مفاهيم الوسطية 3 | الفردية والجماعية بين الإسلام والمذاهب العالمية
دائمًا ما يتردد على آذاننا تعبير الوسطية، الدين الوسطي، وسطية الإسلام، والوسطية والاعتدال، لكن تختلف التفسيرات لمعاني الوسطية والاعتدال بين كل فئة وأخرى، لذلك رأينا أن نسأل أحد المختصين في المجال الديني والدعوي، فأجرينا تلك السلسلة القصيرة مع الشيخ «عبد العزيز عبد الحميد إمام» الداعية بالأزهر الشريف وباحث مقارنة الأديان، وعضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، ليجيب عن تساؤلاتنا، ويشرح لنا ذلك التعبير، بشكل بسيط، من كافة جوانبه، شرحًا يمحي به أي التباس.
وسيكون حديثنا اليوم عن الوسطية في التشريع، وهل اختلف الإسلام في تشريعاته عن الأديان والأفكار العالمية، وحدثنا الشيخ عبد العزيز إمام عن المذاهب العالمية في ذلك وعن الفردية والجماعية في الإسلام قائلًا «والإسلام وسط كذلك في تشريعه ونظامه القانوني والاجتماعي، وأبرز ما تتجلى فيه الوسطية هنا: مجال الفردية والجماعية التوازن بين الفردية والجماعية: وفي النظام الإسلامي تلتقي الفردية والجماعية في صورة متزنة رائعة، تتوازن فيها حرية الفرد ومصلحة الجماعة، وتتكافئ فيها الحقوق والواجبات، وتتوزع فيها المغانم والتبعات بالقسطاس المستقيم».
الفرد والمجتمع في الفلسفات والمذاهب العالمية
وتابع قائلًا «لقد تخبطت الفلسفات والمذاهب من قديم، في قضية الفرد والمجتمع والعلاقة بينهما: هل الفرد هو الأصل والمجتمع طارئ مفروض عليه، لأن المجتمع إنما يتكون من الأفراد؟ أم المجتمع هو الأساس والفرد نافلة، لأن الفرد دون المجتمع مادة غفل (خام)، والمجتمع هو الذي يشكلها ويعطيها صورتها، فالمجتمع هو الذي يورث الفرد ثقافته وآدابه وعاداته وغير ذلك؟ من الناس من جنح إلى هذا، ومنهم من مال إلى ذلك، واحتد الخلاف بين الفلاسفة والمشرعين والاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين في هذه القضية، فلم يصلوا إلى نتيجة محتومة».
ويضيف «كان (أرسطو) يؤمن بفردية الإنسان، ويحبذ النظام الذي يقوم على الفردية، وكان أستاذه (أفلاطون) يؤمن بالجماعية ـ الاشتراكية ـ كما يتضح ذلك في كتابه (الجمهورية ) وبهذا لم تستطع الفلسفة الإغريقية ـ أشهر الفلسفات البشرية القديمة ـ أن تحل هذه العقدة، وأن تخرج الناس من هذه الحيرة، كشأن الفلسفة دائما في كل القضايا الكبيرة، تعطي الرأي وضده، ولا يكاد أقطابها يتفقون على حقيقة، حتى قال أحد أساتذتها: الفلسفة لا رأي لها!! وفي فارس ظهر مذهبان متناقضان: أحدهما فردي ويدعو إلى التقشف والزهد، والامتناع عن الزواج، ليعجل الإنسان بفناء العالم، الذي يعج بالشرور والآلام، وهذا هو مذهب “ماني” ويمثل أقصى الفردية. وقام في مقابله مذهب آخر يمثل أقصى (الجماعية) هو مذهب مزدك الذي دعا إلى شيوعية الأموال والنساء، وتبعه كثير من الغوغاء، الذين عاثوا في الأرض فسادا، وضجت منهم البلاد والعباد».