رائد النهضة الحديثة.. محطات في حياة علي مبارك بذكرى وفاته
علي مبارك، الطموح الذي استتر وراء عناد طفلٍ تمرَّد على أسرته، الشاب الذي عاش مراهقته في مدارسة العلم وطلبه، العاكف على تعلم الفرنسية في ليالٍ معدودات، من حياةٍ ذاخرة بالكفاح والعمل ورفعة التعليم إلى الرحلة التي يذهب فيها صاحبها ولا يعود، التي كانت في مثل هذا اليوم الموافق 14 نوفمبر عام 1893، يوم أن شيعته مصر كلها إلى مثواه الأخير، بينما عاش اسمه مخلدًا بين أوراق التاريخ.
علي مبارك.. الطفل النابغ الطَّموح
رفض التعلم في الكتَّاب الذي يهين فيه الشيخ تلاميذه، وأبى أن يخضع لتعاليم العائلة المصرية قديمًا وتعليمها التقليدي، ابن عائلة المشايخ الذي أحب أن يذكره التاريخ وأن يكون عظيمًا، كانت طفولة علي مبارك مليئة بالشغب والمجاهدة في طلب العلم على طريقته الخاصة، فلم يسمح لأحدٍ أن يتناول ضعفه أو يستنكر عليه ذكاءه، كل ما كان يهمه نيل أكبر قسط من التعليم على الطراز الحديث، وكانت غيرته على المناصب المصرية التي يتقلدها الأتراك سببًا مهمًا في تشكيل هويته الثقافية، فأصبح رئيسًا لوزارة المعارف في عهد الخديوي إسماعيل، بعدما خاض محطاتٍ كثيرة انطلقت من عزيمته.
علي مبارك بين أيدي محمد علي وأبنائه
تخرج محمد علي في مدرسة المهندسخانة، وعاش حياة بائسة قبلها في قصر العيني، كان من أبرز نجباء المدارس وقتها، في الوقت الذي قرر فيه محمد علي أن يرسل أحفاده، رفقة نخبة من نجباء المدارس في بعثة إلى فرنسا، كان من حظ علي مبارك أن يكون معهم، ولكنه لم يفقه شيئًا عن الفرنسية، ما شكل له عائقًا كبيرًا، ولكنه سرعان ما تغلب عليها وتدارسها في ليالٍ عدة بمفرده، بعد أن رفض أصدقاؤه مساعدته في هذا الشأن رغم طلب المعلمين.
علي مبارك بين يدي عباس الأول بن محمد علي، يحكي عن ذلك الموقف في مؤلفه: لما تمثلت بين يدي المرحوم عباس باشا أنا وحماد بك وعلي باشا إبراهيم قال لي: أنت علي أفندي مبارك؟، قلت نعم، فقال: إن أحمد باشا قد أثنى عليك فقد جعلتكم في معيتي.
عينّه عباس باشا بعد ذلك مديرًا لديوان المدراس، فلبّى طلبه على أكمل وجه، واهتم بالتعليم وشارك المدرسين في إعداد وتأليف الكتب، ازدهر ديوان المدارس في عهده للحد الذي أكسبه الشهرة، وأطمع فيه الكثيرين، فوَشوا به عند سعيد باشا، والي مصر بعد وفاة عباس الأول، فأقاله من ديوان المدارس، وأحيلت حياته إلى ضيقٍ شديد ما اضطره للعمل في المزادات والبيع فيها.
بعد تولي الخديوي إسماعيل حكم البلاد، أعاد علي مبارك لمنصبه مرة أخرى في وزارة المعارف، طور علي أكثر في التعليم وبث الدعم والعلم في نفوس الطلاب، ولم تفته أي فرصة في سبيل خدمة الوطن وتركها.
مؤلفات علي مبارك
برز كتابه، الخطط التوفيقية، على رأس مؤلفاته، ولو لم يكن له إلا هو فيكفيه أنه كتاب يضيء بصماته، ويتركها علامةَ مضيئة في أثر التاريخ، كما أن له مؤلفًا آخر تحت عنوان، علم الدين، ثم توالت مؤلفاته بعد ذلك ومنها: حقائق الأخبار في أوصاف البحار، وسوق الجيوش، وتذكرة المهندسين، وتقريب الهندسة، وغيرها.