أنا ليا معاه حكايات
في سنة 2016 اتولدت البنوتة الأسترالية جوزي، وكانت أول مولود للطبيب مات دون، فرحة مات بـ جوزي، كانت فرحة مضاعفة للأب اللي عاش معظم سنين حياته اللي فاتت وهو غرقان في الطب والدراسات والعلم اللي كان مقرر من البداية إنهم الأولوية اللي مفيش بعدها شيء تاني مهم، بس لحظة، مات أصلًا مش كبير في السن بالمناسبة يعني إحنا بنتكلم عن واحد لسه سنه ماجابش الـ 40 أصلًا!
أومال إيه حكاية غرقان في الطب دي! من أيام الدراسة الثانوية وهو حابب الطب وبيلاقي فيه نفسه ومتعته بعيد عن خروجات الأصدقاء وهزارهم وصداقة البنات والحقيقة إنه عمره ما حس بـ ضجر أو ملل من قراره ده بالعكس كان إنجذابه كل يوم بيزيد وبيتأكد إنه صح وإن راحته موجودة بين المعامل وبين الكتب، طب إيه اللي حصل؟
واضح إن الآنسة جوزي لما شرفت للدنيا الصورة والوضع اتغيروا 180 درجة وبقى فيه منافس شرس لمحبة مات لشغله، ده حصل فعلًا!
مات مابقاش يلاقي نفسه ولا ضحكته ولا بهجته غير في صحبة جوزي، اللي كان واضح إنها من أول يوم كانت هدية ربانية للطبيب الشاب اللي كان سبب في إنقاذ حياة مئات ويمكن آلاف المرضى اللي حظهم اللطيف وقعهم تحت إيده أو من خلال أبحاثه، سنتين عدوا زى النسمة زى كل وقت حلو ما بيمر.
في سنة 2018 بيكتشف إصابة بنته جوزي بـ واحد من أخطر أنواع السرطان اللي اختصار اسمه DIPG، أو سرطان الدماغ الغير قابل للشفاء! ظرف مؤلم وقاسي على الأب، قرر مات يسخر كل علمه في محاولة إنقاذ جوزي، مينفعش جوزي تموت، وقته بقى متقسم بين حاجتين، الأولى إنه يقضي معظم يومه في معمله وبين الكتب والأبحاث والتواصل مع أهم الأطباء في العالم لمحاولة إيجاد مخرج، والحاجة التانية إنه بقى حريص إنه يقضي مش أقل من 8 ساعات مع بنته، يهزروا، يتصوروا، يلعبوا، يخرجوا يتفسحوا.
مات كان تقريبًا مش بينام غير 4 ساعات في اليوم وباقي ساعات اليوم بين الحاجتين اللي فاتوا، هو كان بيتعامل إن بنته هتعيش، وهتكمل وكان بيراهن نفسه والناس اللي حواليه بكده، ومن كُتر ثقته إن ده هيتحقق كان بينزل صوره مع بنته في نهاية كل يوم ويعمل لايف فيديو يحكي فيه وهو مبتسم وهي طالعة معاه في الفيديو عن يومهم كان عامل إزاي بمنتهى البهجة والفرح.
حكايات وحواديت في قمة المعيلة لدرجة إنك لو شوفتها هتقول إنه من شباب التيك توك مش طبيب بسبب نوعية الموضوعات الطفولية اللي بيتكلم فيها هو وبنته! مرت الأيام تقيلة صعبة، وكان بيحاول يخففها بالفيديوهات والصور، بس المرض كان أقوى، وفي السنة اللي فاتت ربنا اختار جوزي عشان تتوفى، ممكن تتخيل بسهولة شكل مات بقى عامل إزاى وإزاى إن عمره تضاعف على الأقل مرتين وضحكته دبلت واختفت!
بصراحة قصة وفاة جوزي، والدمار النفسي اللي بقى فيه مات، كانوا حديث العالم كله السنة اللي فاتت، مات كان في حيرة إنه يكمل في اللي بدأه في محاولة إنقاذ ناس تانيين ولا يستسلم لإحباطه بعد ما خسر أغلى إنسانة ليه؟ الفكرة إن أبحاث السرطان دايمًا بتحتاج فلوس كتيرة، وده شيء مش هيتوفر بسهولة له من الجامعة اللي المعمل بتاعه تابع ليها، وفي نفس الوقت هو نفسه كانت مسدودة بسبب غياب جوزي! فضل الموضوع محلك سر كام شهر.
في يناير اللي فات، وفي نيوزيلندا كان فيه بنوتة تانية عندها 15 سنة اسمها جميما، أصيبت بسرطان المخ، بنت لذيذة ومقبلة على الحياة فوجئت هي وأسرتها بالخبر اللعين ده واللي بعد تحاليل وتشخيص كتير كل الأطباء أجمعوا إن أيامها في الحياة مجرد شهور، جميما كان ليها طلب واحد بس، عايزاكم توصلوني بـ الدكتور مات! طب وإنتي عرفتي مات منين يا جميما! ده الراجل في بلد وإنتي في بلد تانية خالص!
عارفاه من فيديوهاته وصوره مع بنته جوزي، ومتابعة جدًا لكل الحكايات اللطيفة اللي كان بيحكيها وهي جنبه، تم التواصل مع الدكتور مات، وجميما طلبت منه طلب واضح وصريح، أرجوك لا تتوقف عن البحث والدراسة لإنقاذ أطفال آخرين، كلامها كان فيه جمال متغلف بالأمل اللي شجّع مات برضه لكنه في النهاية ماكنش هيقدر يتكلم معاها في تفصيلة إن الموضوع محتاج فلوس كتيرة أكبر من إمكانياته بس وعدها إنه يكمل، على الناحية التانية ماتعرفش جميما سنها الصغير وفي ظروفها الصحية الحالية كانت فاهمة اللي ماقدرش مات يقوله، إن القصة محتاجة فلوس، فعملت حملة على السوشيال ميديا لجمع تبرعات لدعم أبحاث سرطان الدماغ للأطفال وتحديدًا أبحاث دكتور مات دون في معهد هانتر للأبحاث الطبية في نيوكاسل.
بدأت الفلوس تيجي من اليمين ومن الشمال ومن الشرق والغرب ومن كل حتة، جميما كانت بتتابع كل ده لحظة بلحظة، وصحتها كانت بتتدهور برضه لحظة بعد لحظة! لحد ما اتوفت في 12 أكتوبر اللي فات يعني من نحو أسبوعين، ولما توفت فوجئ مات بمكالمة من أسرتها عايزين ييجوا يقابلوه في أسرع وأقرب وقت، حصل فعلًا، وإدوله صندوق طبي فيه مخ ودماغ جميما عشان يكمل مات عليه دراسة، ومع الصندوق شنطة فيها 5000 دولار كانت محوشاهم من مصروفها عشان نفس الهدف + مبلغ 700 ألف دولار برضه اتجمعوا من الحملة بتاعتها على السوشيال ميديا!
مات ماكنش مصدق نفسه، وقرر يبدأ فورًا في تكملة مشواره البحثي عشان أرواح جوزي، وجميما، وأرواح آلاف الأطفال اللي ممكن ربنا يجعله سبب في شفاءهم مع الوقت، بس مع تصميمه إنه يكمل في أبحاثه كان مصمم برضه على هدف تاني، إنه يكمل تصوير لكل لحظة حلوة أو حكاية لطيفة تحصل في يومه عشان يخلي غيره يشوفها، ومين عارف! مش يمكن حكاية من الحكايات دول تغير حياة بني آدم شافها!.
حتى في العلاقات اللي انتهت نهايات محزنة ماتشبهش بدايتها، ولا تليق على أبطالها؛ كان فيه حكايات حلوة حصلت في النص تستحق التسجيل والتدوين، أنا كنت جزء من اللي كان باسطني ده بالتالي غياب الطرف التاني لو حصل بسبب ظروف خارجة عن إرادته زى الوفاة هي سبب كافي عشان أشوف الذكريات وأفتكره وأدعيله بالسلام في المكان الأفضل اللي هو فيه، وأحاول أخليه سعيد بإني أعمل اللي كان هيفرحه لو موجود.
ولو الغياب حصل لخلاف في وجهات النظر؛ ده برضه مايقللش ولا يلغي دوري إني كنت طرف أساسي في اللحظات اللطيفة اللي فرحتني وزى ما كان ليك مع فلان إمبارح أيام حلوة وحكايات هيبقى ليك برضه مع عِلان بكره.
حتى في العلاقات اللي انتهت نهايات محزنة ماتشبهش بدايتها، ولا تليق على أبطالها؛ كان فيه حكايات حلوة حصلت في النص تستحق التسجيل والتدوين، أنا كنت جزء من اللي كان باسطني ده بالتالي غياب الطرف التاني لو حصل بسبب ظروف خارجة عن إرادته زى الوفاة هي سبب كافي عشان أشوف الذكريات وأفتكره وأدعيله بالسلام في المكان الأفضل اللي هو فيه، وأحاول أخليه سعيد بإني أعمل اللي كان هيفرحه لو موجود.
ولو الغياب حصل لخلاف في وجهات النظر؛ ده برضه مايقللش ولا يلغي دوري إني كنت طرف أساسي في اللحظات اللطيفة اللي فرحتني وزى ما كان ليك مع فلان إمبارح أيام حلوة وحكايات هيبقى ليك برضه مع عِلان بكره.