خبير تغير المناخ: الدول المتقدمة لم تفِ بتقديم تمويل التكيف.. ومصر معرضة لارتفاع الحرارة وزيادة الجفاف | حوار
التغيرات المناخية هي ظاهرة عالمية يعاني منها كوكب الأرض، وذلك بسبب زيادة غازات الاحتباس الحراري والتخوف من ارتفاع حرارة الأرض 1.5 درجة مئوية، وتُعول آمال كثيرة على قمة تغير المناخ cop 26 التي تنعقد في جلاسكو بالمملكة المتحدة، والتي تسعى لإلزام الدول المتقدمة بتوفير التمويل الذي نص عليه اتفاق باريس عام 2015، والذي يبلغ 100 مليار دولار سنويًا.
أوضح الدكتور صابر عثمان، مدير إدارة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة، والخبير الدولي في تغير المناخ، أن مصر والدول العربية من أكثر المناطق المعرضة لتأثيرات تغير المناخ، حيث ترتفع درجات الحرارة بها وتنخفض معدلات هطول الأمطار وبالتالي تزداد فرص الجفاف.
صابر أكد خلال حديثه لـ القاهرة 24، أنه بفعل تغير المناخ أصبحت موجات التقلب الشديد والحاد في الأحوال الجوية أكثر شدة وتكرارًا، وأشار إلى ارتفاع سطح البحر 20 سم، وأن أراضي الدلتا تهبط 2 مللي سنويًا، وأن التقارير الدولية تحذر من ارتفاع سطح البحر متر واحد بحلول عام 2100.
وإلى نص الحوار..
بداية ما هو مؤتمر الأطراف لتغير المناخ وما المتوقع منه؟
مؤتمر تغير المناخ 26 cop هو مؤتمر سنوي يُعقد بهدف متابعة تنفيذ اتفاقية تغير المناخ وبروتوكول كيوتو للمناخ واتفاق باريس الذي أُبرم عام 2015، وهناك عدد من الموضوعات بعضها مستمر منذ زمن والبعض الآخر معلق ومنها أسواق الكربون على سبيل المثال، وهذه يقوم عليها تجارة الكربون بين الجهات المختلفة سواء دول أو شركات أو أفراد بين الدول وبعضها أيضًا، التي نصت عليها المادة6 في اتفاق باريس.
المادة 6 في اتفاق باريس الموقع عام 2015 لم يتم إقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بها حتى الآن، والتي تُلزم الدول على تخفيض الانبعاثات بمقابل مادي من خلال شهادات الكربون، والتي بدأت في بروتوكول كيوتو حيث وضع ثلاث آليات هي آلية التنمية النظيفة وبموجبها يمكن للأطراف من دولة متقدمة مع طرف آخر من دولة نامية التعاون لخفض الانبعاثات، فمثلًا يمكن للطرف الأول الاتفاق مع الطرف الثاني وإنشاء محطة لتوليد الكهرباء لكن بالطاقة النظيفة وتوليد نفس القدر من الطاقة لكن باستخدام آلية أفضل وأكثر استدامة، وبالتالي نكون قد استطعنا تخفيض مثلًا 100 طن انبعاثات من ثاني أكسيد الكربون يمكن للطرف الأول من الدولة المتقدمة الحصول عليها في صورة شهادات كربون، وآلية التنفيذ المشترك والأخير آلية تجارة الانبعاثات.
وألزم بروتوكول كيوتو الدول المتقدمة بتخفيض الانبعاثات بنسبة 5.2 مقارنة بعام 1990، فمثلًا إذا كانت إحدى الدول تنتج 100 طن من غاز ثاني أكسيد الكربون فعليها خفضها في الفترة من 2008 حتى 2012 إلى 95 طن، ويمكن لكل دولة تقسيم هذا الخفض فتكون من 2% من المشروعات القومية و3% للقطاع الخاص ويمكن للأخير خفضه من خلال شراء شهادات الكربون أو بإقامة مشروعات في إحدى الدول الأطراف باستخدام طاقة نظيفة لخفض حصته من الانبعاثات الكربونية.
المرحلة الأولى من بروتوكول كيوتو كانت حتى عام 2012، وفي الفترة الثانية من بعد 2012 حتى عام 2020 انسحبت منه أغلب الدول الأطراف لأسباب كثيرة منها الولايات المتحدة التي انسحبت في فترة الالتزام الأولى، وبناء عليه قررت الأمم المتحدة تعديل اتفاق باريس فيما يخص خفض الانبعاثات، وإذا تم حل الأزمة الناشئة عن الفساد في سوق الانبعاثات الكربونية، يشجع هذا دولًا كثيرة لخفض انبعاثاتها التي تسبب تغير المناخ.
لماذا يعد مؤتمر تغير المناخ في نسخته الحالية cop 26 مختلفًا.. وما الذي يُعول عليه؟
الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، ألزمت الدول المتقدمة بتوفير تمويل قدره 100 مليار دولار للدول النامية من عام 2010 حتى 2020، وذلك خلال مؤتمر كوبنهاجن للتغير المناخي عام 2009، وبعد عام 2020 تقدم أكثر من 100 مليار دولار تمويلًا سنويًا، لكن يشترط أن لا تكون ضمن أي بند آخر للمساعدات أو التنمية، يجب أن تكون جديدة وإضافية ومستدامة.
التمويل الذي أقرته الأمم المتحدة يوجه للآليات التمويلية، الذي تمتلك الاتفاقية الإطارية عدة آليات لها منها صندوق المناخ الأخضر ومرفق البيئة العالمي وصندوق الدول الأقل نموًا وصندوق تغير المناخ الخاص، وصندوق التكيف مع تغير المناخ، يذهب في التمويل البالغ قدره 100 مليار دولار إلى هذه الصناديق سنويًا، لكن حتى الآن لم يحدث هذا ولم تلتزم الدول المتقدمة بتقديم هذا التمويل.
المشكلة القائمة حاليًا تكمن في أنه بعد تأجيله العام الماضي بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد عالميًا، والأزمة الاقتصادية أو التباطؤ الاقتصادي الذي يعصف بالعالم أجمع عقب الجائحة، ليس هناك ما يضمن إيفاء الدول المتقدمة بالتمويل الذي حدده اتفاق باريس لتغير المناخ.
ماذا يعني مصطلحا التخفيف والتكيف مع تغير المناخ؟
التكيف والتخفيف هي مصطلحات مرتبطة بتغير المناخ، ويُقصد بالتكيف تعديل النظم الطبيعية أو غير الطبيعية لتصبح قادرة على التعامل مع تأثيرات تغير المناخ، أما التخفيف هو خفض الانبعاثات الكربونية التي تسبب زيادة الاحتباس الحراري.
ما التحديات التي تواجه مصر والدول العربية بشأن التغير المناخي؟
صدر تقرير عام 2018 يتناول التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ على المنطقة العربية فقط، أظهرت تعرضها لارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير، وهو ما شهدته المنطقة الصيف الماضي حيث تخطت الحرارة في بعض المناطق حاجز الـ 50 درجة.
أما التأثير الثاني لتغير المناخ في مصر والمنطقة العربية هو انخفاض معدلات سقوط الأمطار وزيادة معدلات الجفاف، بالإضافة إلى زيادة شدة وتكرار نوبات تقلبات الطقس الجامحة، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية حيث اشتعلت الحرائق في عدة مناطق مثل غابات تونس والجزائر ولبنان والمغرب، علاوة على تكون المنخفضات الجوية الشديدة مثل إعصار شاهين الذي ضرب سلطنة عمان وسقوط كميات أمطار غزيرة، والعواصف الترابية والرملية بشكل أكبر وهو ما يؤثر على الصحة العامة، إلى جانب موجات الصقيع الحادة في مناطق أخرى، وتشكل السيول في البحر الأحمر على سبيل المثال، ومناطق القاهرة الجديدة.
كل ما أسلفناه تعاني منه أيضًا المنطقة العربية حيث شهدت المملكة العربية السعودية سيولًا لم تكن تتعرض لهذه الكميات منها، وغرق بعض المناطق بها.
ما حقيقة تعرض ثلث الدلتا المصرية للغرق، وما هو تأثير تغير المناخ على السواحل المصرية والوجه البحري؟
في العمل على قضايا مثل تغير المناخ نضع سيناريوهات محتملة لأننا نتحدث على أمور تحدث في المستقبل، وبالنسبة لتأثير التغيرات المناخية على محافظات الوجه البحري والدلتا فإنه طبقًا للعلم منسوب مستوى سطح البحر سيرتفع متر واحد بنهاية القرن الحالي أي حتى عام 2100، وهو ما يعني أن الدولة إذا لم تتخذ أي فعل أو إجراء للحماية تتعرض ثلث الدلتا للغرق لا محالة.
وبالفعل الدولة تتخذ إجراءات كثيرة لحماية الوجه البحري والدلتا، ووزارة الموارد المائية والري لديها مشروع ضخم لحماية الدلتا، حيث تضع البلوكات الخرسانية لمواجهة ظاهرة نحر الشواطئ، لكن هناك مشكلات أخرى طفت على السطح حيث ارتفع سطح البحر 20 سم بالفعل، بالإضافة إلى انخفاض الدلتا كل عام 2 مللي بسبب حجز الطمي خلف السد العالي، وهو تأثير مضاعف أدى إلى زيادة ملوحة الأراضي هناك وبالتالي التأثير سلبًا على الإنتاجية الزراعية بهذه المنطقة.
ما القطاعات الأكثر تأثرًا بظاهرة تغير المناخ؟
لا شك أن أزمة تغير المناخ تؤثر على جميع القطاعات، لكن قطاعات الزراعة والإنتاجية الزراعية والبهائم والماشية أيضًا من حيث ادرار الألبان وإنتاج اللحوم، وقطاع الموارد المائية مع احتمالية انخفاض معدل سقوط الأمطار على إثيوبيا وبالتالي يقل الإيراد المائي المحلي خاصة وأن مصر تعتمد بنسبة 95% من المياه على مياه النيل، بالإضافة إلى تأثير تغير المناخ على الصحة العامة مع ارتفاع درجات الحرارة على بعض المناطق الجنوبية واحتمالية انتشار بعض الأمراض مثل الملاريا، وكذلك العواصف الترابية والرملية وتأثيرها على الصحة العامة خاصة الأشخاص الذين يعانون من الربو وأمراض الصدر، إلى جانب تأثر بعض الفئات مثل كبار السن والنساء والأطفال الرُضع، وزيادة الفقراء فقرًا وتأثرهم بعدم القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.
كما يعد السكان في مناطق السواحل والمناطق المهددة الأكثر تهديدًا وتأثرًا بتغير المناخ، أو قاطني المدن المعرضة للسيول وغير مجهزة أو بها مخرات مثل القاهرة الجديدة.
كيف تُسهم أفكار المشروعات والمشروعات الصغيرة التي يقدمها الشباب في حل أزمة المناخ؟
الهدف الأساسي من مؤتمرات وورش خاصة بالمناخ هو تسليط الضوء على تغير المناخ ورفع الوعي بمخاطره، وإيجاد حلولًا بعضها محلي يصلح لمدينة أو دولة بعينها، ويمكن للمشروعات التي يقدمها الشباب يمكنها تقديم هذه الحلول بعد فهم طبيعة المشكلة وفقًا للمنطقة المراد إقامة المشروع بها، فمثلًا في بعض المناطق الساحلية وجد السكان المحليون حلًا لمواجهة ظاهرة النحر وتآكل الشاطئ حيث صمموا حاجزًا طبيعيًا من أعواد البوص تتجمع خلفه الرمال وتمنع ارتفاع المياه.
الأساس في مشكلة أزمة تغير المناخ هو رفع الوعي بالقضية والإعلام والفن عليهم دورًا كبيرًا في المساهمة بالحد من الانبعاثات تغيير السلوك الاستهلاكي لآخر مستدام؟