عبد الرحمن الخميسي.. أديب صنعه التناقض
كل كاتب يكون صنيعة ظروفه وبيئته، وقد تكون هذه البيئة مرفهة وحياة الكاتب ناعمة، ما يوفر له جوا ملائما للاطلاع الواسع، وإثقال الموهبة، لكن على العكس قد نجد أديبا يعيش حياة قاسية جدًّا، جعلت منه أيضًا أديبا كبيرا، ومن بين النوع الأخير الكاتب عبد الرحمن الخميسي.
في كتابه القديس الصعلوك يذكر مؤلفه يوسف الشريف، أنه سأل عبد الرحمن الخميسي عن بداياته الأولى في الإدراك المعرفي والإبداع الفني فأجاب الخميسي ضاحكا: الإبداع كالجنس تحرکه ثلاثة عوامل: الرغبة والإرادة والقدرة، وقد تولدت رغبتي في الإبداع مع رغبتي في البوح والتعبير عن مشاعري الحبيسة المبهمة زمن الطفولة.
ويضيف الخميسي: وقد لعب التناقض الذي عشته في تلك الفترة ما يشبه الجدل أو الدراما في تفكيري ورؤاي للأشياء، التناقض بين أبي ووالدتي، بين المدينة والقرية، بين إدراكي للمسئولية وتحمل أعبائها صغيرا وحرماني من الرعاية والحنان واللعب، وحقي في التجريب والخطأ مثل أقراني الأطفال، وهذا التناقض كان له أثر عميق في وجداني، كأنما خلق الله لي عقلين في عقل واحد، وهكذا بينما كان الناس ينظرون لي باعتباري طفلا، كان أقراني يتعاملون معي وكأني رجل أو أكبر منهم في السن وفي رجاحة العقل والشجاعة أو التهور، ما أورثني ذلك الصراع المرير الذي يعتمل في تفكيري ورفضي للمسلمات، والنظرة النقدية التلقائية للشيء ونقيضه، أو الوجه الآخر للحقيقة وباطن الظاهر للأشياء.
يواصل الخميسي: وعلى ما يبدو فإن الرغبة الحبيسة في التنفيس عن مكنونات نفسي عندما صادفت میکانیزم الصراع بين المتناقضات في تفكيري ورؤاي، قد ولدت لدي الرغبة في التعبير المبكر الذي قدره غيرى إبداعًا.
وأما عن عامل القدرة فيقول الخميسي: كانت الوحدة الشقيِّة في طفولتی ظرفا ملائما لقراءة كل ما تقع عليه عيناي من القصص والأشعار والأساطير ربما بما يفوق عمرى، فكان عشقي للأدب والفن، وراح عاملا الرغبة والإرادة يتفاعلان مع القدرة في طفولتي وفتوتی، كل منهما يغذى الآخر، فما إن أمسك القلم، حتى أنساب على الورق شعرا وأدبا وخواطر شتى، إذ كان احتياجي إلى التعبير أقرب إلى الضرورة القصوى، كاحتياج القلب إلى النبض، والرئتين إلى التنفس، والقدمين إلى السير، والأسنان إلى المضغ، ومن هنا حاولت أن أتنهد، أن أقول آه، أن أطلق صرختي، ولعل بيتا من إحدى قصائدي حينذاك يشي بدوافعي إلى التعبير والإبداع.
من هو عبد الرحمن الخميسي؟
تحل اليوم ذكرى الكاتب الكبير عبد الرحمن الخميسي، المولود في 13 نوفمبر عام 1920 وهو شاعر ومسرحي وقاص وناقد، واشتغل بالصحافة والتأليف الإذاعي والترجمة، ولد في بورسعيد وانتقل إلى مدرسة القبة الثانوية في المنصورة ثم ارتحل إلى القاهرة وهناك لمع اسمه في عالم الأدب.
ترك الخميسي إبداعًا غزيرا في جميع الأجناس الأدبية فمن دواوينه الشعرية: أشواق إنسان، دموع ونيران، ديوان الحب، تاج الملكة تيتي شيرى، مصر الحب والثورة.
ومن مجموعاته القصصية: من الأعماق، صيحات الشعب، قمصان الدم، ولن نموت، رياح النيران، وفي المسرح كون الخميسي فرقة مسرحية باسمه في 21 مارس وقدمت مسرحيات من تأليفه منها وهي الحبة قبة، والقسط الأخير وحياة وحياة، وتوفي عبد الرحمن الخميسي عام 1987.