مستقبل الثقافة في مصر.. بين تفاؤل طه حسين ورصد العقاد
طه حسين، عميد الأدب العربي، والحالة الإنسانية الفريدة، الثائر على الجمود، والمؤثر في كل مصري، سواء أكانوا يعرفون هذا أم لم يعرفوا، كانوا يحبونه أم يكرهونه، فهو رائد النهضة الأدبية والتعليمية الحديثة في مصر، وسبب حصول المصريين على حق التعليم بالمجان والذي تحل اليوم ذكرى رحيله التي توافق 28 أكتوبر من العام 1973.
تنوعت أعمال العميد بين النقد والنثر والفكر، وكان واسع الاطلاع على الأدب العالمي، والحركات والمدارس النقدية الحديثة، كما دأب على التحصيل المستمر، وتتبع القضايا الشائكة، بحثًا عن حلول تناسبها، وتتماشى مع العصر، وبسبب هذا دخل طه حسين في العديد من المعارك الفكرية، والمساجلات، وأثر بأفكاره على الحركات الأدبية والنقدية في الأدب العربي، وأضفى عليها نوع من الحركة والحداثة.
ومن الأعمال المهمة التي كتبها الدكتور طه حسين، كان كتابه: مستقبل الثقافة في مصر، المنشور في عام 1938، والذي أخذ العميد قرار تأليفه، بعد أن استشعر أن مصر على أعتاب تغيير جديد، سيحل عليها، بعد أن أنهكها الاحتلال، وكان يرى أن أفضل ما يقدم لهذا الشعب بعد نيل استقلاله؛ تعليمًا جيدا وثقافة ذات فائدة.
عمد طه حسين في كتابه هذا إلى تقسيم الثقافة إلى ثقافة غربية وثقافة شرقية، وهذا التقسيم ليس تبعا للتقسيم الجغرافي؛ وإنما يعود إلى التقسيم الفكري، وناقش الفرق بين العقل المصري والأوربي، حيث رأى أنه لا فرق بينهما، ولا يوجد عقل يمتاز على عقل آخر.
كما تطرق العميد في كتابه إلى الحديث حول الأزهر، وحول الحداثة التي يسعى إليها جاهدا في تلك الفترة، قائلا إن الأزهر يريد أن يتخفف من القديم، حتى أنه قال عن ذلك الجهد، أنه أتي من باب الإسراف، ويجوز أنه رآه إسرافا، بحكم عادات الأزهر، وتقاليده، التي لا يجوز أن يأتي بعض أبنائه بين يوم وليلة ويقلبونها رأسا على عقب، وهذا يتضح في قوله، إن الأزهر بحكم عاداته وتقاليده، وواجباته الدينية، بيئة محافظة، تمثل القديم، أكثر ما تمثل الحديث، وهذا يجعل من العسير على الأجيال الجديدة، إساغة القومية، بمعناها الأوروبي الحديث.
العقاد ينقد كتاب العميد مستقبل الثقافة في مصر
واجه الكتاب، الكثير من الترحيب والاحتفاء من الكثيرين، وواجه أيضا الكثير من الانتقادات، اختلف عباس محمود العقاد مع الكثير من الأمور التي طرحها طه حسين داخل كتابه، ومنها، طرح العميد، أن هناك ثقافة شرقية، وأخرى غربية، وأن بينهما اختلافا وعداء من قديم الزمان.
ويقول العقاد: يصعب عليّ أن أوافق المؤلف على ما أتى به في تلك العبارة، لا أدري، ما هي الثقافة التي كانت موجودة في أوروبا منذ القرون القديمة، ومتى كيف حدث هذا التصارع، وإلى أي أمر قد انتهى؟، كل ما أعرفه في هذا الشأن؛ يحملني على القول، أن الصراع الذي حدث بين الثقافات والحضارات التي نشأت حول بحر الروم، كان أشد وأعنف من الذي حدث بين هذه الثقافات، والثقافات الهندية والصينية، بدرجات كبيرة.
ويعود العقاد ويتساءل في حيرة: ما الفائدة من بحث ذلك المقام؟، وما شأن تلك القضية بشرقية مصر وغربيتها؟، وهل من علاقة منطقية بين تلك القضية، وبين مسألة وجود أو عدم وجود فروق جوهرية، بين العقل المصري والعقل الأوربي؟.
واختلف العقاد أيضا، مع العميد، في قضية اللغة والدين، حيث قال: يقول المؤلف إن السياسة شيء والدين شيء آخر، وإني أوافقه على قوله هذا، ومع هذا استغرب، كيف يسوغ لنفسه أن يحشر اللغة مع الدين في الفقرات التي تلي هذا الكلام!، ويعقب العقاد: نستطيع أن نقول للناس، ليحتفظ كل منكم بمعتقده الديني لنفسه، لكن هل نستطيع أن نقول لهم، ليحتفظ كل منكم بلغته لنفسه؟.
ويستكمل العقاد: لنمعن النظر في الدول التي قطعت أبعد+ الأشواط في مسألة فصل الدين عن السياسة، وغالت أشد المغالاة في حصر أعمال الدولة في نطاق الأمور الزمانية، ونسأل، هل هي أقدمت على فصل اللغة أيضا عن السياسة؟ وهل تركت مسائل اللغة خارجة عن عن اعمال السلطات الزمانية؟.
ويختتم العقاد تلك النقطة: إنني اعتقد اعتقادا جازما، أن اللغة تختلف عن الدين في وجوه الطبيعة الذاتية والتأثير النفسي، والعمل الاجتماعي، وإن عدم ملاحظة المؤلف هذا الفرق الجوهري، الموجود بين اللغة والدين؛ قد عرَّضه لأخطاء كبيرة، وأوقفه مواقف يخالف فيها التاريخ ووقائعه.