العودة للمربع صفر!
لن أخفى عليكم حالة الحزن التى ضربت الوسط الفنى وكثيرين من المهتمين بصناعة السينما لرحيل المخرج السينمائى أسامة فوزى بشكل مفاجئ، وهو المخرج الذى رغم قلة أعماله التى وصلت إلى أربعة أفلام فقط، إلا أنها صنعت تاريًخا ومجًدا شخصًيا ليضاف لسجل الأسرة وبالتحديد الأب المنتج جرجس فوزي، والأخ الأكبر هانى الذى أكمل بعد رحيل والده مهمة الإنتاج السينمائى.
أسامة كما كتبت سابقاً، لم يمت يوم إعلان خبر رحيله، فرغم تفائله وسعيه المستمر من أجل تقديم مشروعه السينمائى الخامس، ورغم كل من قابله من صعوبات وعراقيل وإحباطات، لم يفقد الأمل مطلقاً، وظلت الابتسامة مصاحبة له حتى الساعات الأخيرة من حياته، فأنا على يقين أن أسامة وعشرات الموهبين غيره تم قتلهم بالحياة تحت عنوان ظروف السوق السينمائى وشروطه وقوانينه الطاردة لأى مبدع، الأمر الذى جعل عشرات المواهب فى الإخراج والكتابة يجلسون فى بيوتهم دون أى فرصة لتقديم إبداع حقيقى يضاف لتاريخ السينما المصرية، الذى بات يسيطر عليه فئة من المنتجين تسعى لتحقيق الربح بأى طريقة وبأى هدف، دون أن يحترموا وجهة نظر مخرج أو ورق كتبه مؤلف، وهو ما أدى لظهور جيل أستطيع أن أطلق عليه لفظ “خادمى المنتجين” دون أن يشعرون بالذنب أو تأنيب الضمير.
جيل يلبي كل طلبات المنتج المشروعة وغير المشروعة عن طيب خاطر، من باب أكل العيش والاستمرار، جيل يسمح للمخرج بالتعديل فى الورق والتدخل فى عمل المخرج بالإضافة والحذف، وممارسة دور المخرج فى موقع التصوير فى أحيان كثيرة، كل هذا حدث ويحدث تحت تأثير الخوف من الجلوس بدون عمل مثل أسماء كبيرة ترفض تطبيق هذه الفلسلفة والنتيجة جلوسهم فى البيت منتظرين معجزة إلهية، أو الموت، أيهما أقرب!.
وربما يكون المسؤول الأول عن حدوث هذا هو الجمهور، الذى يمنح الملايين للأفلام الرخيصة ويمنعها عن الأفلام الحقيقية والأصلية والتى وجدت السينما من أجلها، قبل سنوات كان هناك جهاز يسمى “مدينة السينما” يتولى إنتاج أفلام لوحيد حامد، وكاملة أبو على، وإيهاب راضى، وخالد يوسف، وغيرهم الكثيرين من أسماء المبدعين، وفجأة انهار هذا الجهاز العظيم دون سابق إنذار، مثله مثل قطاع الإنتاج، وشركة صوت القاهرة، ومدينة الإنتاج الإعلامي، وغيرهم من الكيانات الحكومية التى من المفترض أن تكون طوق نجاة لكافة المبدعين، لتحميهم من جملة شروط السوق والذوق الفاسد للمنتجين الذين باتوا يسيطرون سيطرة تامة ومطلقة على الإنتاج السينمائى المصرى، وللحقيقة هذا لا ينفى جهد بعض للمنتجين فى تقديم سينما مختلفة وخارج حسابات السوق لا لشىء سوى لأنهم يشعرون بمسئولية مهنتهم كمنتجين.. وهذا لا ينفى أيضاً خروج بعض المحاولات القليلة للتمرد على الواقع السينمائى الفاسد الذى أصبحنا نعيشه منذ سنوات طويلة والتى كانت بدايته مع نهاية عام ٢٠١٠، إذاً الجمهور مسؤول بشكل رئيسي عن اختفاء أسماء كبيرة من الساحة السينمائية، والدولة مسئولة أيضاً مسئولية مباشرة بعد أن رفعت يدها عن تقديم الدعم اللازم لصناعة سينما حقيقية بدون مواد مخدرة.
ربما يكون الاهتمام الأكبر بصناعة الدراما، باعتبارها المسيطرة على قطاع أكبر من الجمهور، ولكن السينما هى ذاكرة الأمة، هى وسيلة لحفظ التاريخ والأماكن والأشخاص بعيداً عن لعبة تغيرات الزمن والعبث المتعمد من البعض، أمة بلا سينما حقيقية، أشبه بكتاب تاريخ فارغ الصفحات، ليكتب كل من هب ودب ما يحلو له مستقبلاً دون مرجعية أو سند حقيقى، يجب أن نتكاتف جميعاً لعودة السينما الحقيقية بأبنائها المخلصين، والذين رفضوا التفريط فى مبادئهم من أجل أكل العيش والخضوع لرغبات تجار اللحوم وغاسلى الأموال، أنقذونا حتى لا نودع مبدعًا آخر ونجد أنفسنا من جديد فى المربع صفر!