أغلى من الياقوت
القصة دي على لسان أماني راسم اللي كتبت على فيسبوك، وقالت إنها وأسرتها عايشين في كندا.. مكتوب إن ماريا بنتها إدوها في المدرسة عروسة لعبة على شكل بيبي صغير رضيع عمره أيام في مادة اسمها Parenting، بحيث إن كل طالبة تحتفظ بالعروسة اللعبة بتاعتها لمدة 3 أيام متواصلة في البيت.. والهدف؟.. إنهم يخلّوا الأطفال يجربوا إحساس الأمومة والمسؤولية من صغرهم.. إزاى؟.. من خلال الطفل اللعبة المبرمج لأنه بيحس بالحرارة والطقس البارد ولما يجوع المفروض إنها تديله ياكل ولازم تخليه يتجشأ بعد الرضاعة -أو يستنطق بالبلدي- زي أي طفل حقيقي!.
المهم أن كان مطلوب من ماريا زي ما بتقول والدتها إنها تعتني بالطفل اللعبة ده كأنها أمه.. ليلتين كاملين ماريا مانامتش لأنها كان بتصحى بالليل لما اللعبة بتبكي.. والدة ماريا قررت إنها تقفل باب أوضتها على نفسها عشان تسيب بنتها تخوض التجربة كاملة دون ما تلجأ لها.. الفكرة إن ماريا كان مجبرة تسكت الطفل لما يعيط بنفسها لإن فيه جهاز متوصل بإيديها بيخليها هي الوحيدة اللي تقدر تخليه يسكت لما يعيط.. يعني تدبيسة تدبيسة يعني.. في نهاية اليوم الثالث كانت ماريا في قمة التعب بس في نفس الوقت في قمة النشوة والإحساس بالانتصار إنها نجحت لما خاضت التجربة بنجاح وحست بأهمية إن يكون عندها طفل وإن الموضوع مش مجرد خلفة وخلاص.. الجميل إنهم في كندا بيدوا درجات على المادة دي وبيبقى ليها علاقة بالمجموع النهائي للطالبة!.
الناشط والفيلسوف الهندي آرون بيحكي في كتابه Legacy Of Love عن موقف حصل بينه وبين والده لما كان عنده 16 سنة... كانوا عايشين في جنوب إفريقيا في مزرعة اسمها فونكس بعيدة عن المدينة بنحو 20 كم.. فين وفين لما بينزلوا المدينة وده خلق شيء من العزلة والخنقة عند آرون.. أبوه في مرة قرر ينزل المدينة عشان يخلص شوية مصالح.. قرر ياخد ابنه معاه.. قرر كمان يخليه هو اللي يسوق العربية بيهم عشان يحسسه إنه راجل يعتمد عليه.. آرون طار من الفرحة وانشكح.. ساق بأبوه لحد ما وصلوا للمدينة لمكان المبنى اللي هيعمل فيه المصلحة بتاعته.. الأب كان هياخد 4 ساعات في المشوار بتاعه بس ماحبش يزنق الولد معاه فقاله تقدر تلف شوية بالعربية لحد ما أخلص بس تجيلي هنا الساعة 5 المغرب بالظبط؟.. آرون وافق ولقاها فرصة مناسبة عقبال ما أبوه يخلص إنه يدخل السينما.. بس ماكنش يقدر يقول على موضوع السينما لأبوه لأنه كان هيمنعه خصوصًا إن نوعية الأفلام اللي بيحبها الولد كانت بتميل للعنف.. بينه وبين نفسه قال وإيه يعني إحنا كدة كدة ميعادنا الساعة 5 والساعة دلوقتي 1.. لف شوية وبعد كدة ركن العربية في الجراج الوحيد في المدينة.. طلع على السينما.. لقى فيه فيلمين جداد هيتعرضوا ورا بعض وبسعر تذكرة واحدة.. حجز.. شاف الفيلم الأولاني.. خلص الساعة 3:30.. لسه باقي ساعة ونصف على ميعاد أبوه.. قرر يشوف حتة من الفيلم التاني.. قعد يشوفه.. الوقت وأحداث الفيلم سحبوه دون ما يحس ولا ياخد باله.. بص على الساعة لقاها 5:30!.. طلع جري على الجراج العمومي خد العربية وانطلق على المكان اللي متفق عليه مع أبوه.. لقى أبوه واقف في الشارع وعلى وشه علامات القلق والخوف عليه!.. سأله: لماذا تأخرت؟.. فكر شوية ورد: السيارة تعطلت. أبوه قال بزعل: لكن ليس هذا ما قاله لي عامل الجراج عندما ذهبت أبحث عنك ووجدت السيارة هناك!، الحقيقة أني حزين لأنك كذبت علي ومن الواضح أني فشلت أن أغرس فيك الثقة والشجاعة لتقول لي الحقيقة بلا خوف ويجب أن أكفر عن تقصيري هذا حالًا.. طبعًا آرون واقف مبلول جنب أبوه ومرتبك ومنتظر يسمع قراره.. الأب كمل كلامه: سأعود إلى المنزل سيرًا على الأقدام.. آرون اتصدم من رد أبوه إزاي هيرجع المسافة دي كلها على رجله وهو راجل كبير في السن!.. وبعدين هو العقاب المفروض يكون ليه هو ولا لأبوه!.. حاول يمنعه بس الأب صمم وبدون ولا كلمة اتحرك في طريق البيت مشي!.. الولد يحاول يمسك إيد أبوه؛ لكن أبوه ينطر إيده ويقول وهو مكمل مشي: (إنه ليس خطأك بل خطأي أنا وسأكفر عن هذا الخطأ الآن).. "آرون" بيقول في الكتاب: (لم أستطع السير برفقة والدي لأن علي أن أعود بالسيارة وفي نفس الوقت لا يمكنني أن أنطلق بها وأتركه).. الحل كان إنه يفضل ماشي ورا أبوه بالعربية بالراحة جدًا.. الولد كان بيتعذب وبيتقطع وهو شايف أبوه قدامه ماشي بصعوبة.. فضل الأب ماشي قد إيه على رجله وابنه وراه بالعربية؟ خمس ساعات ونصف!.. مسافة طويلة لراجل عجوز.. طريق ضلمة.. أرض ريفية غير ممهدة.. أخيرًا وصلوا البيت.. لقى أمه منتظراهم على الباب وقلقانة عليهم وبمجرد ما الأب دخل البيت ماقلش ولا كلمة من اللي حصلت بينهم.. خلع جزمته.. طلب من الأم طشت كبير فيه ميه دافية عشان يحط رجله اللي اتشققت فيه.. منظر رجل الأب كانوا مؤلم جدًا للابن اللي كان عارف بينه وبين نفسه إن هو السبب.. آرون بيقول: مر على الموقف ده 50 سنة تقريبًا ولسه فاكره.. بيقول كمان إن لو أبوه كان عاقبه كان هيحس بالذل ويمكن بالعِند والعصيان ويكرر غلطته تاني.. لكن عقاب أبوه له كان إنه خلّاه يحس بالذنب طول عمره ومن وقتها ولحد ما بقى هو كمان أب بقى فاهم إن الصح في علاقة الأهل مع ولادهم الصحوبية.
أغلبنا اتربينا غلط.. نسبة قليلة اللي نفدت بتربية صحية وفي بيت دافئ وسط أب وأم صُحاب لأولادهم قبل ما يكونوا أب وأم.. النسبة الأغلب مننا لما بنغلط كانوا بين طريق من اتنين.. يا إما بنتساب وبنتدلع ومش بنتحاسب يا إما بنتعاقب بأكبر من حجم الغلطة نفسها وده بيولد عِند جوانا وبيخلّي لتكرار تجربة الغلط لذة.. لو أنت أب أو أم صاحبوا ولادكم وخلّوا بينكم وبينهم جسر ثقة ومساحة حرية دون ضغوط تبقوا من خلاله أول حد يجروا عليه عشان يفضفضوا.. في الزمن ده مافيش عيال ولا أمخاخ صغيرة.. الكل بيكبر قبل أوانه.. كبّروا أولادكم.. ممكن تكون من الأبناء المحظوظين اللي اتربوا صح.. حافظ على تكرار ده مع ولادك.. وممكن تكون من الأبناء اللي ماكنش ليهم نصيب في دفا الأسرة اللي بيحلموا بيها.. قسوة بقى أو عنف أو قلة اهتمام.. مش مهم؛ المهم إن عندك فرصة ماتعملش ده مع ولادك لما تخلف وتعوضهم باللي ماحصلش معاك.. مساحة حرية تحت النظر بتضمن وجودهم للأبد تحت جناحك وقبل وجودهم بتضمن حبهم.. واحد صاحب أبويا الله يرحمه ورغم إنه كان عايش في مجتمع صعيدي منغلق بعض الشيء كان بيقول: (أنا بربي ابني بطريقة اليويو؛ بديله حريته وبزقه، وهو اللي بيرجع بنفسه ولوحده).. أنت لما بتربي مش بتربي ولادك بس لكن وأولادهم كمان ومافيش تربية بتتنسي.. الخِلفة مش إنك تتنطط بكلمة بابا وترضي أبوك بحتة عيل يشيل اسمه أو إنِك تغيظي جارتك اللي ما بتخلفش بقورطة عيال!.. الخِلفة مجرد بداية لطريق لو مش قده ماتمشيهوش من الأول!.. التربية مسئولية، قليلين اللي فاهمينها وأقل منهم اللي بيعملوها صح.. أى حد يقدر يخلف بس مش أى حد يعرف يربى.. الداعية السعودي أحمد الشقيري، قال: عند بكاء أولادي أو غضبهم وجدت أن أفضل طريقة لتهدئتهم هي حضنهم دون كلام أو نقاش أو معاتبة، فقط حضن هادئ أثره عجيب.