وثائق إسرائيلية تنشر لأول مرة: أشرف مروان قدم لإسرائيل اقتراحًا لإجهاض حرب أكتوبر.. و25 معلومة حول الخطة | الحلقة الثانية
أزاح الأرشيف الرسمي في إسرائيل الستار عن وثائق سرية يتم الكشف عنها للمرة الأولى حول كواليس ما قبل حرب أكتوبر ومجرياتها وتطوراتها على جبهات القتال المختلفة بين المصرية والسورية.
وتكشف الوثائق التي أفرجت عنها إسرائيل وتتبنى وجهة نظرها للمرة الأولى عن كيفية إدارة الحرب من قبل قادة إسرائيل، من خلال 14 نسخة من اجتماعات الحكومة في وقت الحرب، و21 استشارة سياسية أمنية قدمت لحكومة الحرب التي عقدها رئيس الوزراء، و26 تدوينًا مكتوبًا بخط اليد من قبل إيلي مزراحي، رئيس مكتب رئيس الوزراء، تم نسخها وطباعتها بعد عام.
الوثائق التي أفرجت عنها إسرائيل تعكس تصرفات صانعي القرار المدنيين في الأربعة مراكز الرئيسية التي تتركز فيها السلطة في إسرائيل؛ وهي: رئيس الوزراء والمكاتب التابعة له، ومجلس الوزراء الحربي غير الرسمي، والجلسة العامة للحكومة وممثلي إسرائيل في الخارج، وخاصة السفارة في واشنطن، والبعثة في الأمم المتحدة ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، التي كانت تتلقى تقارير شبه يومية طوال فترة الحرب بعد النكسة.
نهاية حالة تأهب
ففي شهر أغسطس من عام 1973م، قررت الحكومة الإسرائيلية إنهاء حالة التأهب التي كان عليها الجيش الإسرائيلي منذ شهر مايو بِناءً على تقارير أفادت أن مصر وسوريا تستعدان لشن حرب واسعة النطاق، لكن تقديرات المخابرات العسكرية الإسرائيلية بأن الرئيس السادات لن يبدأ حربًا كانت صحيحة؛ وهو أمر سيتضح فيما بعد أنه كان له تأثير كبير على موقف صناع القرار في إسرائيل من التقارير حول احتمال اندلاع حرب لاحقًا قبل أيام من 6 أكتوبر.
وفي نهاية شهر سبتمبر 1973م، كان هناك تزايد في تدفق التقارير الاستخباراتية حول استمرار تعزيز الانتشار السوري في هضبة الجولان، والتحرك المكثف لقوات الجيش المصري في منطقة قناة السويس.
أجرت إسرائيل مشاورات وتقييمات للأوضاع حول نوايا المصريين والسوريين، وتقرير فرع المخابرات بالجيش الإسرائيلي كان مطمئنًا وأنه لا توجد معلومات تشير إلى هجوم مصري سوري مشترك في المستقبل القريب، واستند هذا إلى الافتراض -الذي عُرِف لاحقًا باسم "المفهوم"- بأن مصر ستخوض الحرب فقط عندما يتم استيفاء عدة شروط تضمن لها النصر، ولم تظهر هذه الشروط بعد، ولن تهاجم سوريا دون مصر.
تدريبات روتينية
واعتبرت المخابرات العسكرية تحركات الجيش المصري بمثابة تدريبات روتينية تجري كل خريف، واعتبر تعزيز الانتشار السوري خطوات دفاعية ضد هجوم إسرائيلي، ومع ذلك تقرر إرسال بعض التعزيزات لقوات الجيش الإسرائيلي في هضبة الجولان.
وفي 2 أكتوبر عام 1973م، عادت جولدا مائير إلى إسرائيل بعد جولة مباحثات أوروبية لتواصل أجهزة المخابرات في إسرائيل تلقي تقارير عن تعزيزات للسوريين في هضبة الجولان، ورفع حالة التأهب في الجيش المصري على طول قناة السويس، لكن كل الدلائل التي تشير إلى احتمال الحرب قوبلت بالرفض المتكرر من قبل رؤساء فرع المخابرات.
ولكن فيما بعد عقدت مشاورات عسكرية سياسية، بمشاركة رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، والوزيران ألون وغاليلي، ومدير مكتب المبعوث الخاص إيلعازر، وكبار ضباط مجتمع الاستخبارات، ولكن دون رئيس المخابرات إيلي زعيرا.
افتتح موشى ديان الاجتماع واقترح مناقشة الوضع على الحدود وتقارير المخابرات حول النوايا المصرية والسورية، وحالة استعداد الجيش الإسرائيلي. وقال ديان: إنه في القطاع المصري عائق طبيعي خلفه صحراء شاسعة، ولا توجد مستوطنات إسرائيلية قريبة؛ وبالتالي "إذا كانت هناك حرب، فستكون هناك حرب ليست مقلقة".
وعرض أرييه شاليف، رئيس قسم الأبحاث في فرع المخابرات، وجهة نظر المخابرات العسكرية، واستعرض التقارير المقلقة التي أشارت إلى هجوم وشيك، لكنه أكد أنها جاءت من عدد محدود فقط من المصادر، على الرغم من أن قوات الجيش السوري في منطقة هضبة الجولان كانت في تشكيل طوارئ، إلا أنها كانت في انتشار دفاعي نتج عن الخوف من هجوم إسرائيلي. ومع ذلك، كانت هناك سمات غير عادية في هذا الانتشار قد تشير أيضًا إلى إمكانية الاستعداد لهجوم.
وتابع شاليف أن الجيش المصري كان في وسط مناورة مكثفة يبدو أنها تحاكي غزو سيناء، وأفاد بأن الجيش الإسرائيلي كان في حالة تأهب قصوى، لكنه أضاف أن "هناك تقارير مؤكدة أن هذا تدريب".
ولخص شاليف الوضع قائلًا: "لا يبدو لي احتمال اندلاع حرب مشتركة بين مصر وسوريا"؛ لأنه لم يطرأ أي تغيير على تقدير المصريين بأنهم لم يكونوا مستعدين للحرب بعد.
ووافق، إليعازر، قائد القوات الخاصة، على الملخص، لكنه أوضح أن الجيش السوري قد يتحول فجأة إلى موقع هجوم من انتشاره الدفاعي.
اطمئنان في إسرائيل
المشاورات جميعها كانت مطمئنة ولا تشير إلى وجود حرب في القريب، واستمرت الحكومة الإسرائيلية في روتينها المعتاد الذي تضمن اجتماعًا حكوميًّا في 3 أكتوبر؛ حيث لم يُذكر الوضع الأمني على الإطلاق؛ لكن المفاجاة جاءت في 5 أكتوبر لإسرائيل - وفقًا للوثائق - حيث تم إجلاء كبير لعائلات المستشارين السوفييت في مصر وسوريا، بمساعدة أسطول من الطائرات أرسله الاتحاد السوفيتي أثناء الليل؛ نتيجة لذلك تم أُعلنت حالة تأهب عامة من الدرجة الأولى في القوات النظامية بجيش الدفاع الإسرائيلي، لكن دون استدعاء الاحتياط.
بعد تلك التقارير؛ عقدت جولدا مائير اجتماعًا عاجلًا مع وزير الدفاع ورئيس مكتب الأركان العامة ورئيس فرع المخابرات، ووصف القادة التقارير حول الإخلاء والأسباب المحتملة بأنها ليست استعدادات للهجوم، وأن تأهب مصر وسوريا كان دفاعيًّا.
أشرف مروان يظهر في الوثائق
وفي هذا الوقت، تسافي زامير، رئيس الموساد، سافر إلى الخارج لعقد اجتماع مهم مع مصدر لم يكن في الواقع سوى أشرف مروان، وهو الظهور الأول لمروان خلال الوثائق التي ينشرها “القاهرة 24”.
لكن الحكومة الإسرائيلية لم تنتظر معلومات زامير؛ حيث تقرر إرسال رسالة عبر الأمريكيين والسوفييت توضح لسوريا ومصر أن إسرائيل لا تخطط لشن هجوم.
المعلومات التي قدمها أشرف مروان لإسرائيل جاءت في الوثائق تحت عنوان "البرقية المصيرية من رئيس الموساد تسفي زامير"، وكشفت عن حجم معلومات ضخم قدمها أشرف مروان لإسرائيل ساعدتها على أخذ الحذر لمواجهة الهجوم المصري.
المعلومات التي زعمت إسرائيل أنها حصلت عليها من أشرف مروان جاءت على النحو التالي: وفقًا لبرقية إأرسلها رئيس الموساد إلى السكرتير العسكري لجولدا مائير:
1- الجيش المصري والجيش السوري على وشك شن هجوم على إسرائيل يوم السبت 6 أكتوبر، في المساء.
2- يبدأ الهجوم في وقت واحد على جبهتي السويس والجولان.
3- خلال الأسبوع الماضي، نُقلت فرقتان من منطقة القاهرة إلى الجبهة؛ وبذلك يتمركز كل الجيش المصري تقريبًا في منطقة القناة، ويوجد في منطقة القاهرة لواء مدرع واحد ولواء من الحرس الجمهوري وأربعة ألوية مشاة، ومعظم القوات المدرعة والمدفعية في المقدمة.
قرار بدء الحرب
4- في 25 سبتمبر، اتخذ الرئيس السادات قرار بدء الحرب في 6 أكتوبر، لكنه لم يخبر أحدًا بالموعد. وبحسب مروان، فقد تم اختيار هذا التاريخ لأنه "عطلة" في إسرائيل، كما عقد السادات اجتماعًا مع القادة العسكريين وأبلغهم بقراره بخرق وقف إطلاق النار؛ لأن هذا هو الوقت الأنسب له سياسيًّا، وفي 2 أكتوبر أبلغ السادات المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية بالموعد، وأمره بدعوة وإبلاغ ممثلي هيئة الأركان العامة السورية. وفي اليوم نفسه، التقى أحمد إسماعيل في القاهرة بالضباط السوريين الذين وصلوا من دمشق، وتوجه إلى دمشق في اليوم التالي لمواصلة المناقشات والترتيبات.
5- انتقل السادات إلى قصر الطاهرة حيث أسس مقره، وأمر مساعديه بالانتقال إلى "مكاتب الطوارئ".
6- سيبدأ الهجوم المصري بقصف مدفعي وهجوم جوي على أهداف في سيناء، وبعد ذلك سيتم عبور القناة وبناء 5 أو 6 جسور، وسيتم استخدام 3 منها للعبور المقابل لخط الممرات، وسيتم استخدام الجسور الأخرى كتحويلات، وقد تم مؤخرًا نقل أجزاء من الجسور على 150 شاحنة، وستُبذل جهود للاستيلاء على منطقة على عمق نحو 10 كيلومترات، كما ستشارك طائرات “ميراج” و"هنتر" في المعارك بسيناء، وسيتم قصف شرم الشيخ بواسطة قاذفات في محاولة لتدمير بعض الأهداف الحيوية هناك، وبعد ذلك سيتم نشر وحدات “الكوماندوز” لمحاولة احتلال المكان، وسيتم نشر وحدات “الكوماندوز” لمحاولة احتلال تلك الأهداف بعد تدميرها.
7- الجيش السوري - المتمركز بالكامل تقريبًا على خط المواجهة - سيهاجم مع المصريين في الوقت نفسه، وسوف يحاول احتلال الجولان أو جزء منها، وسيهاجم سلاح الجو السوري 3 قواعد جوية، إحداها ستكون رامات دافيد. وستهاجم 30 طائرة مقاتلة من طراز سوخوي و20 مقاتلة سورية وميج 21 لضرب مدارج الطائرات في إسرائيل.
8- التنسيق بين الجيشين السوري والمصري سيتم بواسطة عدد من الضباط المصريين المرتبطين بهيئة الأركان العامة السورية، كما سيقدمون تقارير عن بداية الهجوم السوري.
9- وفقًا للخطة، كان من المقرر أن تغادر بعض السفن البحرية المصرية الموانئ المصرية وتتجه إلى طبرق قبل 36 ساعة من بدء الهجوم، وتم تنفيذ ذلك ووصلت بالفعل عدة مدمرات مصرية وسفن أخرى إلى طبرق.
10- تم تحويل خط السير لطائرات الخطوط الجوية المصرية المتجهة من القاهرة إلى ليبيا.
11- الإشراف على نقل خط سير الطائرات قام به أشرف مروان بنفسه.
12- القيادة في مصر فوجئت بعدم استجابة إسرائيل للاستعدادات المصرية للحرب.
13- لم تُشغل الصواريخ الأرضية الجديدة متوسطة المدى بعد، ولن يتم استخدامها في أي هجوم.
14- أُرسل 12 طيارًا مؤخرًا إلى الاتحاد السوفيتي للحصول على دورة تدريبية على طائرة MiG 23، وهم الآن يتدربون عليها ولن يتم إعادتهم إلى مصر قبل الحرب.
15- السفير السوفيتي ذهب إلى محمد حسنين هيكل الكاتب الصحفي؛ لمحاولة معرفة ما سيحدث، وأخبر هيكلُ السادات بهذا الأمر، ودعا السادات السفير السوفيتي وأخبره بنواياه دون تحديد موعد.
16- لا توجد آمال في مصر في أي إنجاز من الاتصالات السياسية.
17- لا توجد نية لتوسيع نطاق هجمات القوات الجوية المصرية خارج سيناء.
18- السادات سيهاجم تل أبيب في حال هاجمت العمق المصري.
الاستيلاء على السويس
19- مصر لديها معلومات حول نية إسرائيل الاستيلاء على بورسعيد، وهبوط وحدات “الكوماندوز” في الجبل الأحمر بالقاهرة، والاستيلاء على مقرات القوات الجوية والدفاعات الجوية، ونشر وحدات “كوماندوز” في البحر الأحمر حال قيام حرب.
20- لا توجد نية لإنزال قوات من البحر، ولا نية لنقل وحدات عسكرية مصرية إلى سوريا.
21- معدات الحرب الإلكترونية الحديثة لم تصل إلى مصر في الآونة الأخيرة.
22- لن يشارك الأردنيون في الحرب.
23- علم الليبيون بالحرب قبل يومين فقط.
24- القوات الجوية المصرية لديها نحو 100 طائرة هليكوبتر قابلة للاستخدام من مختلف الأنواع.
25- يمكن إحباط بدء الحرب بنشر أخبار في الإذاعة والصحافة تثبت للمصريين - بمن فيهم القيادة العسكرية - أن الإسرائيليين على دراية بالخطة ومستعدون لها.