مسافر بين قضبان المدينة.. قصيدة للشاعر سيد عبد الرازق
الشاعر سيد عبد الرازق من مواليد محافظة أسيوط، صدر له العديد من الأعمال الشعرية، وحصد العديد من الجوائز، منها جائزة الفيصل في الشعر، وهو يعمل طبيبًا بيطريًا في الأساس، وهذه قصيدة له بعنوان مسافر بين قضبان المدينة.
قصيدة مسافر بين قضبان المدينة
قالوا له كنْ شاعرًا
وارْحل بعيدًا
كي تمارسَ شهوةَ الشعراءِ
في أن ينضجوا في الغربةِ الحمقاءِ
والقلبِ الشريدْ
كنْ شاعرًا
واتْرك هنا طَمْيَ الطفولةِ
وانزع التابوتَ عنْ ذاتٍ مشاكسةٍ
تعاند سلطة الأيامِ
تسعى للتحرر والخُلُودْ
كنْ شاعرًا
فحملتُ أقلام انتشائي
حبريَ الرُّوحي
بعضَ رسائلِ السِّفْرِ الوليدْ
وكتبتُ أنَّ الشعرَ أولُ نطفةٍ
أذنتْ بميلادِ الحياةِ
وأنبتت سحرَ الجنُوبيَّاتِ
في الزمن البعيدْ
الشعر رحلةُ باحثٍ
عما تخبِّئُهُ المدينةُ خلف أضواءِ النيونِ
وثورةِ البنتِ التي تركتْ لِبَاسَ الأقدمينَ
لترتدي اللاشيءَ
تضفي نكهةً
يخشى تذوُّقَهَا الجنوبيونَ مثلي
فالجنوبيُّ ابتداءً ليس يجتازُ الحدودْ
ربما تُبدي ملامحُهُ العتيقةُ
أنَّه نَحْتُ الفراعينِ القدامى
سطَّرتْ آياتِه الأيامُ فوق معابدِ العهدِ التليدْ
ربَّما يخشى عيونَ البنتِ
يُخفي ألفَ نهرٍ من حنينٍ
لايبوحُ سوى على ورقِ القصيدةِ
هاتكًا سترَ الخيالِ
مُرَسِّخًا بالشعر إنشادَ النهودْ
ربَّما يمضي سنينًا يشربُ الدُّخَّانَ
- مختبِئًا -
وينظر لابنةِ الجيرانِ من خلف الستائرِ
يُجهد الأوراقَ إثباتًا ومَحْوًا
لو يقررُ أن يراسلَ قلبها عبر البريدْ
والجنوبيُّون مثل توائمِ التاريخِ
نبتاتٌ
تهدهدهنَّ جداتٌ من العصر ِالقديمِ
مدجَّجَاتٌ
بالتقاليدِ التي نسيت قداسَتَها المدينةُ
كي تغادرَ غرفة الإنعاشِ
تفتح صدرَها للرِّيحِ
والزمنِ الجديدْ
والمدينةُ لا تبالي
ليس يكسِرُ قلبَهَا هجرُ المسافرِ
لا تَئِنُّ لفقدِهِ
فَلَطالما وَجدتْ علَى بابِ الملاجئِ ألفَ مسفوحٍ
ومنبوذٍ طريدْ
في المدينةِ ليس ثمَّة حاجة
للدوحِ
للأزهارِ
للنايِ الحزينِ
فكلُّ شيء رهنُ أجهزةِ التحكُّمِ
والخيالُ مقيَّدٌ
والناسُ آليونَ مثل عقاربِ الساعاتِ
أصنامٌ مكسَّرَةٌ
وإحساسٌ جليدْ
الناس في هذي المدينةِ
مثقلونَ بكلِّ ألوانِ التعاسةِ
كلُّ شيءٍ زائفٌ حتى الورودْ
لا شيءَ في هذي المدينةِ
فاتركوا قلبي بعيدًا
أخرجوني من تفاعيلِ القصيدة
وارحمُوا صوتَ العنادلِ
لا مكان لها هنالك
فاكسرُوا عنها القيودْ