مفتي الجمهورية من سراييفو: الإسلام يضفي الرفاهية والرخاء والرحمة في شئون البشر
أعرب فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، عن امتنانه لوجوده وسط شعب البوسنة والهرسك الشقيق، مشيرًا إلى اعتزاز المصريين شديدَ الاعتزاز بصداقته وسعيه الدائم إلى توثيق التعاون معه قيادةً وشعبًا.
جاء ذلك خلال إلقائه محاضرة في كلية الدراسات الإسلامية بسراييفو، ضمن زيارته الرسمية للبوسنة والهرسك، حيث حرص على نقل التحية للحضور من أرض الكنانة وبلد الأزهر الشريف؛ مصر كعبة العلم ومنارة المسلمين، قائلًا: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين، كما تقدم بالشكر للمشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك ولفضيلة الشيخ حسين كافازوفيتش، رئيس العلماء والمفتي العام على هذه الدعوة الكريمة، مُقدمًا بين يديه مزيد التقدير والعرفان لجامعة سراييفو وكلية الدراسات الإسلامية بها على وجه الخصوص؛ ذلك الصرح الأكاديمي العريق الذي يُعد من أهم المؤسسات التي تُعنى بالعلوم الإسلامية في أوربا
وقال فضيلة فضيلة المفتي خلال كلمته، إنه بالنظر إلى التاريخ الإسلامي؛ سنرى أنه حيثما وجِد الإسلام والإيمان الحقيقي في وطن من الأوطان وجدت معه الرفاهيةُ والرخاء والرحمة في كل شئون البشر، ويتجلى هذا؛ إذا قارنا الجزيرة العربية أو غرب إفريقيا أو إندونيسيا أو الهند قبل الإسلام وبعده، وحيثما دُرْتَ ببصرك، فستجد أن الإيمان قد أضفى على هذه الأمم مسحةً من الجمال والسماحة، وكل دولة كانت تحت الحكم الإسلامي مرت بما يسمى بالعصر الذهبي، ولا يدخل الإيمان قلبًا إلا زيَّنه، والشعب المؤمن لا يتقدم في مجتمع إلا وهو يُجمل هذا المجتمع، ونحن لا نعني بالجمال الثقافي منه كالفن والمعمار والموسيقى والشعر فقط، وإنما نتحدث عن السلوك والأخلاق؛ لذا فإن الإيمان الحقيقي؛ هو أن تعيش وتدع الآخرين يعيشون كآدميين متحضرين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وتابع: لقد كان القصد من مبعثه هو تحسين السلوك الإنساني وتعزيز الخُلُق القويم، وقد كانت بعثته للناس كافةً وليس للعرب خاصة، وهو أسوتنا الحسنة، وعلينا أن نسعى حثيثًا لرخاء المجتمع الذي نعيش فيه، علينا أن نحسِّن أوضاعنا وقيمنا الأخلاقية داخلنا، ثم نعمم هذا الإصلاح الأخلاقي على أسرنا ومجتمعاتنا؛ وبناءً عليه، يجب أن نساعد في إعادة تقويم البوصلة الأخلاقية، وفي وضع أجندة أخلاقية جديدة؛ وبهذا نتحقق من عالمية الإسلام؛ ذلك الأمر الذي يجب علينا أن نحافظ عليه، ولا يتم ذلك إلا بدعائم ينبغي بناؤها ونشرها؛ ولعله من أهمها الوسطية والتعايش والحوار مع الآخر.
وفي معرض كلمته أفاد فضيلة مفتي الجمهورية، بأننا ما زلنا في شهر ربيع الأول، شهر البركات والأنوار؛ الشهر الذي نحتفي فيه بمولد النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم؛ خير الخلق وسيدهم، رحمة الله للناس أجمعين، مؤكدًا أن ميلاد الأنبياء هو ميلاد رحمةٍ وسلامٍ ومحبةٍ، وذكرى ميلادهم هي مناسبات سعيدة على البشرية نحتفل بها ونتذكر ما أرسلهم الله سبحانه وتعالى به من أخلاق وقيمٍ من أجل صلاح الناس.
وميلاد النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الخصوص ميلادُ الرحمةِ للبشرية جمعاء، فإن رسالات الأنبياء جميعهم بناءٌ يتكامل والنبي عليه الصلاة والسلام، جاء لإتمام هذا البناء؛ فإن مَن يلاحظ البناء النبوي يجده بناءً متكامل الأركان والمعاني، فكلُّ واحدٍ منهم يؤدي إلى الآخر ويتكامل معه من حيث المبنى والمعنى؛ فكانت جميع الرسالات تدعو إلى عبادة الله الواحد الأحد وتزكية الأنفس وعمارة الأرض؛ وقد كان عليه السلام اللبنة الأخيرة في هذا البناء؛ فبه تمَّ وبشرعه وهَدْيِهِ يبقى.
وأضاف فضيلة المفتي: من هنا كان الاحتفال بذكرى مولده عليه السلام العطرة يمدنا بمزيد من الأمل والنور والبِشْرِ لِتَشُدَّ على أيدينا وسواعدنا، كي تتوحد كلمتنا وتنطلق مساعينا نحو البناء والعمران؛ رغبةً في استعادة الروح المُحبة للحياة والمقبلة عليها، فحق لنا إحياء ذكرى مولده في هذا الشهر الأنور بشتى أنواع الطاعات والقربات، وإشاعة مظاهر الرحمة من الفرح والسرور والإطعام والتهادي؛ فرحًا من أمته بمولده صلى الله عليه وسلم، ومحبةً منهم لما كان يحبه؛ عرفانًا بحسن فضائله وسردًا لجميل شمائله وتذكرةً بأخلاقه القويمة حتى تتعلق النفوس والعقول بحضرته الشريفة؛ فإن تعلُّق النفس به سبيلٌ إلى اتباعه، وباتباعه تصفو القلوب وتستقر النفوس.