الشرق الأوسط الأكثر تحسنًا في مؤشرات الثقة خلال الربعين الثاني والثالث
أظهرت النسخة الأحدث من "استطلاع الظروف الاقتصادية العالمية" الصادر عن جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين (ACCA) ومعهد المحاسبين الإداريين (IMA)، تراجعًا في معدلات النمو الاقتصادي المرتبطة بالتعافي من تداعيات الجائحة خلال الربع الثالث من عام 2021. فقد شهدت مؤشرات الثقة في آسيا والمحيط الهادئ ارتفاعًا حادًا بنسبة 11 نقطة، وفي منطقة جنوب آسيا بمقدار 20 نقطة بعد الانخفاض المسجل في الاستطلاع السابق، وكانت منطقة الشرق الأوسط هي المنطقة الوحيدة التي تسجل تحسنًا في مؤشرات الثقة على مدار ستة أشهر متتالية طوال الربعين الثاني والثالث من عام 2021.
وفي جنوب آسيا، شهدت المنطقة تحسنًا في مؤشرات الثقة خلال الربع الثالث، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من ست سنوات. كما أظهرت المنطقة ارتفاعًا في مؤشرات الطلب مقارنة بالانخفاض الذي سجله الاستطلاع السابق.
وبخلاف ذلك، شهدت مؤشرات الثقة العالمية انخفاضًا بمقدار تسع نقاط في الربع الثالث، وجاء الانخفاض الأكبر في أمريكا الشمالية بمقدار -41 نقطة، تلتها أوروبا الغربية عند -24 نقطة، لكن كلا المنطقتين ما زالتا تتمتعان بمستويات عالية نسبيًا من الثقة، كما هو الحال على الصعيد العالمي.
ويعد تقرير الظروف الاقتصادية العالمية أكبر استطلاع اقتصادي دوري يشارك فيه كبار المحاسبين والمختصين الماليين من جميع أنحاء العالم، ويصدر في كل ربع عن جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين ومعهد المحاسبين الإداريين.
وعلى صعيد الطلبيات التي تمثل مقياسًا مهمًا لحجم النشاط الاقتصادي الفعلي، أظهر التقرير تباينًا بين الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة، حيث انخفض مؤشر الطلبيات في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، مقارنة بارتفاع طفيف في الأسواق الناشئة.
وعلى الرغم من ذلك، تبقى الآفاق الاقتصادية الأوسع في الاقتصادات المتقدمة أكثر إشراقًا مقارنة بالأسواق الناشئة، حيث تواصل معدلات التطعيم المنخفض تأثيرها سلبًا على الانتعاش الاقتصادي. وبمعزل عن إفريقيا، تسجل جميع المناطق الرئيسية في العالم حاليًا مستويات طلب تفوق مستويات ما قبل الجائحة، مما يؤكد على الانتعاش المتواصل في الاقتصاد العالمي.
ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى التي أظهرها الاستطلاع: مؤشري المخاوف اللذان يقيسان مخاوف العملاء والموردين من خسارة أعمالهم، حيث انخفض المؤشران مجددًا خلال الربع الثالث ليعودا إلى معدلاتهما طويلة الأمد بعد ارتفاعهما خلال الربع الثاني من عام 2020.
ومن جهة أخرى، وصلت المخاوف بشأن ارتفاع التكاليف التشغيلية حاليًا إلى أعلى مستوياتها منذ مطلع العام 2019، حيث ارتفعت بمعدل 5 نقاط عالميًا خلال الربع الثالث. ويعود ذلك إلى ارتفاع تكاليف النقل والسلع التي أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وضعف النمو.
وفي هذا السياق، قالت لوريال جايلز، نائب الرئيس لقسم الأبحاث والسياسات في معهد المحاسبين الإداريين: "تشير نتائج استطلاع الظروف الاقتصادية العالمية للربع الثالث إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي مع اقتراب نهاية العام، حيث أظهرت النسخة الأحدث تباينًا واسعًا في تغيرات مؤشرات الثقة بين المناطق. ففي أعقاب النمو القوي الذي شهده النصف الأول من العام، تشير الدلائل إلى اعتدال معدلات النمو مع اقتراب نهاية العام، كما واصلت تداعيات جائحة كوفيد-19 ولا سيما المتحور دلتا، دورها في تقويض معدلات الثقة في بعض الحالات".
من جهته، قال مايكل تايلور، كبير الخبراء الاقتصاديين في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين: "جاء الاعتدال في النمو بمثابة نتيجة متوقعة، إذ كان من غير الممكن استمرار الوتيرة التي شهدناها في مطلع العام لمدة غير محدودة. وتتركز معدلات النمو البطيئة حاليًا في الاقتصادات المتقدمة، حيث يؤدي ضعف التوريد وارتفاع الأسعار إلى تقييد الإنتاج، رغم احتفاظ معدلات الطلب الأساسي بزخمها القوي. ومن جهة، ما زلنا نشهد تفاؤلًا عامًا بانتعاش الاقتصاد العالمي إجمالًا".
وأضاف: "يتوقع للمخاوف بشأن التكاليف التشغيلية الإضافية للشركات ألا تستمر طويلًا، حيث تسهم آليات التسعير في تعزيز حجم التوريد وتقليص معدلات الطلب، لكن هذه التأثيرات تؤدي حاليًا إلى اعتدال معدلات النمو العالمية ووصولها إلى وتيرة مستقرة بعد التسارع الذي شهدته سابقًا. وعلى الرغم من ذلك، ينبغي للنمو الحالي أن يكون كافيًا لتمكين الاقتصادات من استعادة نشاطها إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول نهاية العام".
واختتمت لوريال: "تحتفظ معدلات الطلب الأساسي بقوتها رغم تباطؤ النمو الاقتصادي في العديد من المناطق والتوقعات بتراجع معدلات الثقة العالمية لا سيما في الأسواق المتقدمة نظرًا لانتشار المتحور دلتا. لكن الفرصة ما زالت متاحة لتعزيز مؤشرات الثقة العالمية إلى مستويات لافتة في ضوء ارتفاع معدلات التطعيم والتصدي لنقص التوريد وارتفاع الأسعار في الاقتصادات المتقدمة".
الشرق الأوسط
سجلت مؤشرات الثقة في منطقة الشرق الأوسط مزيدًا من الارتفاع خلال الربع الثالث نتيجة مساهمة التعافي العالمي المتواصل في دعم أسعار النفط. وقد سجل مؤشر الطلبيات أعلى مستويات الزيادة في جميع المناطق التي شملها الاستطلاع، ليفوق المستويات المسجلة ما قبل الجائحة في الربع الأخير من عام 2019. وتضم منطقة الشرق الأوسط عددًا من الدول التي حققت معدلات تطعيم مرتفعة، أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تزيد نسبة المطعمين عن 90٪ من إجمالي التعداد السكاني، الأمر الذي يشكل داعمًا رئيسيًا لتواصل الانتعاش الاقتصادي إلى جانب التحسن في عائدات النفط.
الأسواق الناشئة
تتسم التوقعات للأسواق الناشئة بالضعف مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، حيث تبقى معدلات التطعيم المنخفضة بمثابة عائق بارز أمام معظم اقتصادات الأسواق الناشئة، خاصة في ضوء ارتفاع معدلات الإصابة بمتحور دلتا شديد العدوى، كما أن الأداء النسبي لمختلف اقتصادات الأسواق الناشئة ما زال ثابتًا إلى حد ما خلال العام الجاري. وقد استفاد مصدرو السلع من تعافي معدلات الطلب العالمي والأسعار، في حين واجهت الدول التي تعتمد بشكل كبير على الزوار من الخارج عقبات كبيرة بسبب استمرار قيود السفر. وإلى جانب ذلك، تواجه الأسواق الناشئة تحديات إضافية من حيث الديون في ضوء استمرارية العجز في الميزانيات والارتفاع المتواصل في الديون الخارجية. ورغم إمكانية إدارة تكاليف خدمة الدين على المدى المتوسط، إلا أنها عرضة لارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. أما على المدى القصير، يفتقر العديد من الأسواق الناشئة إلى القدرة المالية لدعم الأعمال والعائلات خلال موجات أخرى من الجائحة.
ضعف التوريد عائق أمام الاقتصاد العالمي
في أعقاب التعافي الاستثنائي الذي شهده النشاط الاقتصادي العالمي خلال النصف الأول من العام الجاري، شهد الوقت الراهن تراجعًا في الزخم. وصحيح أن الاعتدال في النمو كان متوقعًا، إذ كان من غير الممكن استمرار الوتيرة التي شهدناها في مطلع العام لمدة غير محدودة، إلا أن البداية المبكرة للتباطؤ كانت مفاجئة. ويشكل استمرار تفشي المتحور دلتا الذي أدى إلى فرض العديد من الدول قيودًا إضافية وتراجع مؤشرات الثقة في دول أخرى من أحد العوامل. لكن ضعف التوريد وارتفاع الأسعار وضعف معدلات التوظيف تقف وراء الدور الأكبر في تراجع زخم الاقتصاد العالمي. ولعل المشاكل في التوريد كانت أمرًا حتميًا نظرًا لتقلبات الطلب على مدار الأشهر الثمانية عشر الماضية، فقد شهدت الأسواق العالمية انهيارًا غير مسبوق في النصف الأول من عام 2020، متبوعًا بانتعاش سريع وقوي أدى إلى ضغط كبير ومتواصل على سلاسل التوريد وتراجع مستويات المخزون مقارنة مع حجم الطلب. وكانت هذه التأثيرات أكبر وأكثر انتشارًا مما توقع العديد من المحللين.
وتنطوي سوق العمل على تعقيدات أكبر، فقد تراجعت معدلات البطالة في معظم الاقتصادات المتقدمة بما يعكس وتيرة التعافي الاقتصادي مؤخرًا، لكنها ما زالت أعلى من مستوياتها ما قبل الجائحة، الأمر الذي يشير إلى ركود عام في سوق العمل. وفي الكثير من الحالات، هناك عدد كبير من الوظائف الشاغرة، والكثير من العاطلين عن العمل في الوقت نفسه.