مهنة الجدود المهددة بالاندثار.. القاهرة 24 يعايش أقدم صنايعي منشار نحاس في الجمالية | فيديو
في أحد دروب منطقة الجمالية التي تعج بالعديد من الورش والحرف اليدوية الأصيلة، يعكف شاب ثلاثيني، يدعى: محمد سيد النشار، على قطع وتفريغ أشكال ورسومات مطبوعة على قطع من النحاس، مستخدما ما يسميه: صفيحة منشار مسننة من الصلب.
ففي غرفته الضيقة التي لا تتجاوز بضعة أمتار، ينهمك بطل حكايتنا، محمد النشار، في تفريغ أطباق نحاسية مطبوع عليها رسومات فرعونية مطمورة الملامح، وهي في الطور الأول من التصنيع.
قبل أن يباشر علمه في تحويل تلك الأطباق المعدنية إلى قطع فنية تصلح كـ أنتيكات؛ يجب أن يحدد المناطق المراد تفريغها أولا، والتي تتعين- حسب قوله- إما برغبة الزبون والرسمة التي يريد أن تبدوا عليها قطع النحاس، أو أن يترك له الزبون في بعض الأحيان كامل الحرية في إظهار إبداعاته الفنية.
وتبدأ مرحلة: نشر النحاس، أو ما يمكن وصفه: بـ التفريغ؛ بإحداث مجموعة من الثقوب في الشكل بأماكن معينة؛ ليتمكن من خلالها من إدخال صفيحة المنشار، وتسمى هذه المرحلة بـ: التخريم، والتي يعتبرها محمد سيد أنها أساس الحرفة.
ففي صباه عندما بدأ بتلقي وتشرب تعاليم وفنيات تلك الصنعة من والده، توجب عليه معرفة الأسلوب الصحيح للتخريم، والأماكن المناسبة لإحداث الثقوب، وهو ما يتحدد بناء على المناطق المراد تفريغها، فثقب خاطئ؛ يكلف صاحبنا ثمن القطعة، لأنه بذلك أتلف الرسم؛ لذا فهي تعد من أهم المراحل التي يرتكز عليها العمل كله.
ويشير محمد النشار إلى أن أغلب الثقوب التي يُحدثها، يستخدم بُنْطَة، مقاسها 1.5 مليمتر، وقد يلجأ إلى مقاس أصغر يصل إلى 1 مليمتر، أو مقاسات أكبر، فاختيارها؛ يخضع لحجم الشكل، فهناك أشكال يتصل مساحتها لامتار مربعة تستخدم في النجف تحتاج إلى بُنطة أكبر.
المرحلة التالية للتخريم؛ هي تفريغ الرسم، وتتطلب الإمساك الجيد للمنشار للتحرك بالصفيحة المعدنية على حدود الرسمة دون أن تفلت يداه، وهنا تظهر حرفية العامل التي يصفها محمد النشار بـ نظافة الشغل ودقة القطع.
وفي تلك المرحلة يتذكر النشار، إرشادات والده في ربط صفيحة المنشار بالطريقة والاتجاه الصحيحين؛ كي لا يُهدر أعدادا كبيرة منها، خاصة وأنها مكلفة؛ لكونها مصنوعة من الصلب.
وتضمنت الإرشادات أن يتوسط في ربطها فلا يشدد فتنفجر من المنتصف، ولا يتهاون فتنكسر، وجعل اتجاه السنون نحو الأسفل حتى يتمكن من القطع بشكل صحيح، كما يجب استخدام الزيت في أثناء العمل حتى يهدئ من حرارة الاحتكاك ويسهل من حركة الصفيحة بالنحاس.
ويواصل محمد سيد حديثه عن مواصفات الصفيحة واختيارها؛ فيذكر أن لكل قطعة نحاس صفيحة منشار مخصصة للعمل بها، وتتحدد وفقا لسمك القطعة النحاسية، فكلما زاد سمكها زاد حجم الصفيحة.
وكالعادة لكل مهنة مشقتها، فيروي بطلنا، وقد خيم على وجهه معالم الإرهاق، أن: الفك والربط من الأمور المتعبة في هذه الصنعة، حيث يضطر للفك والربط بعدد الثقوب في الشكل، والتي تصل إلى 90 ثقبا أو زيد، ما يترك آلاما في تجويف كتفه الذي يرتكز عليه أثناء ربط الصفيحة بالمنشار، بخلاف آلام يديه.
العجيب في أمر النشار، أنه صُدم لوهلة، من سؤاله عن ما غذاى كان يرغل في نقل الصنعة لأولاده؛ ليجيب، وهو يتبسم ضاحكا، أنه لا يدري، معتزما على تعليم ابنه أولا، وحصوله على شهادة جامعية مرموقة.
واختتم حديثه متمنيا: من المفيد ليا إني أعلمه، وأخلي معاه شهادة، المهم إني على قد ما أقدر إني أطلعه حاجة مشرفة، دكتور مثلا أو مهندس أو وكيل نيابة أو محامي، عشان يكون فايده للبلد وليا كمان.