كيف واجهت السوق العقارية صدمات ما بعد قرار تحرير سعر الصرف؟
أحداث متعاقبة مرت علي السوق العقارية منذ قرار البنك المركزي المصري بتحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، والذي أثر بشكل كبير ومباشر على أداء السوق العقارية بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء وبالتالي أدي ذلك لارتفاع الأسعار بشكل كبير في كافة المشروعات سواء كانت الحكومية أو الخاصة، كما شملت الزيادة ارتفاعات في أسعار أعمال ترفيق الأراضي الخاصة بالدولة، مما تسبب في زيادة أسعار الأراضي علي الأفراد.
وأدى قرار المركزي بتحرير سعر الصرف إلي تباطؤ حركة المبيعات لدي الشركات العقارية وتوقف البعض منها عن تنفيذ المشروعات، لحين وضع الدراسات اللازمة والتي تتماشى مع الأسعار الجديدة، وهو أدي بشكل مباشر إلي خروج ما يقرب من 2500 شركة من شركات المقاولات المقيدة بالاتحاد، حسب تصريحات رئيس اتحاد المقاولين حينها، لكن فطنت وزارة الإسكان إلي هذا الأمر وبدأت في صرف جزءًا من فروق الأسعار للشركات العاملة بالمشروعات القومية ومن هنا بدأت تلك الشركات للعودة مرة أخرى والمشاركة في تشييد المشروعات القومية التي تنفذها الدولة.
وبدأ السوق العقاري في العودة مجددا بالرغم من ارتفاع الأسعار ببعض المدن لأكثر من 60%، وكان علي رأسها القاهرة الجديدة بسبب ندرة الأراضي بها، إلا أن عام 2017 شهد القطاع العقاري نموا في حجم الطلب بنسبة 3٪، كان بالتزامن مع تزايد أسعار العقارات خلال الربع الأخير من عام 2016 بنسبة تجاوزت 15٪ خلال 4 أشهر فقط، وكان ذلك بمثابة تصحيح للأسعار بعد تعويم الجنيه المصري وخسارته لجزء كبير من قيمته، صاحب مطلع العام الجديد توقعات أن يبقى الطلب في حالة تذبذب بسيط بين زيادة ونقصان خلال الربع الأول من عام 2017.
عقب ذلك أعلان شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية عن أول طرح أراضي العاصمة الجديدة في فبراير 2017، تضمن مساحات وصلت إلى 1500 فدان، وتم تخصيص ما يقرب من 1376 فدان منها لصالح 11 شركة عقارية، صاحب الطرح الجديد دخول شركات لها سابقة أعمال وأخري جديدة علي السوق العقاري باعتبار مشروع العاصمة الفرصة الأكثر طلبا خلال فترة الطرح، مما أدى لاستمرار الزيادة في الطلب العقاري خلال أشهر صيف 2017 حيث تعد هذه الفترة بمثابة الموسم الرسمي للسوق، حيث ارتفع الطلب للشهر الثاني على التوالي.
واستمر إقبال الشركات العقارية علي مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة باعتبارها الواجهة الاستثمارية للعملاء أصحاب الفوائض المالية، واستطاعت العديد من الشركات خلال فترة قصيرة من دخول العاصمة الإدارية الجديدة، وتكون محفظة عملاء جيدة مكنتهم من تحقيق أرباح كبيرة في فترة قصيرة.
وفي عام 2018 تمكنت العديد من الشركات العقارية بطرح عدد كبير من المشروعات السكنية المختلفة بجميع الأسعار؛ فأصبح هذا القطاع هو الأكثر إزدهارًا في مصر في الوقت الحالي. ولكن زيادة العرض من الوحدات السكنية لا يكون مجديا إذا كان غير ملائم مع ما يحتاجه المستثمر أو البائع.
واستمر الطلب علي العقار المصري يشهد معدلات جيدة حيث وصل حجم الطلب علي الشقق مقابل أنواع العقارات الأخرى بنسبة 55.40٪، فإن العرض يغطي 44.50٪ فقط من هذا الاحتياج، أما علي الجانب الأخر، فإن الطلب على الفيلات والشاليهات والمنازل المزدوجة والوحدات التجارية أقل من المعروض في السوق؛ حيث تتجاوز نسبة العرض عن الطلب في الفيلات بنسبة 4.9٪ وفي الوحدات التجارية بنسبة 3.2٪ فضلًا عن ذلك، تتجاوز نسبة العرض عن الطلب في المنازل المزدوجة والشاليهات بنسبة 1.7 ٪.
وشهد القطاع العقاري في عام 2019 العديد من التقلبات، شملت مجموعة كبيرة من "الارتفاعات والانخفاضات" التي تتعامل معها الحكومة في ضوء رؤية مصر 2030، وبالرغم من البداية القوية للسوق العقاري مطلع 2019 إلا أن القطاع شهد تباطؤًا في الربع الأخير، حيث واكبت الحكومة المصرية هذه الحالة ووضعت خطط استراتيجية لدفع النمو وتشجيع الاستثمار.
وشهدت المشروعات الإدارية والتجارية نتيجة التطورات التي حدثت خلال 2018، وحتى نهاية عام 2019، زيادة في أسعار الإيجارات فيما يخص المشروعات التجارية والإدارية، كما شهد العامين، توجه عدد كبير من الشركات الكبرى للحصول علي مساحات جديدة تتخذها كمقر لها، الأمر الذي ساهم في زيادة المعرض ونمو القطاعين بشكل عام.
وبالنظر لعام 2019 والذي صاحبه انخفاض في أسعار الدولار مقابل الجنيه، أدي الأمر إلي ثبات أسعار الوحدات التجارية والإدارية بشكل كبير واستمرت هذه الزيادة لفترة طويلة، مع توقعات وقتها باستمرار الأسعار في مرحلة الثبات مستقبلا، بعدما تلاحظ هذه الفترة وجود بعض الشركات الكبرى التي تبحث عن مساحات كبيرة تبدأ من 4 آلاف متر وتصل إلي 5 آلاف متر لإنشاء مقرات جديدة لها.
وأصدر البنك في ديسمبر 2019 مبادرة جديدة من خلال تخصيص 50 مليار جنيه لتوفير التمويل العقاري للمواطنين الذين يصل دخلهم الشهري حتى 40 ألف جنيه للأعزب و50 ألف جنيه للأسرة وبسعر عائد 8%، مما أعاد للسوق العقاري الروح مرة أخري، وبدأت حركة أداء السوق العقاري تعود لطبيعتها مرة أخرى.
حيث أظهرت الملامح الجديدة لترسم الفرص الاستثمارية في سوق القاهرة العقارية خلال عام 2020، والتي تشتمل علي أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ليؤكد ارتفاع التعداد السكاني لمصر لـ 145 مليون نسمة بحلول عام 2030، مما سيؤدي النمو السكاني إلى جانب تزايد النشاط الاقتصادي، إلى فرض المزيد من الضغوط على مراكز المدن التقليدية في مصر.
وساهم التنامي الكبير لأعداد الزوار ومبادرات دعم قطاع السياحة في تعزيز الطلب على سوق العقارات في القاهرة، كان أخرها في عام 2019 حيث اتخذت الحكومة عدة إجراءات لتطوير قطاع الضيافة، بما فيها إقرار قوانين الإقامة والمواطنة، الأمر الذي ساهم في توفير إمكانيات كبيرة للنمو والعديد من الفرص الاستثمارية في الدولة المصرية.
وحققت السوق العقارية نتائج جيدة مطلع 2020، على الرغم من تباطؤ القطاع السكنى خاصة فى أسعار الوحدات عند مقارنتها بالعام الماضى، واستمر الأداء خلال الربع الأول من العام ذاته، مقابل هدوء نسبي بالربع الثاني بسبب اضطرابات فيروس كورونا، والذى أثر بشكل كبير على مبيعات القطاعين السكني والفندقي، وتأثرت حركة الأسعار انخفاضا بنحو 6% بمنطقة التجمع الخامس على خلاف منطقة 6 أكتوبر التى شهدت استقرارًا فى الأسعار مقارنة مع العام 2019، وشمل هاذ توقعات إمكانية إنشاء وحدات بمنطقة القاهرة الكبرى حتى أخر 2020 بنحو 159 آلاف وحدة تم تسليم 35 ألف وحده، منها.
وشهد العام ذاته 2020 ارتفاع في أسعار الإيجارات على الرغم من فتره فيروس كورونا، فيما شهدت حركة المبيعات والإيجارات بوحدات التجاري والإداري ارتفاعات طفيفة، ولكن بدأت السوق العقارية تتعافي نسبيا خاصة قطاع الفنادق الذي حقق نسبة إشغال بنحو 42% حتى شهر مايو من العام ذاته مقابل 72% للعام السابق عليه، فيما بلغت أسعار الإيجارات ارتفاعات من 5 إلى 7%، وبلغت نسب الإقبال على الوحدات الإيجارية بنحو 23% بمنطقة القاهرة الجديدة، و14% بمنطقة 6 أكتوبر على الرغم من غياب سياحة العرب وذلك مقارنة النصف الأول، مع استمرار أزمة كورونا وتأثر السوق العقاري بها أضطر بعض المطورين العقاريين لتغيير حساباتهم والمخططات العامة لمشروعاتهم، بما يتماشى مع الفكر الحديث للعملاء، وذلك عن طريق تقليل مساحة الوحدات السكنية وطرح المشروعات علي عدد سنوات أكثر ووصلت لـ 9 سنوات وتوجه البعض في الوقت الراهن لطرح مشروعات علي 25 عاما، لجذب أكبر عدد من العملاء.
صعوبة حصول الشركات العقارية على تمويلات كافية من البنوك دعي البعض منهم وهنا نقصد كبار المطورين للحصول علي أراضي بنظام الشراكة، لضمان دخولها في مشروعات عقارية دون تحملها أعباء مالية إضافية في الوقت الراهن، ولكن سيكون نصيب وزارة الإسكان وحدات كحصة عينية من الوحدات، وبالتالي متاح له فتح باب تسويق المشروع ومن ثم الحصول على الأموال الكافية لتنفيذ المشروع وتسليم وحدات الإسكان بعد تنفيذ مشروعه وتسويقية بالكامل، وهنا القطاع الخاص الأكثر ربحية، ولكن الشركات المتوسطة والصغيرة ما زالت تتعامل مع العملاء وتقديم اعذارها المستمرة دون أي أسباب تذكر إلا إضافة المتسبب في التأخير وجود أزمة كورونا بجانب أزمة تحرير سعر الصرف.
واستمرت تداعيات أزمة كورونا علي القطاع العقاري بعدما سجلت أكبر 5 شركات عقارية مدرجة في البورصة المصرية تراجعا في أرباحها المجمعة بنحو 31% في الربع الثاني من عام 2020، على خلفية التباطؤ الاقتصادي الناجم عن جائحة "كوفيد 19"، والتي أدت إلى تباطؤ المبيعات الأولية للمطورين وتأخر التسليمات لديها مع انتشار الشعور بالخوف من الشراء بين العملاء.
وفي مطلع عام 2021 كان السوق العقاري كان السوق العقارية موعد مع بدء التعافي من آثار وتداعيات التي خلفتها جائحة كورونا، مع زيادة التوقعات بنمو الطلب على الوحدات السكنية المفروشة بشكل أسرع من أي مكان آخر في العالم.
حيث عانت الشركات من تخفيف إجراءات الإغلاق، وقيام البنك المركزي بخفض سعر الفائدة، وفي أكتوبر الماضي، قام البنك المركزي بإضافة بعض التعديلات علي مبادرة التمويل العقاري وزيادة مدة التمويل لتصل إلى 25 عاما (بدلا من 20 عاما)، مع إمكانية تطبيق ذلك على العملاء الحاليين المستفيدين من المبادرة، كما تقرر أيضًا إلغاء شرط الحد الأقصى لصافي مساحة الوحدة بالإضافة إلى زيادة الحد الأقصى لسعر الوحدة ليبلغ 2.5 مليون جنيه مع التسهيل لشروط الضمانات والسماح للبنوك بقبول ضمانات بديلة في حالة عدم إمكانية تسجيل الوحدة.
الإجراءات التي قام بها البنك المركزي مكنت الشركات العقارية من تحقيق مبيعات جديدة، حيث تمكنت البنوك وشركات التمويل العقاري من ضخ أكثر من 29 مليار جنيه لتمويل شراء وحدات سكنية، منذ انطلاق مبادرة البنك المركزي حتى الآن، وتأتي التعديلات التي أقرها البنك المركزي مؤخرا والتي أتت بثمارها سعيا منه لزيادة عدد الوحدات القابلة للتمويل في إطار المبادرة، واستفادة عدد أكبر من المواطنين بهدف الحصول على سكن ملائم بسعر عائد منخفض.
وبالرغم من ارتفاع أسعار مواد البناء خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير تراوح ما بين 500 و1000 جنيه، إلا هناك توقعات كبيرة أن يشهد قطاع العقارات في مصر بحلول العام 2025 المزيد من المشاريع ذات الدخل المرتفع والمتعددة الاستخدامات والتي تتضمن قطاعات التجزئة في شرق القاهرة، كما من تشهد السوق العقارية نموا في المساحات المكتبية بشكل كبير من حيث المساحات متعددة الاستخدامات، مع استئناف الشركات الأجنبية خطط توسعها في مصر بعد فترة التوقف بسبب الوباء. كما ستتجه مساحات التجزئة في جميع أنحاء القاهرة الكبرى نحو قطاعات التجزئة وشوارع التسوق المفتوحة.
ومن المرجح أن يرتفع عدد الوحدات السكنية في القاهرة الكبرى من 7.1 مليون حاليا إلى 7.6 مليون وحدة بحلول عام 2025، كما من المتوقع أن يتم زيادة عدد الوحدات السكنية من الدرجة الأولى " الفاخرة" إلى ما يقرب من 170 ألفا في غرب القاهرة والقاهرة الجديدة، مقابل نحو 70 ألفا حاليا.
كما تشهد السوق العقارية استمرار الطلب على الوحدات السكنية بالمشروعات الجديدة التي تنفذها الدولة والقطاع الخاص وهو ما يبشر بأن يظل الطلب على الوحدات السكنية مركّزا عبر الشريحة المتوسطة إلى الراقية، مما يجتذب بشكل أساسي فئة الدخل الأعلى من السكان، كما سيتم تحقيق فائض في المعروض من الوحدات السكنية.