنها دبرت لمحاولة اغتيال رئيس الحكومة الأردنية مضر بدران.
ودعم الأردن تلك الفترة العراق في حرب الخليج الأولي 1980-1988، بينما دعمت سوريا إيران، وفي حرب الخليج الثانية غزو العراق للكويت 1990-1991، كانت القوات السورية ضمن التحالف الذي حرر الكويت، بينما حاولت الأردن التوسط بين الفرقاء العرب للوصول لحل، وداخليا أستمر الجانبان في تبادل الاتهامات حول محاولات زعزعة الأمن الداخلي للطرفين.
في 1985 عقدت القمة العربية الاستثنائية في المغرب، والتي تقرر خلالها تأليف لجنة مصالحة بين الأردن وسوريا، وفي أواخر العام ذاته، زار الملك حسين سوريا لينهي 7 سنوات من القطيعة بين البلدين، وأخذت العلاقات بين البلدين في التحسن منذ ذلك الحين، وخاصة بنهاية الحرب الخليجية الثانية في 1991.
العلاقات الأردنية السورية.. مرحلة عبد الله وبشار
في فبراير 1999 توفي الملك حسين، وكان الراحل قد نقل قبل أسابيع قليلة من وفاته ولاية العهد من أخيه الحسن الذي شغل المنصب لـ34 عامًا، إلى ابنه الأكبر عبدالله، صدم هذا التغيير الكثيرين، لكن الأمر مر بسلاسة وتولى عبدالله الثاني الحكم، كما توفي الرئيس السوري حافظ الأسد في يونيو 2000، وعين ابنه بشار رئيسًا خلفًا له.
تحت قيادة رجلين قريبان في السن، من الجيل الجديد، ويتطلعان لعمل برجماتي يحقق مصالح البلدين، ظهرت الرغبة في تطوير العلاقات بين البلدين جلية للجميع.
ظهرت برجماتية الزعيمان عبدالله وبشار، في نوعية الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين البلدين، ففي أغسطس 1999، وقعت الأردن وسوريا اتفاقية تجارية لإلغاء التعريفات الجمركية على منتجات معينة يتم تداولها بين البلدين، وبعد عامين في أكتوبر 2001، دفع البلدان هذه العملية إلى حد أبعد من خلال اتفاقية التجارة الحرة الأردنية السورية، والتي دخلت حيذ التنفيذ في 2002.
كما أبرم البلدان اتفاقية جديدة للمياه في 2001، أدت إلى زيادة تدفق مياه نهر اليرموك إلى الأردن، كما أعاد الاتفاق إحياء خطة سابقة من العام 1987 بين الأردن وسوريا تهدف لإنشاء خزان مياه على طول نهر اليرموك، وفي المقابل ساعد الأردن على إصلاح النظام المصرفي في سوريا.
وظهر الدفيء في العلاقات في السياسة كما في الاقتصاد، فرحل الأردن عدد كبير من المنشقين والمعارضين السوريين خاصة من جماعة "لإخوان"، والذين رحب بهم في الأردن، خاصة بعد سحق النظام السوري لتمردهم في حماة عام 1982.
العلاقة بعد الأزمة السورية 2011
عمل الأردن منذ قيام الثورة السورية في 2011، على الظهور بشكل محايد، بحكم قربه من النظام السوري، لكن ومع سقوط قتلى في محافظة درعا الحدودية مع الأردن، دعا الملك عبدالله الثاني الرئيس بشار الأسد، لتقديم واجب العزاء في الضحايا لكن الأسد لم يستجب وحدثت قطيعة بين البلدين، وذلك وفقا لما صرح به رئيس الوزراء الأردني السابق فايز الطراونة لقناة العربية.
وأضاف الطراونة أن الأردن دعم الجيش الحر في درعا، خوفا على تسرب "المتشددين" إلى الأردن، وليس ضد النظام السوري، لكن دمشق اتهمت عمّان بدعم الإرهاب.
وفي 2014، طردت عمّان السفير السوري لديها بهجت سليمان واعتبرته غير مرغوب فيه، وذلك بسبب إساءاته المتكررة بحق المملكة، وأصدقاءها، وظل التمثيل الدبلوماسي مستمرً لكن على مستوى إداري فقط.
وفي 2016 قررت المملكة إغلاق حدودها بطول 375 ألف كم مع سوريا، بعد تفجير استهدف نقطة للجيش الأردني في 2016 بالقرب من مخيم الرقبان على الحدود، وقتل فيه 7 عسكريين أردنيين، بعد أن كان الأردن قد فتح حدوده منذ بداية الأزمة أمام آلاف السوريين الفارين من النزاع الدامي هناك.
ويرتبط الجانب الأردني بالسوري عن طريق معبرين رئيسيين، "الرثما-الجمرك القديم"، و"جابر-نصيب"، وأدى النزاع المستمر في سوريا لإغلاقهما، بعد سيطرة فصائل المعارضة على مدينة درعا على الحدود مع الأردن.
وتدمر المعبر الأول بالكامل إثر المعارك، وبقي الثاني تحت سيطرة المعارضة حتى استعاده النظام السوري، وفي 2018 أعيد افتتاح معبر جابر-نصيب، لكنه أغلق بعد ذلك على خلفية تفشي إصابات كورونا وتطورات الأوضاع الأمنية في درعا في يوليو الماضي.
في يناير 2019، أعلن الأردن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي في سوريا إلى مستوى قائم بالأعمال بالإنابة، الخطوة الأردنية جاءت في إطار تصاعد التقارب بين سويا والعالم العربي، حيث ظهر هذا التقارب للعلن منذ ديسمبر 2018، بزيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير لدمشق، وإعلان كلا من الإمارات والبحرين عدوة سفاراتهما في دمشق للعمل من جديد.
وأخيرًا شهد البلدان الشقيقان لقاءات وزارية عدة على مستويات رفيعة في كلًا عمّان ودمشق، كما تم فتح الحدود للمسافرين والتجارة، حيث يمثل الأردن وسوريا عمقًا استراتيجيا للآخر، بالإضافة للأزمة الاقتصادية الملحة في البلدين، والتي يحتاج كليهما للعمل عليها معًا.