8 أعوام على هروب “بن علي”.. هل مازالت الإجابة تونس؟!
ثمانية أعوام بالتمام والكمال مرَّت على الحدث الأكبر، وبداية الطريق الجديد، بدأت بإشعال شاب النار في جسده، وانتهت -فورتها- برئيس هارب على متن طائرة. التاريخ ١٤ يناير ٢٠١١، “بن علي هرب”.. وقف رجل تونسي يهتف بشارع الحبيب بورقيبة أمام مبنى وزارة الداخلية: “الشعب التونسي ميموتش.. الشعب التونسي حرّ” . كلمات عبرت الحدود ونفذت إلى القلوب قبل العقول، وغيرت وجه المنطقة.
أعوام مرت، حملت بين طياتها السلام والنار، توجت بشبه توافق اجتماعي، تكلل بجائزة نوبل في السلام، وصولا لانتخابات حرة جمعت الكل تحت نفس القبب، وعلى نفس المقاعد. ولكن، الآن، يبدو أن لعبة السياسة عاودت أدراجها من جديد.
الوضع السياسي في تونس، يوحي حاليًا بأن هناك انغلاق في المجال العام، أو انتقال لمرحلة أخرى، ربما أحد الإرهاصات المكملة لثورة الـ17 من ديسمبر 2010، والسبب الخلافات بين لاعبي السياسة، كما تشكلت تكتلات أخرى من رحم تلك المشكلات، حتى وصل الأمر لحد اعتبار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أن حركة النهضة التونسية “تهدده” بعدما استقبل في القصر الرئاسي محامين من أعضاء هيئة الدفاع عن الناشطين اليساريين المغتالين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والذين يتهمون “النهضة” بالضلوع في اغتيالهم، معلنا انتهاء الوفاق فيما بينهم.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد دخل رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في خلاف آخر مع حافظ السبسي، نجل الرئيس التونسي، معتبرًا أنَّه دمر حزب نداء تونس، وأن ما يقوم به “عبث”، وهذا الخلاف فتح الباب لحزب “النهضة” التونسي لكي يعلن تخليه عن مطالبته “الشاهد” بالالتزام بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة في ديسمبر عام 2019، ومع ذلك أعلن رئيس الحكومة التونسية أنه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية، إلا أنَّ السياسة لا تعرف الثوابت.
وللوقوف على ما يحدث في تونس، ومحاولة توضيح مسار الأحداث منذ التفاهم وحتى المشهد الحالي المحتدم، تم التواصل مع عدد من أطراف العملية السياسية التونسية للتوضيح:
– الباحثة حذامي المحجوب: النهضة مختلفة تمامًا من ناحية تجربتها السياسية عن إخوان مصر
واعتبرت حذامي المحجوب، أستاذة الفلسفة، والباحثة في الشأن السياسي التونسي، أن حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحاكم اليوم في تونس، مختلفة تمامًا من ناحية تجربتها السياسية عن تجربة الإخوان المسلمين في مصر؛ لأن حركة “النهضة” التونسية، بالرغم من أنها حزب إسلامي، فقد تحالفت منذ 22 نوفمبر 2011، مع أحزاب علمانية وكونت “ترويكا”، وهي ائتلاف حاكم رئاسيا وحكوميا وبرلمانيا، مكون من 3 أحزاب ذات أغلبية ممثلة في المجلس الوطني التأسيسي التونسي لتكوين أغلبية مستقرة في الحكم (حركة النهضة، التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية).
وتابعت “محجوب” أن هناك خصوصية تونسية أدركتها حركة النهضة في هذه الفترة العسيرة من الحكم ومن الانتقال الديمقراطي، مما جعلها تتخطى الكثير من المصاعب وتتجاوز العديد من الأزمات لتصل إلى حوار وطني مع بقية الأحزاب ومع النخبة السياسية التي نقدت سياستها بكل شراسة ونادت بتنحيها عن الحكم خاصة على إثر الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد، لكن حركة “النهضة” لم تتشبث بالحكم واستمعت إلى نبض الشارع وعدلت في مواقفها وتنحت عن الحكم باستقالة حكومتها آنذاك، التي تناوب عليها كل من حمادي الجبالي ومن بعده علي العريض في يناير 2014، وتم الاتفاق بين مختلف الفرقاء السياسيين على تشكيل حكومة تكنوقراط “كفاءات” تقود البلاد نحو الانتخابات، واعتبرت أن قرار تحالف حركة النهضة مع حركة نداء تونس كان خيارًا استراتيجيًا بالنسبة لحركة النهضة، باعتباره متزامن مع فقدان شعبيتها وفشل مشروع الإسلام السياسي إقليميا، ورغم أن هذا التحالف بدأ يضعف منذ يناير 2018، إلا أن عواقبه كبيرة، فقد جعل الشعب ينفر من السياسة ويفقد الثقة في من انتخبه، القاعدة الانتخابية الندائية تندد بالتحالف مع الإخوان وتدخل في موجة من الاستقالات مما أدى إلى تفكك الحزب وتصدعه، رغم أنه الحزب الفائز في الانتخابات الأخيرة، كما أن عددا كبيرا من الذين انتخبوا حركة النهضة على أساس ديني عقائدي انتقدوا انخراطها في مشروع حداثي مدني بتحالفها مع حركة نداء تونس.
– النائب عجمي الوريمي: النهضة تأثرت بالإخوان ولكن لها أدبيات منفصلة
فيما قال النائب في البرلمان التونسي عن حزب “النهضة” عجمي الوريمي، إن الحزبين لم يعودا في علاقة توافق سياسي، رغم أننا نعتبر في حركة النهضة أن التوافق سياسة عليا وقد حرصنا على العمل المشترك في الحكومة التي يشارك فيها حزبانا منذ أول حكومة تشكلت بعد انتخابات أكتوبر ٢٠١٤ التي فاز فيها نداء تونس بالمرتبة الأولى بفارق ضئيل عن حركة النهضة، معتبرًا أن السبب في نهاية التوافق يعود لعاملين أساسيين على الأقل، وهم: هزيمة النداء في الانتخابات الجزئية عن دائرة ألمانيا أمام مرشح مستقل، واحتلال النداء المرتبة الثالثة في الانتخابات البلدية التي جرت في مايو ٢٠١٨، وأيضًا بسبب الخلاف مع النداء حول تغيير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي تحول النداء من دعمه إلى معارضته كجزء من ترتيبات الاستحقاق الانتخابي التشريعي والرئاسي القادم المنتظر إنجازه قبل نهاية العام ٢٠١٩.
وأوضح “الوريمي” أن أي توافق جديد مع النداء أو مع غيره، ينبغي أن يكون قائمًا على أسس وقواعد واضحة، مضيفًا: نحن اليوم في توافق مع كتلة الائتلاف الوطني الداعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، إلى جانب حزبي المسار والمشروع المشاركين في الحكومة مع وزراء النهضة ووزراء النداء الذين لم يستقيلوا من الحكومة رغم دعوة حزبهم لذلك، واليوم لم نعد في توافق مع حزب النداء لأنه صار معارضا للسيد يوسف الشاهد وحكومته.
– ليلى العياري عضو ديوان سياسي الحزب الاشتراكي الدستوري: النهضة لن تلقى مصير الإخوان في مصر بقرار حكومي أو رئاسي وإنما بتحرك شعبي كبير منتظر
وتعتقد ليلى العياري، رئيسة الهيئة العليا للمرأة الدستورية، وعضو ديوان سياسي الحزب الاشتراكي الدستوري، أن الوضع السياسي التونسي وصل لحالة الانغلاق الحالي؛ لأنه لا يوجد إرادة سياسية ورؤية واضحة للخروج من الأزمة، فهناك ضعف ووهن في الإرادة السياسية، وتشير لأن حركة النهضة لها تأثيير كبير في السياسة التونسية، بسبب تغلغلها في جميع مفاصل الدولة، وما ساعد في ذلك الخلافات بين رئيس الحكومة ورئيس الدولة، مما أضعف الحزب الحاكم سابقا، لصالح “النهضة” التي اغتنمت فترة تحالفها مع نداء تونس لتمرر ما تريد تحت غطاء النداء، معتبرة أن هذا ما يسمى بالدهاء السياسي الذي يتحلى به المرشد “راشد الغنوشي”.
وترى، وعضو ديوان سياسي الحزب الاشتراكي الدستوري، أن مصير النهضة، يعود لإرادة الشعب، ولكن على كل حال لن تلقى مصير الإخوان في مصر بقرار حكومي أو رئاسي، وإنما بتحرك شعبي كبير، معقبة “الذي ننتظره”، خصوصا بعد تعريتهم وتعرية جهازهم السري الذي يمثل أكبر خطر على الأمن القومي التونسي، وأضافت أنه إذا استمر الشعب التونسي في اللامبالاة، فلينتظر سقوط الدولة المدنية التونسية.
– النائبة ابتسام جبابلي: نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس مرتبط بنجاح التعددية
وكان رأي ابتسام جبابلي، النائبة في البرلمان التونسي، عضو كتلة نداء تونس سابقا، رئيس مجموعة “برلمانيون من أجل حقوق الإنسان”، أن نجاح الانتقال الديموقراطي في تونس مرتبط مباشرة بإنجاح تجربة التعددية الحزبية وحرية الرأي والتعبير وقبول الاختلاف وتكريس منظومة الحقوق والحريات العامة، مشيرة إلى أن هذه الأهداف الأساسية يجب حمايتها والحفاظ عليها، فهي “مكتسبات الثورة التونسية” على حد وصفها.
وأضافت “جبابلي” أن تقييم التجربة التونسية لا يمكن أن يتم من وجهة نظر ضيقة أو تستهدف مباشرة جهة سياسية دون أخرى، معتبرة أن التجربة التونسية منارة للديمقراطيات العربية الناشئة لا تختصر في حزب أو حزبين، رغم وعينا الكبير بأن الحوار هو أمثل السياسات وأنجعها، مشيرة إلى أن تونس دولة مدنية تؤمن وتدافع عن الحقوق والحريات خاصة حقوق المرأة، وهذا منذ السنوات الأولى للاستقلال.
– المحلل منار سكندراني: تونس اختارت الصيغة التشاركية في الحكم
فيما رأى منار سكندراني، المحلل السياسي التونسي، مستشار وزير الخارجية سابقًا، أن تونس اختارت الصيغة التشاركية في الحكم، واحتاجت بعد 14 يناير 2011 إلى محاولات عدة لتثبيت الحكم التشاركي نحو إرساء الديمقراطية بشكل تونسي خاص، وظهر في تونس في 2014 حزبان قويان، وهم النداء والنهضة ولعدم تحصّل أحدهما عن الأغلبية المطلقة أو القريبة من المطلقة، فقد أصبح التحالف بينهما واجبا فرضته الانتخابات، ثم بدأ الصراع حول من يمتلك النداء، وبدأت أول انقسامات فيه، موضحًا أنه بعد إسقاط حكومة الحبيب الصيد في 2016، لخلاف داخل النداء جاءت حكومة الشاهد والتي لم تركع لمطالب النداء تواصل الصراع، فأصبح علنيا بين المدير التنفيذي حافظ نجل رئيس الدولة، ورئيس الحكومة الشاهد، الذي اختاره رئيس الدولة نفسه، صراع تطور إلى صراع بين القصبة (قصر الحكومة في ساحة القصبة) وقرطاج (القصر الرئاسي) وأضعف النداء وازداد انشقاقا وتكونت كتلة الائتلاف الوطني من صلب النداء، والتحق بها كتلة مشروع تونس، وحافظت النهضة على عدد كتلتها، مما جعلها واقعا الكتلة الأولى، أضف إلى ذلك أن خسارة النداء في الانتخابات البلدية أرجأها إلى تحالفه مع النهضة، مما أغضب قيادات النهضة، كل هذا أدى إلى صراع ثلاثي الأبعاد انتهى بتآكل النداء واستقواء كتلة الائتلاف وترجم ذلك إلى تحالف غير معلن مع النهضة.
– المدون بسام دخيل: هناك مؤشرات بانتهاج خط سياسي جديد يكافح الأفكار الرجعية
وبدوره، أشار المدون المعارض، المقيم في فرنسا، بسام دخيل، أن ما يشهده الوضع السياسي في تونس الآن هو حالة انغلاق خاصة على حركة النهضة؛ فهناك مؤشرات بانتهاج خط سياسي جديد في تونس يكافح الأفكار الرجعية والظلامية مثل تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال القمة الفرنكوفونية، بخصوص شجاعة الباجي قائد السبسي، وقد تكون حركة النهضة اليوم في موقف صعب نتيجة ذلك، ونتيجة أيضا لتقدم التحقيق في مقتل الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي؛ فقضية الشهيدين وضعت النهضة في قفص الاتهام وأفقدتها كل مصداقية تماما مثل ما فعله النزاع القائم بين حافظ قائد السبسي الوريث اللاشرعي لرئاسة تونس ويوسف الشاهد والذي أفقد مصداقية الحكومة الحالية التي لا تستجيب لدعوات الاستقالة وتستميت في القصبة (قصر الحكومة) حتى قضاء كل حاجياتها السياسية المستقبلية ، معتبرا أن السياسة في تونس لا تتوقف عند حركة النهضة وحزب نداء تونس.
هل يختلف حركة النهض عن إخوان مصر
أوضح النائب عن النهضة، عجمي الوريمي، أنها حركة تونسية دخلت عقدها الخامس ومرت بأطوار عديدة تأثرت في مرحلة من مراحلها بأدبيات الإخوان المسلمين مثلما تأثرت بأفكار رواد حركة الإصلاح الديني التونسية والمغاربية والمشرقية وتأثرت بتجارب عديدة تنتسب إلى الإسلام السياسي، إلا أنها تعتبر نفسها حركة متميزة عن غيرها ولها أدبياتها الخاصة ولم تعد عالة على أي مدرسة فكرية قديمة أو حديثة، وتصنف الحركة نفسها ضمن ما يطلق عليه حركات الإسلام الديمقراطي.
ومن جانبها أكدت حذامي المحجوب، المحللة التونسية، أن التوافق الذي انتهجته النهضة في تونس، مكنها من التموضع في الواقع التونسي، فكأن تجربة الحكم التي كانت تجربة عسيرة عليها قد جعلتها تطور خطابها السياسي، فقد أصبحت تؤكد على مسألة التوافق، ولاشك أن هذه الحركة لم تأخذ في حسابها الواقع التونسي فحسب بل كذلك الأوضاع الإقليمية والدولية، مشيرة إلى أن الحركة استفادت مما وقع في مصر مع الإخوان، وتمكنت من تجنب ما وقع لهم من رفض شعبي ونكسة كبرى، بل أكثر من ذلك فقد حاولت أن تتنصل منهم وتتكيف مع الواقع التونسي والواقع الإقليمي والواقع الدولي الجديد، مشيرة إلى أن هذه الوضعية التي وجد الإسلام السياسي فيها نفسه مع فشل تجربة حكم الإخوان في مصر، جعل حركة النهضة تبحث عن “تونسة” نفسها على حسب عبارة البعض من قيادتها.
وأيد منار سكندراني، وجه الاختلاف الكبير بين نهضة تونس وإخوان مصر، معتبرًا أن تونس غير مصر، ولكنه اختلف في اعتبار “النهضة” ليست إخوان لمن يفقه الحركات الإسلامية، فهناك فرق كبير بين التكوين الإخواني المصري وبين تونس حتى في المراجع الفكرية؛ فتونس أخذت من مفكرين مثل مالك بن نبي وخير الدين باشا والإمام محمد الطاهر بن عاشور، والحركة الإسلامية كانت أول حزب في تونس يؤسس وفي أعضاء تأسيسه نسوة سنة ،١٩٨١ وفي ذلك الوقت كانت الإخوان لا تؤمن بدور المرأة ولا بحقها السياسي، موضحًا أن الحركة الإسلامية في تونس وقفت مع اليسار في محن كثيرة، وطالبت بالتشارك والقبول بالصندوق والعمل البرلماني، بينما في مصر جاء متأخرًا، مذكرًا بأن “النهضة” زارت إخوان مصر وطلبت منهم التنازل عن بعض السلطة أو التنازل عن الحكم لكنهم أبوا، لذلك لا يمكن القياس بين الإخوان والنهضة.
واعتبرت حذامي محجوب، أن الإسلام السياسي في تونس إذا أراد أن يبقى في المشهد السياسي، عليه الانفصال الكلي عن الإخوان وما شابههم والولاء الكلي لتونس لا غيرها.
وأخيرا يشير المدون المعارض بسام دخيل، إلى أن “النهضة” لن تلقى نفس مصير إخوان مصر؛ لأن أعضائها مستعدون لمثل هذا المصير، وهم على استعداد للهرب لبريطانيا وقطر وتركيا في أي وقت.