الأحد 22 ديسمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مجد أبي والرجال الذين صنعوا النصر

الثلاثاء 05/أكتوبر/2021 - 06:52 م

ست سنوات قاسية مثقلة بالهموم الوطنية والمعاناة الإنسانية، عاشها جنود مصر على جبهة القتال في الفترة ما بين زلزال هزيمة يونيو 1967 ونصر السادس من أكتوبر 1973.

في تلك السنوات الصعبة كان الجنود والضباط يخوضون في حياتهم الشخصية معركة موازية لتجاوز حالة الهزيمة النفسية واستعادة الثقة في الذات، ومواصلة الحياة والحب والزواج، على أمل الراحة والاستقرار مع الأسرة، وجني ثمار سنوات الصبر بعد النصر والثأر واستعادة الأرض العزيزة المسلوبة.

وتُعد الخطابات الشخصية التي أرسلها الجنود والضباط من جبهة القتال إلى أسرهم وأصدقائهم، وثائق إنسانية وتاريخية، تُلقي الضوء على معاناتهم وحكاياتهم وآمالهم وأحلامهم في تلك السنوات الصعبة.

وهي وثائق تُعطي مادة خام ثرية للمؤرخين والأدباء والشعراء وعلماء الاجتماع لدراسة سنوات الهزيمة والنصر، ومعرفة سمات وطبيعة الرجال الذين رفضوا الهزيمة وصنعوا النصر.

ولهذا كم أتمنى لو استطعنا تجميع تلك الخطابات في صورتها الأصلية، ورقمنتها وأرشفتها، ونشرها وإتاحتها للجمهور العادي وللباحثين، في محاولة لإنعاش الذاكرة الوطنية، واستدعاء تضحيات وشجون هؤلاء الأبطال، وتخليد أسمائهم وحضورهم ودورهم في الوعي الجمعي المصري.

ولأن أبي - أطال الله عمره - كان أحد الأبطال الذين صنعوا مجد الصبر والنصر في تلك السنوات الصعبة، فكم كان سروري كبيرًا عندما وجدت خطابًا أرسله من الجبهة إلى أمي يوم 19-8-1973. أي قبل نحو شهر ونصف من يوم العبور العظيم.

في هذا الخطاب نقف على مشاعر وأحلام هذا المقاتل الشاب المؤمن الواثق في الله، الذي ترك في أسيوط زوجة شابة وثلاثة أطفال في بيت صغير، كان يبني غرفة ويسقفها بالتدريج، ولهذا يسأل في الخطاب عن أخبار عملية البناء والسقف.

وهو يُرسل في خطابه أيضًا سلامًا حارًا لزوجته وأطفاله وأمه وإخوته، ويدعو زوجته لشراء ما تحتاج إليه، وعدم حرمان نفسها والصغار من شيء، وهو على جبهة القتال محروم من كل شيء، وحتى متعة إرسال الخطابات لهم سوف تتوقف في الفترة القادمة لأسباب خارجة عن إرادته كما ذكر في خطابه.

وهذا نص الخطاب، الذي يمثل مجد أبي وموضع فخري، ومجد وموضع فخر كل الذين صبروا وضحوا وقاتلوا، وتجاوزوا الهزيمة، وصنعوا نصر أكتوبر 1973.

«بسم الله الرحمن الرحيم... 
تحياتي وأشواقي وأمنياتي الطيبة. وأتمنى أن تكونوا بخير وفي صحة جيدة.

إني والله في شوق إليكم، وأنكم في ذاكرتي دائمًا.

سلامي إليكم ألف تحية وسلام. وسلامي إلى ولدي أحمد، وأدعو من الله أن يكون بخير وسلام لأنه كان تعبان وأنا مسافر.

أقسم بالله أنا مشغول جدًا عليه، وعليكم، ولكن لن أستطيع أن أرسل خطابات لكم مرة أخرى.

أريد أن أعرف ما تم في موضوع سقف بقية الشقة؟

أنا مشتاق لولدي أشرف جدًا جدًا، ودائمًا في ذاكرتي، وبحلم به.

أنا مشتاق لولدي أحمد جدًا جدًا، ومشتاق لهدوئه، وفرحت به وهو يجري في الشارع ناحيتي في إجازتي السابقة.

مشتاق لبنتي صفاء جدًا، وأرجو تخلّو بالكم عليها.

وأرجو المحافظة على صحتكم كلكم لأنها أهم حاجة عندي.

والله أنا مشتاق إليكم جدًا، وأنتم تعرفون مقدر معزتكم عندي. وأكرر وأقول: لن أستطيع أن أرسل خطابات مرة أخرى لظروف خارج إرادتي. وأدعو الله أن يهب لكم الصحة والسعادة.

سلامي إلى الست الوالدة أمي، لأني مشتاق لدعواتها. وسلامي إلى أخي عبد الرحيم وأولاده، وسلامي إلى أخي جلال وأولاده. وسلامي إلى أخي علي وأولاده، وسلامي إلى أخي أحمد، وأتمنى أن يكون الجميع بخير.

وسلامي إلى عمي محمد السيد، وأدعو له بالصحة والسعادة. وسلامي إلى الست الفاضلة أم عارف، وأتمنى أن تكون بخير. وسلامي إلى الأستاذ عارف، وأدعو أن يوفقه الله.

زوجتي العزيزة، أنا بخير وفي صحة جيدة، ومشتاق لكم، ومشغول عليكم. وأرجو ألا تشغلوا نفسكم، وتتضايقوا بموضوع البعد والفراق لأنه ليس بيدي.

وربنا موجود ويفعل الخير مستقبلًا. وإن شاء الله يأتي اليوم الذي نستقر فيه مع أولادنا، لأني واثق في الله كل الثقة.

أرجو أن تشتروا كل ما تحتاجون إليه، وكل ما تريدون، وتكونوا دائما مبسوطين، ولا تتضايقون من شيء، لأن الله هو اللي بيده كل شيء، وما يريده يكون، ولا يريد إلا الخير.

أنا عندما أكون في إجازة معكم، وأراكم في صحة وسعادة، وهناء، بكون أسعد إنسان. وأكرر وأقول إن شاء الله يأتي اليوم، اللي أكون فيه قريب من أولادي، وأبوس على إيديهم بالليل والنهار. وأقول كانت حياتي كلها بعد وغربة، وربنا حقق أمنيتي ويتم استقرارنا.

وفي النهاية لكم مني تحياتي وأمنياتي الطيبة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته٠ الراسل عبد العال عمر علي جعفر».

في نهاية هذا العرض لنص الخطاب الذي أرسله جندي مصري لزوجته قبل يوم العبور بشهر ونصف، أحب أن أقول: إن هذا الجيل العظيم المؤمن بربه ووطنه، الجيل الذي صبر وتحمل قسوة الحياة على الجبهة لست سنوات، وتجاوز مرارة الهزيمة، وعبر وانتصر، هو الجيل الذي تحدث عنه الرئيس السيسي في خطابه أمام الندوة التثقيفية الـ29 للقوات المسلحة، وقال عنه: "إنه مخدش حاجة مقابل تضحياته وصبره وانتصاره".

وبحسبة بسيطة سوف نعرف أن هذا الجيل العظيم قد رحل معظم رجاله، ومَن طال بهم الأجل لليوم عددهم قليل، وسوف تكون أعمارهم بين السبعين والثمانين.

ولهذا كم أتمنى على رئاسة الجمهورية ووزارة الدفاع، أن يتم في ذكرى احتفالات أكتوبر هذا العام، تكريم كل الأحياء من الضباط والجنود الذين شاركوا في حرب أكتوبر، وبتنظيم ورعاية هيئة الشئون المعنوية للقوات المسلحة.

وأن يتم هذا التكريم بشكل مركزي في القاهرة، أو في نطاق كل محافظة؛ لأن هذا تكريم سيحمل رسالة واضحة للجميع، مؤداها: أن هذا الجيل الذي صنع نصر أكتوبر، سيحتل للأبد مكانة عظيمة في قلوب وعقول وذاكرة المصريين، وأن مصر وشعبها ومؤسسات الدولة، لن ينسوا أبدًا صبر وتضحيات وبطولات رجاله.

تابع مواقعنا