حين تغيب الشمس.. شعر سيد عبد الرازق
الشاعر سيد عبد الرازق من مواليد محافظة أسيوط وهو شاعر وكاتب مسرحي مصري، حصل على جائزة البردة في فئة الشعر الفصيح مرتين، كما حصل على جائزة الأمير عبد الله الفيصل العالمية في مجال الشعر المسرحي سنة 2020، وجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال المسرح سنة 2021، وهذه قصيدة له بعنوان حين تغيب الشمس.
تتقلَّبُ الدنْيا
وقلبُك ساكنٌ كالثلجِ في كانونَ
كالقممِ التي – منذُ الطفولةِ – لمْ يزرْهَا الشوقُ
كالحَفْرِيَّةِ البكماءِ
كالبروازِ مشدودًا إلى مسمارِهِ
لتغيبَ صورتُه النقيَّةُ
حينَ يقضي النَّحْبَ هجرَا
لم يَعُدْ في صوتِك الليليِّ لحنٌ
لم يعدْ في صدرِك الشرقيِّ دفءٌ
ما عرفتُكِ
إنَّما شُبِّهْتِ لِي
فصلَبْتُ عمريَ في القصيدِ
وصارتِ الأوجاعُ بحرَا
ذاك شِعرِي
مذْ نعومةِ ظُفْرهِ ألجأتُهُ نهدَيكِ قصرَا
وارتأيتُ ذنوبَ أحلامي الشقِيَّةِ
فيكِ طُهرَا
من لهيبِكِ كمْ نسجْتُ مُنَمْنَمَاتٍ
كنتِ فيها ظبيةً بريَّةً
تتمايلينَ على الجداولِ
حين تبْتَلِّينَ بالماءِ المُقدَّسِ
تُنبِتِينَ سنابلَ التَّحنانِ خُضْرَا
كنتِ لا تُخفينَ شيئًا من ترنُّمِكِ الجميلِ
وتطلقينَ الرَّغْبَةَ الحمقاءَ جهرَا
كنتِ أوَّلَ ما قرأتُ بسِفْرِ تكوينِي
فكونِي مثلما آمنتُ
شمسًا ترضِعُ الأيَّامَ منْ دفءِ السماءِ
وتطعِمُ الإحساسَ جَمْرا
كنتِ كالبارودِ
تشتعلينَ منْ هـمسِ المساءِ
وأرتدي كفَّيْكِ قُفَّازًا
يوارِي رعشَتِي حينَ الشتاءِ
تُحَوِّلينَ الماءَ خمرا
كنت مِلْحِي
كلَّمَا نامتْ جراحُ البوحِ
تستعِرِينَ فيَّ
وترجُمِينَ الصمتَ حتى تُولَدَ الكلماتُ
قسرَا
كنتِ أوراقَ الربيعِ
وتغزلينَ ثيابَ رُشدِي
حين يجذِبُنِي جنونُ قصيدتِي
وتصوغُنِي الفتياتُ فوق المسرحِ المكشوفِ دَورا
كنتِ بيتي حينما ضاقتْ رِئَاتُ العالمين
بِتِيهِ خطْوِي
كنتِ سترَا
كنتِ بعثًا من أساطيرِ الممالكِ
تُتْقنِينَ السردَ والقِصصَ القديمةَ
تحملينَ خلودَهُنَّ لديكِ سرَّا
كيف تنطفئينَ يا وهجَ الحقيقةِ؟!
والكتاباتُ القديمةُ
لمْ تقلْ أبدًا بموتِكِ
كيف تَكْذِبُنِي السطورُ
تُبَدِّلُ الإيمانَ كفْرَا؟
كيف تَتَّسِعُ المسافةُ بيننا؟
صبَّارتَان تقاسيانِ الموتَ في الصحراء عمْدًا
والهَجِيرُ يمرِّرُ اللحظاتِ دهرَا
كلَّما أخلفتِ موعِدَنا بمَلْكِكِ
أصبحَ العمرُ الذي أبلِيهِ
وِزْرَا
كيف يبقى بيننا بعضُ اشتهاءٍ
بعدْ أنْ أصبحتِ تمثالًا رُخامِيَّ المشاعرِ؟
تقتلينّ العشقَ قربانًا ونذرَا
كيف صارَ الصمتُ في شَفتيكِ دِينًا
والعيونُ المُفعمَاتُ بكلِّ ألوانِ الحياةِ غدونَ قبرَا؟
لمْ يَعُدْ شيءٌ جَلِيًّا
فاتركينِي
ربَّما في البُعْدِ عنكِ أرى لذاك البردِ
عذرَا