ننشر نص كلمة شيخ الأزهر في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم، كلمة خلال احتفالية المولد النبوي الشريف التي نظمتها وزارة الأوقاف، في قاعة المنارة بالتجمع الخامس، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وفي بداية كلمته وجه الإمام الأكبر التحية للرئيس السيسي، والأمتين العربية والإسلامية، كما أهدى الرئيس نسخة من مصحف الأزهر الشريف.
وقال خلال كلمته بمناسبة الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف: إن احتفالنا بمولد خاتم الأنبياء والمرسلين ليس احتفالًا بعظيم من العظماء، ممن يَتوقف التاريخ عند أدوارهم قليلا أو كثيرا، ثم ما يلبث أن يروح ويتركهم، بل هو احتفال من نوع آخَر مختلف، إنه احتفال بالنبوة والوحي الإلهي وسفارة السماء إلى الأرض، والكمال الإنساني في أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة في أرقى مظاهرها وتجلياتها، إنه احتفال بالتشبه بأخلاق الله تعالى قَدْر ما تطيقه الطبيعة البشرية، وقد تمثل كل ذلك في طبائع الأنبياء والمرسلين، الذين عصمهم الله من الانحراف، وحرس سلوكهم من ضلالات النفس وغوايات الشياطين، وفَطَر ظاهرهم وباطنهم على الحق والخير والرحمة، مضيفا أن محمد بلغ في هذه المعارج المتعالية شأوا بعيدًا، حتى أطلق عليه: الإنسان الكامل من فَرط ما استوعبه استعداده الشريف من سمو في الفضائل، وسموق في الخلق والأدب الرفيع.
وأوضح أن ما يؤكد ذلك ما زخرت به مصنفات الأخلاق والشمائل المحمدية من أوصاف لا يمكن أن تجتمع لإنسان إلا إذا كان من هؤلاء الذين هيأهم الله لهذه الأوصاف، وأعدهم للتحلي بحلاها.
شيخ الأزهر نوه خلال كلمته بأن من هذه الأوصاف الشريفة التي يسردها عنه بعض أصحابه أنه لم يكن غليظ الطبع، ولا فاحشا في قوله وعمله، ولا متفحشا، ولا صخابا يرفع صوته في الطرقات والأسواق، ولم يكن يجزي السيئةَ بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ما ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا ضرب خادما ولا امرأة، وما رؤي منتقما من مظلمة ظلمها قَط، ما لم تنتهك محارم اللهِ تعالى، فإذا انتهكت كان من أشد الناس غضبا.
ولفت إلى أنه كان يبشر المظلومين الذين لا يستطيعون دفع الظلم عن أنفسهم، ويؤكد لهم: «مَا ظُلِمَ عبدٌ مَظلمةً صبَرَ عليْها إلَّا زادَهُ اللهُ عِزًّا»، وما خير هذا النبي الكريم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، وإذا دخل بيته كان بشرا من البشر، فكان يعظم النعمة وإن قَلت لا يذم منها شيئًا، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، وكان يمسك لسانه إلا فيما يعنيه، وكان يكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، يحذر الناس، ويحترس منهم، ويلقاهم من غير أن يطوي على أحد منهم طلاقة وجهه وبشاشته.
النبي ترك نفسه من ثلاث
وأشار إلى أن النبي ترك نفسه من ثلاث: الجدل، والتعالي في معاشرته الناس، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وكان يصبر للغريب على جفائه في كلامه ومسألته.
وأكمل شيخ الأزهر: هذا قليل من كثير مما وصفَه به صحابته وردده من بعدهم المسلمون والمؤمنون به وبرسالته، وعلى الجانب الآخر هناك الكثير أيضا مما قاله عنه عيون المفكرين والعلماء والفلاسفة، والأدباء ومؤرخي الحضارات في الشرق والغرب من غير المسلمين، من أمثال غاندي وراماكريشنا ولامارتين ومونتجمري وات وزويمر وتولستوي ومونتيه وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكرهم، وسرد ما قالوه عنه وعن أخلاقه، وعن شريعته وآمالهم في أن تعود لتصحح مسيرة العالم اليوم، وتنقذ مصيره من هلاك مرتقب ودمار متوقع.
حديث برنارد شو عن النبي
واستشهد شيخ بحديث برنارد شو عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: وأكتفي من بين ما كتبه هؤلاء باقتطاف ما قاله برناردشو الكاتب والناقد الإنجليزي الذائع الصيت الذي تعرفه الدنيا بأسرها، والمتوفى سنة 1950، يقول هذا المفكر العملاق عن رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم: «إن أوروبا الآن بدأت تحس بحكمة محمد صلى الله عليه وسلم وبدأت تَعشَق دِينه، وإن أوروبا سوف تبرئ الإسلام ممّا اتهمته به من أراجيف رجالها ومفكّريها في العصور الوسطى، وسيكون دين محمد صلى الله عليه وسلم هو النظام الذي تؤسس عليه دعائم السلام والسعادة، وتستند على فلسفته في حل المعضلات وفك المشكلات، وحل العقَد، ويضيف: إني أعتقد أن رجلا كمحمد لو تسلم زمام الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم لتم له النجاح في حكمة ولقاد العالم إلى الخير، وحل مشاكله على وجه يحقق للعالم السلام والسعادة المنشودة.
وفي ختام كلمته كرر شيخ الأزهر تهنئته للرئيس السيسي، داعيًا الله له بأنه يوفقه ويحفظه ويحفظ مصر.